أثارت تحركات قوات اللواء المتقاعد، خليفة حفتر نحو الحدود الغربية للبلاد، تساؤلات عن حجم التهديد الذي يمثله التواجد العسكري الجديد للجزائر التي تملك ثاني أقوى جيش في القارة الأفريقية.
وأغلقت قوات حفتر، الجمعة، الحدود مع الجزائر، وأعلنتها "منطقة عسكرية"، في خطوة فُهمت على أنها رسالة "تحدٍ" مباشرة للجارة الغربية لبلاده، بينما يفرض الميدان واقعا مغايرا تماما.
ونقلت وسائل إعلام ليبية عن متحدثين باسم حفتر، الأسبوع الماضي، أن قسما من عناصرها توجه غربا نحو الحدود الجزائرية، وسيطر على معبر إيسين/ تين الكوم، الفاصل بين مدينتي جانت الجزائرية وغات الليبية، واللتين تقطنهما قبائل الطوارق، التي كانت تسيطر على المعبر.
وحسب هذه المصادر، انتقلت 300 سيارة وآلية مسلحة من معاقل حفتر في الشرق باتجاه قاعدة تمنهنت العسكرية (شمال شرق سبها)، وتتمثل في اللواء 128 معزز، واللواء التاسع (الكانيات)، المتهم بارتكاب جرائم حرب بمدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس) قبل طرده منها في 2020.
وأرجعت قوات حفتر إعلان الحدود مع الجزائر "منطقة عسكرية" إلى ملاحقة من وصفتهم بـ"الإرهابيين التكفيريين" وطرد عصابات المرتزقة الأفارقة.
السياق السياسي
التحرك الجديد لحفتر جاء بعد 10 أيام من تصريح الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بأن بلاده كانت ستتدخل لمنع سقوط طرابلس (غرب) في يد المرتزقة.
وشن حفتر، في نيسان/ أبريل 2019، هجوما فاشلا للسيطرة على العاصمة الليبية، مقر الحكومة المعترف بها دوليا، قبل أن يتمكن الجيش من طردها من المدينة، في حزيران/ يونيو 2020.
اقرأ أيضا: هل تحسم مخرجات برلين2 الأزمة في ليبيا وتعاقب حفتر؟
وقال تبون، في مقابلة مع قناة "الجزيرة" القطرية: "لم نكن لنقبل أن تكون طرابلس أول عاصمة مغاربية وأفريقية يحتلها المرتزقة.. كنا سنتدخل آنذاك".
ولم يوضح الطريقة التي كانت ستتدخل بها الجزائر، ولكنه اعتبر أن "الموقف الجزائري الحازم وصل لمن يهمهم الأمر".
ومنذ تعديل الدستور، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، أصبح بإمكان الجيش الجزائري التدخل عسكريا خارج حدود البلاد، بعدما كان ذلك محظورا عليه بنص دستوري.
ويعتبر تصريح تبون أول توضيح منه لتصريح أصدره، في يناير/كانون الثاني 2020، قال فيه إن "طرابلس خط أحمر في نظر الجزائر نرجو عدم تجاوزه".
كما جاءت خطوة حفتر بعد أيام قليلة على تفاهمات كبيرة بين الجزائر وحكومة الوحدة الوطنية الليبية، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، حيث تم الاتفاق على فتح معبر الدبداب الجنوبي، وإطلاق خط للنقل البحري، لتفعيل المبادلات التجارية.
ووقع الجانبان أيضا، في 29 مايو/ أيار الماضي، اتفاقيات منها ما يتعلق بمحاربة الإرهاب، وتأمين الحدود المشتركة، ومكافحة التهريب والجريمة المنظمة وتجارة السلاح والبشر.
وحتى الآن، لم تعلق الجزائر على ما أعلنته مليشيا حفتر عن تحركها قرب الحدود الجنوبية لجارة ليبيا.
وهذه ليست أول مرة تتجاهل فيها الجزائر ما يصدر عن حفتر، فلم تعلق مثلا على تصريح له عام 2018 قال فيه إنه "مستعد لنقل المعركة إلى الأراضي الجزائرية".
ولاحقا، تراجع حفتر، مشددا على أنه "لن يكون مصدر تهديد للجزائر أو أي دولة من دول الجوار".
هل يشكل تهديدا؟
يجمع مراقبون في الجزائر على أن مزاعم سيطرة حفتر على منطقة قرب الحدود الجزائرية هي رسالة واضحة تأتي ردا على تصريح تبون عن رفض سقوط طرابلس بأيدي المليشيات والمرتزقة. بينما يؤكد الواقع الميداني أنه لا مجال للحديث عن "تحدٍ" أو "تهديد" يمكن أن يمثله حفتر للجزائر، فهي تمتلك جيشا مصنفا في المرتبة الثانية ضمن أقوى جيوش أفريقيا.
وقال خرشي النوي، وهو مسؤول سابق بوزارة الداخلية الجزائرية، إن "ما قام به حفتر لا دافع له إلا الشعور باضمحلال الدور ومحاولة تذكير بالوجود عسى أن تتم دعوته لمؤتمر برلين 2".
وعُقد مؤتمر "برلين 2" حول ليبيا، الأربعاء، بمشاركة 17 دولة و4 منظمات إقليمية ودولية، بهدف المساعدة في إنهاء النزاع الليبي.
وأردف النوي، عبر حسابه بـ"فيسبوك"، أن المعبر الذي أغلقه حفتر، على خلفية تصريح الرئيس تبون، لا يشتغل أصلا، وأن معبر الدبدات الصالح للاستعمال يقع تحت سيطرة حكومة الوحدة الوطنية.
متفقا معه، رأى نور الدين بوكروح، كاتب ومفكر جزائري، أن "حفتر في حد ذاته لا يشكل أي خطر على الجزائر التي ستمسحه في يوم واحد".
اقرأ أيضا: قوات حفتر تعلن الحدود مع الجزائر منطقة عسكرية مغلقة (صور)
وأضاف بوكروح، عبر "فيسبوك"، أن "حفتر اقترب أكثر ما استطاع من حدودنا فقط من (أجل) استفزاز تبون".
وحذر في المقابل من عسكرة غير مسبوقة للمنطقة ككل، قد تكون نتائجها وخيمة على الجزائر تحديدا.
أهداف أخرى
لكن ثمة قراءة مغايرة لخطوة حفتر لدى عبد القادر دريدي، وهو أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر، ومختص بالشأن الليبي.
وقال دريدي للأناضول إن "المناورات التي يقوم بها (حفتر) تتم من خلال الإعلام فقط، لذلك لا ينبغي تصديق كل ما يقوله هذا الأخير".
وتابع: في حالة افتراض السيطرة المزعومة للمليشيات على المعبر الحدودي حقيقة، فإن هذه "الخطوة نابعة من معلومات مغلوطة تفيد بأن الجزائر يمكن أن تؤثر على نتائج الانتخابات المقررة مبدئيا قبل نهاية العام الجاري".
ومن المقرر أن تشهد ليبيا، البلد الغني بالنفط، انتخابات برلمانية ورئاسية في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وأردف: حفتر يسعى للوصول إلى كرسي الحكم مهما كان الثمن ومهما تعاظمت المخاوف من عودة ليبيا إلى الحكم الديكتاتوري، لذلك يتخوف من "الفارق الذي يمكن أن يصنعه مزدوجو الجنسية (جزائريون ليبيون)".
وختم بأن الهدف الثاني من هذه الخطوة هو السيطرة على القبائل القريبة من الحدود الجزائرية، في ظل الحديث عن خروج القوات الأجنبية، بما يُمكّن جناح حفتر من إحكام قبضته أمنيا واجتماعيا على ليبيا.
هل يحسم السيسي موقفه بالتخلي عن حفتر؟
هل تحسم مخرجات برلين2 الأزمة في ليبيا وتعاقب حفتر؟
محللون يقرأون شكل حكومة الجزائر بعد الانتخابات البرلمانية