ثلاثة أسابيع مرت على انقلاب الرئيس قيس سعيد، يزداد الغموض وتتعمق المخاوف من مصير مجهول للبلد الذي لم يعرف فراغا على مستوى قيادته التنفيذية إلا في عهد الرئيس قيس سعيد، فقد غيب رئيس الحكومة وأجبر رئيسها على الاستقالة، وحضر رئيس جمع السلطات بيده بقبضة من حديد، فلا قرار ولا استشارة أو إجراءات من دونه، بعد أن أغلق البرلمان وجمد نوابه ورفع عنهم الحصانة.
غابت خارطة طريق المرحلة الاستثنائية، على الرغم من توالي الدعوات الملحة لحضورها، طال أمد إعلان اسم لترؤس الحكومة واختيار فريق حكومي يخرج البلاد من أزمتها.
لا أحد يمكنه معرفة بماذا وكيف يفكر الرئيس سعيد، ولا أحد أيضا يمكنه أن يحسم بموعد العودة للشرعية واختيار رئيس للحكومة، ولكن الصورة الواضحة التي بدأت تنكشف وتترسخ أن الرئيس يسعى لبسط وفرض الأمر الواقع وأنه لا قرار إلا له وأنه الرئيس الحاكم بأمره ولا سلطات لغيره.
خارطة مفقودة
يقول النائب عن الكتلة الديمقراطية، رضا الزغمي، في تصريح خاص لـ"عربي21": "بالفعل هناك تأخير كبير حاصل في إعلان الرئيس سعيد عن خارطة طريق المرحلة المقبلة ما بعد قرارات 25 تموز/ يوليو، الجميع داخليا يطالب الرئيس بخارطة واضحة ولكن يقابل ذلك صمت مطبق وعدم استجابة".
ولفت الزغمي الانتباه إلى ما اعتبره "مفارقة عجيبة وغريبة تتمثل في الاتصال الهاتفي بين الرئيس قيس سعيد ونظيره الفرنسي والذي أعلمه بأنه سيقدم خارطة طريق قريبا ولكن في مقابل ذلك لا يرد على الرأي العام الوطني".
ويؤكد الزغمي أن "الرئيس يملك برنامجا وخارطة طريق ولكن يريد أن يسير بها كما يريد هو، وهذا ما يفسر تأخر إعلان رئيس الحكومة، فالرئيس انطلق أولا بالتعيين المسبق لمجموعة من الوزراء وخاصة ذات البعد الاقتصادي والأمني والعسكري، إذن هو له برنامج يسير به بشكل تدريجي وأظن أن الرئيس سيستكمل تعيين الوزراء ومن ثم ربما يسمي رئيس حكومة ولكنه في الواقع هو لن يكون لا رئيس حكومة ولا رئيس وزراء بل منسقا بين الوزراء والرئيس وهي وضعية دونية".
وتابع النائب موضحا أن "الرئيس لم يجد من يقبل بهذا، حتى وإن وجد فالأطراف الداخلية وخاصة الخارجية لن تقبل بذلك لأن الجهات وخاصة منها المانحة تريد التعامل مع جهات رسمية، الرئيس يبحث عن شخصية طيعة حتى يبقى القرار دائما بيده، وهو ما يفسر رفض محافظ البنك المركزي مروان العباسي لمنصب رئيس الحكومة، فالعباسي شخصية قوية واشترط على الرئيس وجود المؤسسات السيادية وأساسا البرلمان، واشتراط ذلك يعود لكونه عارفا بأنه لا يمكن التفاوض مع الجهات المانحة دون برلمان وهو ما رفضه الرئيس".
بدوره قال القيادي وعضو المكتب التنفيذي لحركة "النهضة" محسن السوداني في تصريح خاص لـ"عربي21": "في الحقيقة تأخر الإعلان عن خارطة يثير الريبة، حيث يفترض بعد الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية والتي هي انقلاب على الدستور، الإعلان عن خارطة ورئيس حكومة، لا يعقل أن تبقى الدولة دون حكومة حتى قبل الانقلاب كيف تسير دولة بحكومة أغلب وزرائها بالنيابة ومن ثم يعزل رئيس حكومة ويقوم بتعيين وزير مكلف بتسيير أو مكلف بمهمة".
وأضاف السوداني: "التأخير الحاصل يدل على العجز والقصور على تدارك الأمر، عادة في الانقلاب يتم المرور بالسرعة القصوى لتكوين حكومة، إذن هناك خلل عظيم في الرؤية وهو ما يضر بشكل كبير بالدولة فلا أحد يمكنه اتخاذ قرار في أي إدارة والحال أن البلاد تعاني من عدة أزمات".
وشدد السوداني على القول: "الجميع داخليا وخارجيا يطالب بوضوح الرؤية عبر حكومة وخارطة طريق، الجهات المانحة لا يمكن أن تتعامل مع دولة لا توجد بها سلطات شرعية، هناك فشل كبير في الرؤية".
من جهته يرى الأستاذ الجامعي والمحلل والكاتب سفيان علوي في قراءة خاصة لـ"عربي21" بخصوص تأخر إعلان الخارطة ورئيس للحكومة "أن الرئيس إما يملك خارطة طريق جاهزة أو أنه لا يملكها إلى حد اللحظة. الغموض والعفوية والترقب يكتنفون الحالة، هناك دلائل كثيرة على أن 25 تموز (يوليو) حدث سبق الإعداد له وكان هناك حرص على إلباسه زخما شعبيا، وتفعيل الفصل 80 لم يكن مفاجئا إلا من حيث التوسع في تأويله ورفع السقف حتى إذا ما تدانى كانت المكاسب معقولة أو كبيرة".
ويتابع الأستاذ مفسرا: "كانت الخطوة تحتسب ردات الفعل من الداخل والخارج وتفترض مقاومة ما، غياب مقاومة للإجراءات لا يعني أن الأمور سالكة والجميع يحتسب الربح والخسارة أو يترقب ميزان القوى، وهناك من يعتبر غياب هذه المقاومة ورطة سياسية لمن تجمعت الأمور بيديه فلا مبرر لاستخدام القوة وعنف الدولة وهو ما يعيد المدار إلى فن الممكن أي السياسة".
وعن سبب تأخر اختيار رئيس الحكومة يفيد علوي "هو لتردد الجميع لاستنساخ تجربة من سبق وصعوبة المرحلة خاصة من الناحية المالية والإلحاح على أن تكون الشخصية المقترحة من عالم المال والاقتصاد أي تكنوقراط بوجه من الوجوه إلا إذا اختار الرجل الهروب إلى الأمام واختار من بين المتزلفين وعديمي الخبرة والمغامرين وهو طريق محفوف بالمغالبة والمكاره وأدناها استنساخ الفشل".
دكتاتورية الرئيس
تجمع عدة آراء ومواقف أن الرئيس يحاول ترسيخ نظام رئاسي يكون فيه القرار بيده وينتزع من الجميع السلطات ويضعها تحت حكمه، فيما تقلل آراء من إقدام الرئيس على العودة للدكتاتورية لأن الشعب الذي قام بثورة على حكم 23 سنة زمن نظام بن علي لن يعود للوراء ويفرط في الحرية.
يعتبر النائب رضا الزغمي أن "هناك مشكلا كبيرا، فالدستور ينظم السلطات وهو عقد قبل به الرئيس عند ترشحه للمنصب ولكن قناعاته تعتبر أن النظام الرئاسي هو الأسلم ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال المرور بالقوة عبر رأي فردي بل يجب أن يكون ذلك محل إجماع وطني، وللأسف الرئيس يحاول فرض سياسة الأمر الواقع وهو ما يفسر أن المواقف الداعمة للرئيس بدأت تتآكل تدريجيا وتنفض من حوله خاصة بعد تعيينه لشخصيات قريبة منه عبر الولاء والمحسوبية وهذا أمر مرفوض ولن يقبل به أحد".
في المقابل يعتبر محسن السوداني أن "ترسيخ فكرة أنه لا حاجة لرئيس حكومة والقرار للرئيس لتسير دواليب الدولة والتفرد كلام لا معنى له، الدولة كيان سياسي ومن يديرها يجب أن يكون مشبعا بالسياسة وله رؤية وعكس ذلك يعني الفشل".
وحذر النائب من أن "غياب الحكومة والرؤية يضع البلد في منطقة الشك والحيرة، وبمرور الوقت سيستفيق الشعب على الكثير من المغالطات والخطأ، الانقلاب لن يخرجنا من الوضع المتأزم بل سيزيد منه، لا يمكن أن يسير البلد دون شرعية".
فيما يؤكد الأستاذ الجامعي سفيان علوي "أنه ولئن اختارت المؤسستان الأمنية والعسكرية الوقوف مع 25 تموز (يوليو) فإنهما لن تندفعا بسهولة نحو شراهة الحكم خاصة الجيش وكل القوى السياسية تدرك ذلك وتتلافى التصادم معه، لكن لا شيء يضعف من سيناريو عسكرة تدريجية للاقتصاد والسياسة".
ويعتبر الكاتب أنه بالنسبة للمجتمع السياسي "الجميع تلقى الرسالة الشعبية وبين إنكار ولحظة استيعاب وعقلية الجحيم هو الآخر ومحاولة توريط طرف بعينه ليدفع الثمن السياسي، هناك إرث يبنى عليه ووعي أن البرلمان ضرورة للديمقراطية وضرورة لحياتها الحزبية".
إقرأ أيضا: سعيّد يتوعد بـ"التطهير" ويقيل واليا.. واعتقال 14 مسؤولا
ما هو دور إسرائيل فيما يجري بتونس؟
تحذير من انهيار الاقتصاد التونسي مع استمرار انقلاب سعيد
مقابلة قديمة لسعيّد تؤكد عزمه المسبق الانقلاب على الدستور