لا تزال ردود الفعل تتواصل حول تعامل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع ملف حقوق الإنسان في مصر الذي جاء أقل من المتوقع، التي اكتفت باقتطاع جزء يسير من المساعدات العسكرية، وسط انتقادات حقوقية واسعة، واتهامات لها بنقض عهودها.
وقررت إدارة بايدن تعليق مبلغ 130 مليون دولار من المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، ورهنها باتخاذ خطوات فعلية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، لكنها وافقت في الوقت ذاته على صرف 170 مليون دولار من المساعدات، من شريحة قيمتها 300 مليون دولار.
ودأبت منظمات وجماعات حقوق الإنسان الضغط باتجاه حث بايدن على الالتزام بوعوده خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، عندما صرح بأنه "لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل"، في إشارة إلى رئيس سلطة الانقلاب عبدالفتاح السيسي.
لكن، يبدو أن الدور الذي أداه نظام السيسي في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الفلسطينيين في قطاع غزة ودولة الاحتلال في 20 آيار/ مايو الماضي، قد خفف من حدة الانتقادات الأمريكية، إلى جانب استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالى بينيت في أول لقاء علني منذ 10 سنوات.
اقرأ أيضا: بلومبيرغ: وعود بايدن تجاه حقوق الإنسان تلاشت بعد دعمه السيسي
وقللت مديرة منظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن، سارة لي واتسون، في تصريحات صحفية، من شأن قرار إدارة بايدن بحجب جزء من المساعدات العسكرية عن القاهرة، لافتة إلى أن التوقعات كانت تتطلع إلى منع المساعدات بشكل كامل، وليس جزءا منها فقط.
مسك العصا من المنتصف
رئيس مركز الحوار بواشنطن، عبد الموجود الدرديري، اعتبر أن من المبكر الحكم على إدارة بايدن، وقال؛ "إنها لم تخفق تماما، ولكنها حاولت مسك العصا من المنتصف، واشترطت عدة شروط على نظام السيسي فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، في تقديري أن وزير الخارجية الأمريكي يمكنه فعل المزيد، خاصة أن خلفيته حقوقية، وأصدرت 20 منظمة حقوقية في أمريكا بيان إدانة لإدارة بايدن، التي جعلت من ملف حقوق الإنسان على رأس أولوياتها، ولن تعطي شيكا على بياض لديكتاتور ترامب المفضل، وكان ينبغي حجب المعونة الأمريكية".
وأرجع في حديثه لـ"عربي21" السبب إلى "الضغوط التي مارستها اللوبيات الصهيونية والسعودية والإماراتية والمصرية على إدارة بايدن، مع الأخذ في الاعتبار أنها لم تكن تفكر في محاسبة نظام السيسي بالمعنى الدقيق؛ لأنها تعتبر مصر شريكا مهما في المنطقة، وتحافظ لها على مصالحها بغض النظر من النظام الذي يحكم، ولكنها خطوة مهمة والمستقبل سوف يزيدها حسما، وأعتقد أن الرسالة وصلت للمؤسسات الدولية والدول الغربية؛ أن واشنطن ليست راضية عن أوضاع حقوق الإنسان في عهد السيسي.
وأقر الدرديري بأن "جزءا من وعود بايدن في هذا الصدد كانت من باب الدعاية مثل كل الحملات الانتخابية، ولكن التحدي الأكبر هو في الفترة المقبلة، وما يشجع على أن الوضع قابل للتغيير، هو أن الجماعات الحقوقية تعمل دون كلل للضغط"، مشيرا إلى أن "هناك أدوات كثيرة بيد إدارة بايدن للضغط على السيسي، وقد يلغي الأخير زيارته إلى نيويورك في حال فشل في التوصل إلى عقد لقاء مع بايدن".
كما انتقدت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية موقف إدارة بايدن، الذي وعد في وقت سابق بأن السياسة الخارجية لبلاده في عهده ستركز على "الدفاع عن الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان"، وقالت لا يبدو أن إدارته مستعدة لتحقيق الوعد في الشرق الأوسط، وأحدث مثال على ذلك هو مصر.
اقرأ أيضا: أكبر مجمع سجون بمصر على النمط الأمريكي.. هكذا علق مغردون
أعرب الناشط الحقوقي، محمد سلطان، عن انزعاجه من تراجع موقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إزاء ملف حقوق الإنسان في مصر، بعد قرارها بحجب 130 مليون دولار فقط من المساعدات العسكرية لمصر، معتبرا أنها سقطت في الاختبار المبكر لمصداقيتها حول التزامها بهذا الملف.
وقال في تصريح صحفي لـ"عربي21؛ إن إدارة بايدن خالفت وعد حملة الرئيس بعدم وجود المزيد من الشيكات المفتوحة لـ "ديكتاتور ترامب المفضل"، رغم إدراكها أن نظام السيسي يواصل ليل نهار انتهاك حقوق الإنسان، بل إنها منحت نظام السيسي من الأموال خلال عامها الأول أكثر مما فعلت إدارة ترامب في عامها الأول.
وأبدى سلطان حزنه لما اعتبره انقلاب بايدن على وعوده، مشيرا إلى أنه كان يأمل في خطوات أكثر جدية، قائلا: "أشعر بخيبة أمل كبيرة، خاصة بعد دعمي الكبير له طوال حملته الانتخابية، من قرار إداراته الأخير، واعتبره أقل من المتوقع بكثير".
لعبة الضغوط المتبادلة
ويقول المتحدث باسم الجمعية المصرية الأمريكية للديمقراطية وحقوق الإنسان، سعيد عباسي: "إدارة بايدن لم تخفق تماما في محاسبة نظام السيسي، إلا أنها لم ترتق إلى المستوى المطلوب، فاقتطاع 130 مليون دولار وشرطها بتحسين حقوق الإنسان، ووقف الانتهاكات، والإفراج عن عدد من السياسيين الذين خصتهم الإدارة الأمريكية".
وأكد لـ"عربي21"، "أن اقتطاع هذا المبلغ يعتير أقل من مستوى تصريحات بايدن قبيل فوزه بالرئاسة، لكن هناك عوامل كثيرة تؤثر على القرار الأمريكي؛ منها الجناح العسكري المتمثل في البنتاغون، وأيضا اللوبي الصهيوني الذي له بعض الضغوط".
وتابع: "إلى جانب انشغال الإدارة الأمريكية بالملف الأفغاني وسحب قواتها ورعاياها وإجلائهم من أفغانستان، وأيضا الملفات الداخلية والتحديات الاقتصادية، كلها عوامل أدت إلى تخفيف الضغط الأمريكي على السيسي، وإن كنا نأمل في اتخاذ إدارة بايدن المزيد من الخطوات باتجاه الضغط على نظام السيسي".
أكبر مجمع سجون بمصر على النمط الأمريكي.. هكذا علق مغردون
بينيت يلتقى السيسي.. هل يقدم ما لم يقدمه نتنياهو؟
ماذا ينتظر مصر من مخاطر على الهوية بعد كلام السيسي؟