مضى عقد كامل على الحراك الديمقراطي الذي عرفته الشعوب المكونة للبيئة السياسية العربية: (نظم الحكم، والقوى الإسلامية والقوى العلمانية)، وهي مساحة زمنية كافية، لرصد وتحليل وتفكيك الفكرة العلمانية في الوطن العربي، وقياس رهاناتها الأولى، بواقع ممارسة نخبها، وأيضا بتموقعاتها الفكرية والسياسية، وهل أطر العقل العلماني الممارسة السياسية، أم إن الممارسة السياسية، هي التي دفعت هذا العقل إلى مراجعة المسلمات، وبناء أطروحات أخرى، اندفعت بقوة التفسير، إلى تبرير اصطفاف نخبها مع المشروع السلطوي؟
والحقيقة أن فرز النخب العلمانية في الوطن العربي، أضحت عملية يكتنفها الكثير من التعقيد، ليس بسبب الموقف من الدين ودوره في الفضاء العام، ولا بسبب الموقف من الحركات الإسلامية التي تشتغل في الحقل السياسي بمرجعية تقحم الدين في المجال العام، وإنما اكتسب هذا التعقيد مستنده في حقل السياسة، أي في حقل تنزيل التطلعات الإيديولوجية الحالمة، إلى مشاريع أرضية قابلة للتداول والتطبيق.
والمفارقة، أن الصراع الذي كان بالأمس محتدما بين القوى العلمانية والنخب الإسلامية، على قضايا كثيرة، محورها مفهوم التقدم والرقي والعلاقة مع الغرب، وعلاقة الدين بالسياسة، انتقل إلى صراع داخل النخب العلمانية نفسها، على خلفية قضايا أخرى، مثل الموقف من الدين، والموقف من المشروع السلطوي، والموقف من القيم واللغة والهوية والحريات، وكذلك الموقف من المشروع الامبريالي والصهيوني.
بعض المثقفين، من فرط تتبعهم لهذا الفرز داخل النخب العلمانية، وملاحظتهم للانقسام والاصطفاف الداخلي، صار يتصور أن المشكلة، تكمن فقط في أخلاقية المناضل والتزامه وعضويته، ومدى وفائه لمبادئه في علاقته بالسلطة، إذ لم يستسغ هؤلاء أن يتحول بعض العلمانيين، إلى أدوات في يد المشروع السلطوي، تستثمر لتصفية الخصوم السياسيين، في الوقت الذي يحمل مشروعهم العلماني، العناوين الليبرالية الكبرى، المرتبطة بالحرية والعدالة والديمقراطية.
والواقع، أن هذه التحولات الحاصلة في الجسم العلماني، لا تبررها فقط ديناميات السياسة، أوالنزوعات الانتهازية والتحريفية لحاملي المشروع العلماني، وإنما أملتها أطروحات فكرية، كانت تجتهد لإحداث نقلة نوعية في وعي الجماهير اتجاه التقدم والحرية، لكنها، أضحت في مربع السياسة، أطروحات لتبرير المشروع السلطوي، وتصفية مكونات الصف الديمقراطي.
يحاول هذا المقال، أن يتتبع حفريات التوطين الفكري للعلماني في الوطن العربي، وكيف تم استثمار بعض التأسيسات العلمانية الفكرية، لدعم مواقع المشروع السلطوي، وكيف أصبحت معظم النخب العلمانية، بفعل اصطفافها مع هذا المشروع فاقدة، لأي مشروع، وكيف أسهمت في تهميش قوى علمانية أخرى، حملت تأسيسات فكرية مغايرة، وانتهى بها المطاف إلى بناء أطاريح فكرية مغايرة، أملتها معركة الديمقراطية، قادتها إلى تجديد مفاهيمها، وتثوير بعض عناصر مشروعها للالتقاء الموضوعي مع نخب أخرى تشتغل ضمن السقف الوطني لكسب معركة الحرية والكرامة والديمقراطية.
ثلاث علمانيات عربية
لا توجد أرضية فكرية موحدة تنتظم أطياف التوجه العلماني، فلكل من الماركسي والليبرالي والقومي مرجعيته الخاصة، التي تمتح من المفاهيم العلمانية، لكن، ما يجمع هذه التوجهات، هي عناوين الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، أي التطلعات التي رفعتها الفلسفة الليبرالية.
لكن استقراء المرجعيات، والحفر في مشتركاتها وفروقها، يجعلنا في الحقيقة أمام أربع مرجعيات أساسية:
1 ـ مرجعية ماركسية عربية أرثودوكسية، ترى التقدم في مناهضة ثالوت الرجعية والامبريالية والصهيونية، بحيث تدمج ضمن الرجعية: السلطة السياسية، بجميع مستنداتها وشرعياتها الدينية، ومختلف المكونات التي تتقاسمها المنطلقات الفكرية والدينية (الإسلاميون).
2 ـ مرجعية قومية عربية، ترى أن المشكلة في ثالوث الرجعية والتجزئة القطرية والمشروع الامبريالي الصهيوني، وأن شرط التقدم في تشكيل وحدة عربية تقوم على مقومات اللغة والتاريخ والمصير المشترك والمصالح العربية الحيوية وتناهض واقع التجزئة التي فرضها الاستعمار.
3 ـ مرجعية ليبرالية بحثة ترى أن المشكلة تكمن في التقليد والتمسك بالماضي، وألا سبيل للنهوض سوى بالفطام عن ثقافة الأم، أي عن الهوية الثقافية العربية والإسلامية، والانخراط الكلي في ثقافة الحداثة الغربية.
4 ـ ومرجعية ماركسية تجديدية، ترى للدين دورا في المجال العام، وترى عطب التقدم، في المشروع السلطوي، وتعتبر أن شرط النهضة هو حصول تحالف بين مختلف مكونات الصف الوطني، من الذين يجعلون معركة الديمقراطية والحرية على راس جدول أعمالهم (كتلة تاريخية)..
العلمانية العربية.. رحلة التحولات داخل المرجعيات الثلاث
لم تكن المرجعيات الماركسية العربية في بادئ أمرها منشغلة بشكل كبير بتحدي الفكر الديني أو الحركات الإسلامية، فقد ظلت لسنوات طويلةـ مهينة على الساحة الفكرية والثقافية، وكانت تمثل المعارضة السياسية الأولى في الوطن العربي، وكان عنوانها هو حسم المعركة مع التناقض الرئيسي الممثل في المشروع السلطوي ونخبه.
وإذا كانت من مراجعات قد حصلت لهذا التيار لحظة اشتباكه مع المشروع السلطوي وخوضه المعارك معه، فإنها لم تمس بالمطلق موضوع الموقف من الدين أو الموقف من الحركات الإسلامية في بادئ الأمر، فقد كان محور هذه المراجعات هو مناقشة المسار النضالي، وعناوينه وأخطائه، وما إذا كان من الممكن إجراء تعديلات مهمة على خياراته، اتجاه تعميق الخط الثوري، أو تأصيل الخيار الديمقراطي، أو حتى تسويغ الخط العسكري.
لا تختلف المرجعية القومية العربية كثيرا في رحلة تحولاتها عن نظيرتها الماركسية، فقد عانت المعاناة نفسها من جراء منافسة التيارات الإسلامية لها في ساحة الفعل الثقافي والسياسي.
وقد كانت معركة هذه المرجعية مع الدين، لا تتم إلا من زاوية استخدام السلطة له كإيديولوجية لتبرير مشروعها السلطوي، ولم تتحول معركتها إلى مواجهة حقيقة للدين، وللحركات الإسلامية، حتى أصبحت هذه الحركات جزءا أساسيا من النسق السياسي، إذ أضحت تشعر بالمنافسة، أو ربما بفقد الشرعية التاريخية والجماهيرية، التي كانت تحظى بها بوصفها ممثلة وحيدة للقوى الشعبية، فتكرس في هذه المرحلة تحولان في هذه المرجعية، تحول يتجه نحو تدقيق الخيار المقاوم للمشروع السلطوي، وتحول يدمج الحركات الإسلامية والدين ضمن المشروع السلطوي وأدواته، أي ضمن أعجاء المرجعية الواجب خوض معركة لتصفيتهم.
ومع توسع الحركات الإسلامية في الثمانينيات والتسعينيات، بدأت بعض النخب التي تتبنى هذه المرجعية، تنعطف إلى تغيير أولوياتها، وجعل الحركات الإسلامية العدو الرئيسي، الذي ينبغي مواجهته، ضمن تكتيك كسر أدوات البنية، لتعطيل اشتغالها، والتفرغ لحسم المعركة مع السلطوية.
تبقى الإشارة، إلى أن هذه المرجعية، التي كانت تحمل في عمقها المشروع التحديثي الماركسي، كانت في المقابل، تنظر إلى الليبرالية الغربية، باعتبارها إيديولوجيا الامبريالية، تستعمل شعاراتها التضليلية، من أجل التمكين لهذا المشروع، ودحر نقيضه، أي الحركة الماركسية بمشروعها التقدمي.
لا تختلف المرجعية القومية العربية كثيرا في رحلة تحولاتها عن نظيرتها الماركسية، فقد عانت المعاناة نفسها من جراء منافسة التيارات الإسلامية لها في ساحة الفعل الثقافي والسياسي. فبالإضافة إلى تعدد الطيف القومي، والفرز الذي حدث في صفه نتيجة أشكال مختلفة من التنزيل السياسي للمشروع القومي (الناصري والبعثي السوري والعراقي..)، فإن نكسة 1967، وما تلاها من تضخم التيارات اليسارية الراديكالية، وما أفرزته الثورة الإيرانية من تناسل الحركات الإسلامية في الوطن العربي، وتوسع مكوناتها، جعلها تتراجع إلى مربع الاشتغال الثقافي والفكري، والبحث عن خيارات لاستعادة ألقها وبعث مفاهيمها وتطلعاتها، لاسيما ما يرتبط بقضية الوحدة العربية، ومواجهة المشروع الصهيوني، وإسناد القضية الفلسطينية ودعم المقاومة ومناهضة التطبيع، وهي العناوين التي أثمرت لقاء مشتركا بين الإسلاميين والقوميين، اجتمع على قاعدة عناوين مشتركة، توسعت مفرداتها من السياسي/ الديمقراطية، إلى الاستراتيجي القومي/ دعم المقاومة ومناهضة التطبيع والتصدي للمشروع الصهيوني في المنطقة، إلى اللغوي والقيمي/ نصرة اللغة العربية والتمكين لها فضلا عن معارك لإسناد منظومة القيم.
أما المرجعية الليبرالية، فلم يكتب لها الامتداد الفكري ولا السياسي، فمنذ الجهود الأولى التي بذلها رواد النهضة الأوائل، وما أعقبها من أدبيات لتوطين الفكري الليبرالي في الوطن العربي (طه حسين، سلامى موسى، لطفي السيد...)، إلا أن استثمار المشروع السلطوي للمفاهيم الليبرالية، وسطوه عليها، فضلا عن هيمنة التيارات القومية والماركسية على المشهد الفكري والسياسي العربي، طيلة عقدي الستينيات والسبعينيات، جعل هذه المرجعية، بأفقها الليبرالي الصرف، تتوزع بين مكونات الطيف السياسي المختلف (السلطة، النخب القومية، والنخب الماركسية لاسيما منها التجديدية).
عبد الله العروي والتأصيل لفكرة اصطفاف النخب العلمانية مع المشروع السلطوي
قاد العروي في كتاباته مراجعتين مهمتين، الأولى، هي إقناع التيار الماركسي العربي، باستحالة تحقيق المشروع الماركسي دون المرور من مرحلة وسيطة هي الليبرالية، إذ أن هذه المرحلة في نظره مركزية في هزم ثقافة الأم، وهزم التقليد، والقطع مع الثقافة السلفية، والانخراط كلية في ثقافة التحديث، فقد قاده مشروع النقدي، الذي لخصه في كتابه "العرب والفكر التاريخي"، وكذا كتابه "الإيديولوجية العربية المعاصرة"، إلى أن حملة المشروع النهضوي العربي، كلهم ارتهنوا إلى المنطق السلفي، بما في ذلك التيار الماركسي، وأنه يستحيل بناء التقدم، دون تغيير المنهج، فالماركسي لا يمكن أن يحمل تطلعات ماركسية، بمنهج سلفي، وإنما معركته الأولى، هي القطع مع المنهج السلفي، وخوضه نزالا حاسما معه، وهذا لا يتحقق إلا بالمرور بمرحلة الليبرالية. وقد نضجت هذه الفكرة في فكر العروي نتيجة استقرائه للحداثة الغربية، وأنها أول ما بدأت، انطلقت من توطين أسس الفلسفة الليبرالية، في لحظتها الأنوارية، وليس الاستعمارية.
المثير للمفارقة أيضا، أن مشروع العروي في تحققه الواقعي لم ينته فقط إلى تدجين اليسار، وتقوية السلطوية، وتحويل اليسار إلى مشروع إيديولوجي سلطوي أكثر من مشروع السلطوية نفسها، بل ساهم في تقوية مواقع التقليد في المشروع السلطوي، في بعدها الديني والخرافي والطقوسي.
أما المراجعة الثانية، فقد ترسخت لديه، عندما كتب كتابه "السنة والإصلاح"، وذلك عندما رأى أعطاب تنزيل الليبرالية، وفشل النخب في توطينها، فتبنى فكرة اللبرلة من فوق، أي أن تكون السلطة أداة فوقية، لفرض اللبرالية على المجتمع، حتى تتحقق القطيعة مع الفكر والمنطق السلفيين.
وقد ساهمت هذه المراجعة في إحداث تحول كبير لدى بعض القوى اليسارية، إذ أصبحت بمقتضاها مقتنعة، بأن دورها في هذه المرحلة، هي تحقيق لقاء تكتيكي مع المشروع السلطوي، عنوانه، تحقيق لبرلة فوقية قسرية، يكون جوهرها، اقتلاع واستئصال الحركات الإسلامية، باعتبارها الممثل الشرعي للفكر السلفي بالمفهوم الذي تبناه الدكتور عبد الله العروي.
وإذا كانت المراجعة الأولى، قد سمحت للتيار اليساري في المغرب بجعل مرجعيته في حالة انتظار حتى تتحقق الليبرالية، فإن المراجعة الثانية، في المقابل، نقلت المعركة من التناقض الرئيس الممثل في المشروع السلطوي إلى التناقض الثانوي الممثل في الحركات الإسلامية، بما جعل بعض التيارات اليسارية أدوات طيعة في خدمة هذا المشروع، فلا هي حققت النقلة النوعية نحو الليبرالية، ولا هي قضت على الحركات الإسلامية، ولا هي بقيت محتفظة بألقها المرجعي والإيديولوجي كحركة تقدمية مقاومة للمشروع السلطوي.
الجابري يحل مأزق العلمانية العربية
ثمة عدد من السياسيين والمثقفين الذين تنبهوا لأزمة نضال النخب العلمانية على واجهتين، أي النضال ضد المشروع السلطوي، والنضال ضد الإسلاميين، وحاولوا رصد مكونات الإسلاميين، والتنبيه على الفروق التي تخترق أطيافهم، وعلى مناصرة التيار الواسع من الإسلاميين للديمقراطية، فالمرزوقي أو سعد إبراهيم أو عمرو حمزاوي أو غيرهم، ممن تبنى فكرة التقارب مع الإسلاميين، لبناء جبهة واسعة ضد الاستبداد، وتقوية المشروع الديمقراطي في الوطن العربي، هؤلاء في الواقع، حتى ولو كانت السياسة هي الغالبة على اهتمامهم، إنما هو في الحقيقة مجرد صدى للمراجعات الفكرية التي قام بها بعض أعلام الفكر العربي، وفي مقدمتهم الدكتور محمد عابد الجابري رحمه الله، فقد قام بأكثر من مراجعة، استهدفت كبراها التأصيل المعرفي للقاء بين النظام البياني (النخب التي تحمل المنطق السلفي في التفكير) والنظام البرهاني (النخب التي تحمل الفكر العقلاني والحداثي في التفكير) وذلك باستلهام فلسفة ابن رشد، واستهدفت ثانيتها، ترسيخ فكرة زيف الأطروحة العلمانية في الوطن العربي، وأن فاعليتها لا تتعدى الأقطار ذات الكثافة الطائفية (لبنان، العراق)، أما في غير هذه البلدان، بل وحتى في البلدان الطائفية، فإن المشكلة الجوهرية التي طرحها الجابري، وجعلها عنوان المعركة الفكرية والسياسية، فهي الديمقراطية.
قام الجابري بأكثر من مراجعة، استهدفت كبراها التأصيل المعرفي للقاء بين النظام البياني (النخب التي تحمل المنطق السلفي في التفكير) والنظام البرهاني (النخب التي تحمل الفكر العقلاني والحداثي في التفكير) وذلك باستلهام فلسفة ابن رشد، واستهدفت ثانيتها، ترسيخ فكرة زيف الأطروحة العلمانية في الوطن العربي، وأن فاعليتها لا تتعدى الأقطار ذات الكثافة الطائفية (لبنان، العراق)،
وأما المراجعة الثالثة، فتهم تأسيسيه لفكرة الكتلة التاريخية، التي أدمج فيها الحركات الإسلامية وكل القوى التي تتقاسم المشروع الديمقراطي وتتطلع لهزم المشروع السلطوي، وأما المراجعة الرابعة، فتهم نظرته إلى الدين ودوره في المجال العام، وإشارته إلى التجربة اللاتينية في تثوير الدين، وجعله سلاحا في الانتقال الديمقراطي، بدل خوض معركة معه تنتهي في نهاية المطاف لصالح تقوية المشروع السلطوي، فقد نبه الجابري إلى الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بعض النخب حينما جعلت نفسها في موقع الخصومة مع الدين، وانتهى بها المطاف إلى أن أصبحت أداة من أدوات السلطوية..
مستقبل العلمانية في الوطن العربي
لعله من المفارقة أن نشير في ختام هذا الرصد إلى ملاحظتين متقابلتين: فالنخب اليسارية، التي انشغلت بفكرة تحقيق اللبرلة من فوق، بدعم المشروع السلطوي لهزم المشروع السلفي الذي يمثله الإسلاميون، انتهى بها المطاف إلى أن أصبحت خارج مربع اليسار، وخارج مربع العلمانية، بل أصبحت أسوأ نموذج للسلطوية، في حين، أن النموذج الذي بناه الجابري فكريا، وتبنته بعض النخب القومية واليسارية سياسيا، ساعد في تحقيق ثمرتين مهمتين:
الأولى، هي بقاء هذه التيارات على نقائها الإيديولوجي وانتظامها المرجعي. والثاني، هو مساهمتها في دفع الإسلاميين إلى إحداث مراجعات مهمة بخصوص الموقف من العلمانية، فقد انتقل موقف بعض الإسلاميين من رفض مطلق للعلمانية إلى التمييز فيها بين العلمانية المعتدلة والعلمانية الكلية، بل بدأ بعضهم، كما هو حال بعض مثقفي وسياسيي النهضة بتونس والعدالة والتنمية بالمغرب، وحزب الوسط بمصر، يؤصلون من موقع السياسة، لأطروحات تجعل الحقل الساسي منوطا بتقدير المصالح لا بالنص الشرعي في بعده النصي الظاهري.
والمثير للمفارقة أيضا، أن مشروع العروي في تحققه الواقعي لم ينته فقط إلى تدجين اليسار، وتقوية السلطوية، وتحويل اليسار إلى مشروع إيديولوجي سلطوي أكثر من مشروع السلطوية نفسها، بل ساهم في تقوية مواقع التقليد في المشروع السلطوي، في بعدها الديني والخرافي والطقوسي.
المغرب.. "العدل والإحسان" أزمة نسق وأزمة خيار (2من2)
المغرب.. "العدل والإحسان" أزمة نسق وأزمة خيار (1من2)
أبو يعرب المرزوقي يعرض لماهية الوجود بين الفلسفة والدين