أثارت زيارة قائد فيلق
القدس
الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد، ولقاؤه كبار المسؤولين
العراقيين وقادة
المليشيات الحليفة لطهران، تساؤلات عدة عن دور إيران في إنهاء الأزمة الحالية بين
الطرفين، التي بلغت ذروتها بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى
الكاظمي.
وسائل إعلام عراقية كشفت أن قاآني وصل إلى بغداد في ساعة متأخرة من يوم الأحد، والتقى الرئيس العراقي برهم
صالح، ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، إضافة إلى اجتماعه بقادة المليشيات المسلحة،
مؤكدا دعمه لـ"تهدئة الأوضاع وضبط النفس".
"ضبط التصعيد"
وتعليقا على ذلك، رأى أستاذ
العلوم السياسية الدكتور معتز النجم لـ"عربي21"، أن "زيارة قاآني
تؤشر إلى أن إيران لا تزال لاعبا أساسيا في المعادلة السياسية العراقية، وأن حادثة
محاولة اغتيال الكاظمي أصبحت نقطة جوهرية في جذب الفاعل الدولي إلى العراق".
وأوضح النجم أن "إيران
معادلتها اليوم صفرية في العلاقات الدولية، فهي إما أن تخسر كل شيء أو تربح كل
شيء، وبالتالي فإن زيارة قاآني ضرورية، على اعتبار أن إيران ترعى فصائل وجهات
سياسية عراقية، لذلك تحاول ضبط إيقاع الفصائل من أجل المصالح الإيرانية
بالعراق".
ولفت إلى أن "من يمثل
إيران في العراق حاليا هو قاآني، فهو يحاول وضع سلسلة حوارات يمكن أن تنفع إيران،
وهناك سيناريو تريد الأخيرة أن تطرحه، هو فصل الاستحقاقات الانتخابية عن المناصب
الحكومية، وهذا يعني تشكيل حكومة توافقية".
ورأى النجم أن "إيران
لا بد لها أن تطرح نفسها في الوقت الحالي على أنها هي من تحل المشاكل في العراق، وتنزع فتيل الأزمة، لأنه ليس من صالحها أن تسوء الأوضاع بشكل أكبر، خصوصا أن
حلفاءها خسروا في الاستحقاقات الانتخابات العراقية الأخيرة".
وأكد المحلل السياسي
العراقي أن "المخابرات الأمريكية وقوات التحالف الدولي وحتى المخابرات العراقية
تعرف مصدر الطائرة التي حاولت اغتيال الكاظمي، إضافة إلى أن المستفيد من هذه
العملية بالتأكيد الفصائل القريبة من إيران".
ونوه النجم إلى أن
"الطائرات المستهدفة تمتلكها الفصائل المسلحة الموالية لإيران، ولا توجد
سابقة تقول إنها تعود إلى تركيا أو السعودية، أو أن الولايات المتحدة هي من نفذت
محاولة الاغتيال، وكذلك فإن زيارة قاآني والتحرك الإيراني السريع عقب الحادثة هو
محاولة لاحتواء الأزمة".
"محاولة للتبرئة"
وفي السياق ذاته، رأى
المحلل السياسي العراقي، فلاح المشعل، أن "زيارة قاآني رفقة أبو جهاد
الهاشمي -كان يدير مكتب عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي السابق- تأتي ضمن
تداعيات محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي".
وأوضح المشعل، في حديث
لـ"عربي21"، أن "المؤشرات الأولية التي ظهرت تؤكد أن الصواريخ
والطائرات التي استخدمت في هذا الاعتداء إيرانية الصنع، وهذا يؤكد أن الأذرع
الإيرانية في الداخل العراقي ضالعة في هذه الحادثة".
ووصف الخبير العراقي محاولة
الاغتيال بأنها "أمر جلل، لا يخص رئيس الوزراء فحسب، وإنما مساس بالهرم
السيادي العراقي، وكرامة كل العراقيين، لهذا جاءت زيارة قاآني لأن هذه الفصائل
المتهمة بالحادثة ترتبط بشكل أو بآخر بإيران".
ولفت المشعل إلى أن
"التفاعل الإقليمي والعالمي مع حادثة محاولة الاغتيال هو من دفع قائد فيلق
القدس الإيراني إلى القدوم للعراق، في محاولة تبرئة ساحة إيران من هكذا فعل، وكأنه
يريد القول: نحن بريئون مما جرى، بل نحن معكم للمساعدة والدعم".
وأعرب مشعل عن استغرابه من
أن "قاآني التقى في زيارته المفاجئة أولا بهادي العامري، زعيم منظمة بدر، وقادة
الفصائل المسلحة، قبل لقائه رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي".
ونوه إلى أن "زيارة
قاآني هدفها أيضا تخفيف حدة التوتر وتنامي الأزمة؛ لأنها أثارت العديد من التداعيات، خصوصا بعد تشخيص أن من يقف وراء ذلك أسلحة ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بإيران.
وأعرب المشعل عن اعتقاده
بأن "الأزمة أكبر من أن يتدخل فيها قاآني، كونها خرجت من نطاق شخص رئيس
الوزراء، وصارت تعني الأجهزة الأمنية وجميع مكونات الشعب العراقي، وحتى من كان لهم وجهة نظر معارضة للكاظمي أعلنوا تضامنهم ودعمهم للأخير".
وتابع الخبير العراقي قائلا: "السؤال اليوم المطروح في العراق هو: إلى متى تبقى هذه المجاميع
تتلاعب بمقدرات البلد، وإذا كان رئيس الوزراء يتعرض لهذا الاعتداء، فمن يحمي
المواطن العادي والإعلامي والسياسي ومؤسسات الدولة العراقية؟".
"بصمات إيرانية"
وفي تقرير لوكالة
"رويترز"، تحدثت مصادر أمنية وأخرى مقربة من فصائل عراقية موالية لإيران،
الاثنين، عن وقوف جماعة مسلحة واحدة على الأقل وراء محاولة الاغتيال الفاشلة التي
تعرض لها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مقر إقامته في المنطقة الخضراء.
وجاء ذلك فيما توعد الكاظمي
خلال ترؤسه جلسة استثنائية لحكومته، مساء الأحد، بملاحقة المتورطين في محاولة
اغتياله التي تمت باستخدام طائرات مسيّرة استهدفت مقر إقامته، مؤكدا أن الحكومة
"تعرف المنفذين".
ونقلت عن مسؤولين أمنيين
عراقيين وثلاثة مصادر مقربة من الفصائل المسلحة، قولهم إنّ محاولة الاغتيال
الفاشلة ضد الكاظمي "نفذتها جماعة مسلحة واحدة على الأقل من التي تدعمها
إيران"، لكنهم قدموا تقييمات مختلفة قليلا بشأن أي من الفصائل تحديدًا.
وأشارت تلك المصادر، التي
اشترطت عدم الكشف عن هويتها للوكالة، إلى أن الطائرات المسيّرة والمتفجرات
المستخدمة في محاولة الاغتيال "إيرانية الصنع".
وأفاد مسؤولان أمنيان بأن
"كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق نفذتا الهجوم جنبا إلى جنب"، فيما تحدث
مصدر بجماعة مسلحة أخرى بأن كتائب حزب الله "متورطة"، وأنه لا يستطيع
تأكيد دور العصائب.
وكذلك تعهدت اللجنة الأمنية
العراقية المكلفة بالتحقيق في محاولة الاغتيال بكشف الجهات الفاعلة للعلن مهما
كانت، في وقت عرض فيه الجانب الأمريكي على الحكومة العراقية المساعدة في عمليات
التحقيق؛ لمعرفة الجهات المتورطة في الحادثة.