في مشهد ينتهك كافة الحقوق الإنسانية والقانونية والعلمية، عمدت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على نثر الدمار واغتيال الكتاب والثقافة الفلسطينية، بتدمير العديد من المكتبات في قطاع غزة.
المكتبة والروح
عشرات آلاف الكتب تناثرت بين الركام ودفنت في باطن الأرض بفعل القنابل الإسرائيلية الضخمة التي ألقيت عليها فجر الثلاثاء الماضي، حيث دمرت صواريخ الاحتلال مكتبة "منصور" ومكتبة "اقرأ" بالكامل، إضافة إلى أضرار بالغة لحقت بالعديد من المكتبات المجاورة.
مالك "مكتبة ومطبعة منصور" في غزة سمير منصور (53 عاما)، ظهرت عليه علامات الألم والحزن، وأوضح أن تدمير الاحتلال للمكتبات ودور النشر، "يهدف إلى القضاء على الثقافة والمعرفة التي توفرها تلك الكتب المتنوعة في مختلف مجالات المعرفة التي تساهم في بناء حياة كريمة للإنسان".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "المكتبة أساس في الحياة، فهي مثل الأكل والشرب للإنسان"، متسائلا باستهجان: "ما علاقة المكتبة والكتب كي تستهدف بالصواريخ الإسرائيلية؟".
وفي وصف ينم عن مدى الألم الذي لحق بمنصور، قال: "المكتبة مثل الروح الجميلة المسالمة، فهي تزرع الخير في كافة جوانب الحياة، وهي تضم كتبا في شتى مجالات المعرفة، بلغ عددها 100 ألف كتاب".
وشدد على أنه لن يسمح للاحتلال بـ"اغتيال الكتاب والثقافة الفلسطينية"، ونوه إلى أنه يعمل منذ يوم تدمير المكتبة فجر الثلاثاء الماضي، على إعادة بناء المكتبة، وافتتاح فروع لها في مختلف محافظات القطاع وفي فلسطين".
وأضاف: "هذه المكتبة مثل ولد من أولادي، لقد ورثت هذا العمل عن والدي، وسأستمر في العمل فيه وأورثه لأولادي"، موضحا أن "المكتبة كانت تضم العديد من الموسوعات والكتب النادرة الخاصة بالأطفال، إضافة إلى كتب خاصة قمنا بترجمتها عن كتب أجنبية وغيرها الكثير".
ولفت إلى أن مكتبة ودار نشر منصور، تقوم بطباعة العديد من الكتب وتعمل على توزيعها في العديد من الدول العربية، مشددا على أنه "لا استسلام أبدا، المكتبة أيضا هي مصدر رزقنا، ولدينا 15 موظفا يعملون في المكتبة، كيف لي أن أستسلم وهؤلاء وعائلاتهم يعيشون من عملهم في المكتبة؟ لا استسلام".
وبعزم الرجال، أكد مالك المكتبة التي كانت تقع في شارع "الثلاثيني" في عمارة كحيل التي دمرها الاحتلال، أنه ينوي تأسيس مكتبة أكبر وأضخم من تلك التي دمرتها صواريخ الاحتلال.
شظايا ونثار
وفي تعليقه على ما قام به الاحتلال، أوضح الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، الشاعر مراد السوداني، أن "هذا العدوان امتد وتمدد ليطال كل مكونات الحياة الفلسطينية من الماء إلى الماء، باستهداف للوعي وللذاكرة والتاريخ وللواقع الذي حوله إلى شظايا وإلى نثار".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "المكتبات لم تسلم من هذا الاستهداف؛ في محاولة لاستباحة الوعي الجماعي الفلسطيني، من خلال استباحة ذاكرة الشعب الفلسطيني وأراشفه، واستهداف مكتبة منصور وغيرها، وهي المكتبة التي تضم أكثر من 100 ألف كتاب، وهي من أكبر المكتبات ودور النشر في غزة، وتكاد تكون المتنفس الوحيد للكتاب والأدباء الفلسطينيين، حيث إنها تشجع على الطباعة والنشر".
واعتبر السوداني، أن استهداف المكتبات من قبل الاحتلال هو "استهداف للكل الثقافي الفلسطيني والوعي الفلسطيني بجله، لذلك فإن ما شهدناه لصور من نثار هذه المكتبة والدمار الذي لحق بها، يدل على حقد هذا الاحتلال على كل مساحات الوعي الفلسطيني في محاولة لاستباحة كل شيء".
وكشف لـ"عربي21"، أن الشاعر والناقد عبد الرحمن بسيسو، و"كرد فعل على اغتيال مكتبة منصور في غزة، قام بالتبرع بمكتبته لصالح تلك المكتبة، لأن ما يهدمه هذا النقيض الاحتلالي سنبنيه ثانية، وستجد مكتبة منصور الكثير من الكتاب والأدباء الذين يتبرعون بمكتباتهم الشخصية في هذا السياق، لإعادة بناء وإسناد تلك المكتبة، والتأكيد على الثقافة الفلسطينية والحق في الثقافة وفي مواجهة ثقافة القوة والموت والدمار التي عممها النقيض الاحتلالي بإجرامه وحممه التي استباحت كل شيء، وتحديدا في قطاع غزة".
واستمر عدوان 2021 الإسرائيلي على قطاع غزة 11 يوما انتهت فجر اليوم الجمعة الساعة الثانية فجرا، بإعلان التهدئة المشروطة من قبل المقاومة، وأدى العدوان بحسب إحصائية محدثة وصلت "عربي21"، من وزارة الصحة الفلسطينية، إلى ارتفاع عدد الشهداء إلى 248 شهيدا؛ بينهم 66 طفلا و39 سيدة و17 مسنا، والجرحى إلى أكثر من 1948 مصابا بجروح مختلفة.
وتسبب القصف الإسرائيلي في تدمير المئات من المنازل والأبراج والشقق السكنية والطرق الرئيسية والأماكن العامة وشبكات المياه والاتصالات والإنترنت، إضافة إلى تدمير العديد من المؤسسات الحكومية المختلفة، وتشريد الآلاف، الذين أقاموا في عشرات مراكز الإيواء.
تزايد الانتقادات الداخلية لجيش الاحتلال إزاء إخفاق عدوان غزة
مواليد غزة خلال الحرب المتواصلة نحو 6 أضعاف عدد الشهداء
ساندرز: ينبغي أن تتوقف واشنطن عن الدفاع عن حكومة نتنياهو