أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيّد، عن العمل على إحداث وتعميم منصات تواصل افتراضي لتمكين المواطنين من المشاركة في "حوار وطني حقيقي"، ما أثار تساؤلات حول مدى جديّته بذلك، في وقت يتزايد فيه تورّطه بأزمات البلاد جراء انقلابه على السلطات المنتخبة وتفرّده بالحكم.
وقال سعيد إنه سيصدر أمرا رئاسيا "في وقت قياسي" لبدء حوار وطني "حقيقي صادق ونزيه" مع الشباب والشعب التونسي، "باستثناء اللصوص ومن باع ذمته للخارج"، مشيرا إلى أنه سيتضمن محاور أساسية تتعلق بالنظام السياسي والانتخابي.
واعتبرت أوساط سياسية دعوة سعيّد لهذا الحوار "الغامض"، والغريب على سياسة تجاهل معارضيه، مناورة جديدة منه بعد الضغوطات الخارجية الأخيرة والعزلة التي بدأت تحاصره في ظل وضع اقتصادي يهدد البلاد بالإفلاس والانفجار.
نعم للحوار.. ولكن
ويرى أسامة عويدات، عضو المكتب السياسي لحركة الشعب الموالية للرئيس سعيّد، بأنه "يجب أن يكون هناك حوار في علاقة بالإصلاحات الكبرى وعلى أساس مبدأ التشارك مع الشباب الذي غيب في مدة سابقة، واليوم عليه أن يكون حاضرا لبناء مستقبله".
وأكد عويدات، في تصريح خاص لــ"عربي21"، أن "من سيشارك في الحوار هم الشباب ومن آمنوا بمسار الخامس والعشرين من يوليو.. سيشارك من لديهم القدرة على الرؤية والتفكير لبناء الجمهورية الثالثة لتونس بعيدا عن لوبيات الفساد ومن تآمروا على تونس".
وأوضح عضو المكتب السياسي لحركة الشعب أن "الحوار سيشمل النظام السياسي والقانون الانتخابي نظرا للنقائص الكبيرة، فالنظام الشبه برلماني السابق وضعنا في عدة أزمات وتعذر إيجاد حلول لها وبالتالي لا بد من التغيير والذهاب إلى ما يتماشى مع الواقع ومقتضيات اللحظة".
وبين أسامة عويدات أن "تفاصيل الحوار لم يتم بعد الكشف عنها بطريقة واضحة حتى نبدي رأينا فيها، نحن نريد حوارا ناجعا ولا نريده على الطريقة القديمة وتوزيع المواقع، جيد أن يكون حوارا مبنيا على مضامين لبناء الجمهورية الثالثة خاصة بالنظر إلى الوضعية الاقتصادية التي تعيشها تونس".
وبدوره، قال رئيس مجلس قيادة الحشد الشعبي التونسي، أنيس قعدان، في تصريح خاص لـ"عربي21" إنه كان ممن دعموا قرارات 25 تموز/ يوليو (الانقلاب)، مستدركا بالقول: "ولكن نرفض الإقصاء من الحوار الذي يدعو إليه الرئيس.. نحن مع حوار يشمل الأحزاب وخاصة غير البرلمانية".
اقرأ أيضا: اتحاد الشغل يتراجع ويوافق على المشاركة في "حوار" سعيد
ورجح قعدان أن "الحوار بالطريقة التي دعا إليها الرئيس لن يحقق أية نتيجة لأن الشباب الذي سيشارك ليست مشكلته النظام الرئاسي والانتخابي أو تعديل القوانين والدستور، بل شباب لديه مشاغل التشغيل والبطالة، يجب أن يكون الحوار بين الأحزاب والمنظمات".
ونبه قعدان من أن "الحوار الذي يريده الرئيس هو نسف وتمييع للحوار الحقيقي، نحن نقف مع الرئيس ومسار الخامس والعشرين ولكن أبدا لن نسانده في تبني مواقف دكتاتورية واستبدادية ما معنى حوار دون الجلوس والنقاش؟ أي معنى لحوار وراء المنصات؟ تم الانحراف بمسار الخامس والعشرين الشعب لم يخرج يومها لأجل قرارات مسقطة وإلغاء الأحزاب كليا والتفرد بالرأي، نحن بكل وضوح ضد هذا التوجه ونطالب الرئيس بالتراجع".
تحايل
على امتداد أشهر طويلة مرت والرأي العام بتونس ينتظر إعلان الرئيس سعيد عن حوار وطني جامع لأجل إنهاء الأزمة السياسية التي بلغت حد الانسداد، قدمت المقترحات وتتالت، أبرزها كانت من الاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره أكبر منظمة نقابية عمالية وأيضا من عدة أحزاب ولكن الرئيس جعل التصورات حبرا على ورق ولم يكترث لها ووصف ما عقد سابقا بالحوار اللاوطني (حوار 2013).
يقول عبد الحميد الجلاصي، السياسي ورئيس منتدى "آفاق جديدة"، في قراءة خاصة لـ"عربي21" بخصوص الحوار الذي يدعو إليه الرئيس سعيد، إن "ما يقوم به الرئيس المنقلب لا يمكن تصنيفه إلا أنه استمرار في المغالبة والتذاكي والتحايل، لا معنى للآجال الزمنية عنده هو عدو للضبط وبهما تدار الدول، المليون والمليار سيان عنده وكذلك الشهر والسنة فهو يعيش في عالم غير العالم".
ويعتبر الجلاصي أن "أهم كلمة عنده أن ما يفعله ليس كما عهدنا ونعرف، هذا تعريف بالسلب ولكن يغيب التعريف بالإيجاب خالف تعرف فقط، هذه أفكاره الجديدة، ما دعا إليه هل هو استفتاء؟ هل هي استشارة؟ من يشارك فيه؟ يقول إنهم الشباب ولكن يتدارك وغيرهم أيضا نعود مرة أخرى إلى خاصية الاضطراب وقلة الضبط".
اقرأ أيضا: سعيّد يمنع صرف رواتب غير الملقحين بكورونا.. واستنكار
ويتابع رئيس منتدى "آفاق جديدة" مفسرا: "إن تجاوزنا هذا نعتبر أن ما يقوم به سعيد لعب على موجة الشعبية باستشارة شكلية تعيد له أفكاره وتكسبها في نظره شرعية شعبية، والأخطر من هذا أن سعيد يوظف موقعه وأجهزة الدولة ومواردها لبناء رافعته السياسية ولن يوضح وجهة البلاد حتى يطمئن إلى نتيجة المباراة حينها لن يكون موقعه نتيجة انقلاب وإنما نتيجة بيعة شعبية".
ولفت الجلاصي إلى "أظن أن البلاد التي ناضلت أجيالها من أجل تحرير الدولة من هيمنة أي حزب ستعود إلى تلك المرحلة وستلغي تاريخها، سعيد ينبه النخب أنه في مواجهتها جميعا وأن ما يعنيه هو الهيمنة وليس الإصلاح، لقد خسرت وقتا ثمينا قبل الانتباه لما كان واضحا منذ البداية وسمحت للمنقلب أن يتمدد وأن يخرب البلاد ويفرض عليها حصارا لعلها تمتلك شجاعة الاعتراف لبناء جبهة وطنية تلتقي على الحد الأدنى الديموقراطي كما يعرفه العقلاء".
دعوة شكلية
من جانبه يؤكد النقابي والسياسي المعارض عدنان الحاجي في تصريح خاص لـ"عربي21" أن الحوار الذي يدعو له الرئيس "لا فائدة ولا جدوى منه فالحوار له شروط وقواعد، فتوسيع النطاق والكل يدلي برأيه (الشعب عامة) كيف ستتم عملية التجميع والاستنتاج والتأليف لملايين الآراء والخروج بمخرجات؟ إذا أرى أنه تعويم للمسألة ونتائج هذا الحوار لن تكون دقيقة بالمرة".
وشدد محدثنا الحاجي على أن "المرآة الحقيقية للمجتمعات هي الأحزاب والمنظمات والجمعيات فكل طرف يمثل جزءا من هذا الشعب وبذلك يكون الحوار ذا معنى".
وعن رفض الرئيس لهذه المكونات يجيب الحاجي، بالقول: "ليست شهوة أو إرادة حتى يرفضها الرئيس هي أطراف موجودة ولا يمكن الاستغناء عنها، نعم نقصي من تورط في الفساد وليس الجميع، لا يمكن أن يكون الحوار بلجان شعبية كنظام القذافي أبدا لن نسمح بذلك".
وانتهى النقابي إلى أن "الحوار دون أحزاب هو شكلي وصوري وسيكون الرئيس ولجانه محددا فرديا ووحيدا وبالتالي أبدا لا يمكن الخروج بالبلاد من أزمتها عبر التفرد بالرأي والقرار".
حكومة بودن.. شرعية مفقودة وولادة تحت الضغط (شاهد)
نشطاء: سعيّد يتحمل مسؤولية العنف ضد المتظاهرين
"ارحل" تدوّي مجددا بشوارع تونس.. هل يستجيب سعيّد؟ (شاهد)