بعد مرور أكثر من عامين على إبرام اتفاق الجنوب السوري، بين النظام السوري وفصائل المعارضة سابقا (التسوية)، برعاية روسية، لا زالت المنطقة عرضة للانفجار، بفعل عمليات الاغتيالات المتكررة التي تطال عناصر وقادة في الفصائل، وقوات النظام، بدرجة أقل.
ولم تؤمن التسوية التي رسمتها روسيا، أي درجة من الحماية لفصائل الجنوب، رغم انضمام غالبية عناصر الأخيرة إلى "الفيلق الخامس" المدعوم من موسكو.
وتضع عملية الاغتيال المتواصلة، وآخرها الأربعاء، التي استهدفت القائد السابق لـ"كتيبة الهندسة والصواريخ"، أدهم الكراد وعددا من مرافقيه، فصائل التسوية أمام خيارات ضيقة، فإما أن تبقى خاضعة لاتفاق لا يؤمن أدنى درجات الحماية، أو أن تعلن انتهاء الاتفاق، الأمر الذي سيعرضها لخطر أكبر، بعدما سلمت سلاحها الثقيل وفق شروط التسوية، ولم يبق لديها سوى السلاح الخفيف.
والسؤال: هل ستُقدم فصائل الجنوب على إعادة تنظيم صفوفها مجددا، والخروج عن الغطاء الروسي؟
العقد انفرط
الباحث خليل المقداد، من درعا، استبعد حدوث أي تطور يخص وضعية فصائل الجنوب، مرجعا ذلك إلى انفراط عقد الفصائل بعد حصر السلاح الثقيل في الجنوب السوري بيد النظام وإيران.
ومع ذلك، قال في حديثه لـ"عربي21": "في حال حدثت هزة كبيرة من نوع ما، فمن السهل على أبناء درعا إعادة تشكيل وتنظيم أنفسهم بمجموعات وفصائل عدة، نظرا للطبيعة الديموغرافية للمنطقة، في تكرار للحالة العسكرية التي سادت الجنوب بعد اندلاع الثورة السورية"، مستدركا: "غير أنه من المستبعد أن نشهد أي انقلاب على اتفاق التسوية، ولكن ربما تكون هناك عمليات انتقامية تستهدف قوات النظام، وإن كانت على نطاق محدود".
حرب مستمرة
أما رئيس "محكمة العدل" في درعا سابقا، عصمت العبسي، فوصف ما يجري في الجنوب السوري من اغتيالات متكررة بـ"المعركة المستمرة"، وقال: "هي حرب حقيقية، بين النظام وإيران من جهة، والثوار ممن فضل البقاء هناك لمقاومة الأعداء".
اقرأ أيضا: خمسة قتلى بعملية اغتيال طالت قياديا سابقا بالمعارضة في درعا
وقال لـ"عربي21": "ليس للوعود الروسية أي قيمة، ومن بقي في الجنوب يدرك أن مصيره إما الموت أو الانتصار".
وبهذا المعنى، أشار العبسي إلى احتمالية قيام الفصائل بالرد على عملية اغتيال الكراد، منهيا بقوله: "ليست عملية اغتيال الكراد الأولى، ولن تكون الأخيرة".
وعلى المنوال ذاته، رجح الناطق باسم "تجمع أحرار حوران" عامر الحوراني أن يشهد الجنوب السوري، تصعيدا ضد النظام السوري، والمليشيات المدعومة إيرانيا، و"حزب الله".
وقال لـ"عربي21": "لا خيارات أمام فصائل الجنوب إلا الاستمرار بالمقاومة، بكل الوسائل السلمية من مظاهرات واحتجاجات، والمسلحة بالاغتيالات وضرب قوات النظام".
اتهامات للنظام وإيران
وحسب الحوراني فإن المتهم الأبرز باغتيال الكراد، هو النظام السوري، موضحا أن "المنطقة التي تعرض فيها الكراد وعدد من مرافقيه للاستهداف، هي منطقة خاضعة لسيطرة النظام، بخلاف مناطق درعا البلد، وطفس، وبصرى الشام، التي لا تسجل تواجدا عسكريا للنظام، كما ينص اتفاق التسوية".
وأضاف، أن رئيس فرع "الأمن العسكري" العميد لؤي العلي كان على علم بتوجه الكراد إلى دمشق، ما يعني أن العلي هو المسوؤل عن تنفيذ العملية، بحسب تأكيد الحوراني.
ما موقف روسيا؟
وتتحمل روسيا، بصفتها ضامن "اتفاق الجنوب" المسؤولية عن الأوضاع الأمنية، غير أن وجودها في تلك المنطقة لا زال هشا، مقابل التواجد الإيراني الكثيف.
اقرأ أيضا: مواجهات دامية بالجنوب السوري.. واتهامات لإيران بتصفية حسابات
وحسب الباحث بالشأن السوري، أحمد السعيد، فإن روسيا تنظر إلى هذه الاغتيالات على أنها عامل يهدد الاستقرار في الجنوب السوري، المحاذي للاحتلال الإسرائيلي.
لكنه، أشار بالمقابل إلى امتعاض روسيا من الكراد، وخصوصا أن الأخير انتقد روسيا مؤخرا لعدم الوفاء بالتزاماتها وفق "اتفاق الجنوب"، ما يعني وفق السعيد، أن "اغتيال الكراد، كان بموافقة روسية، على الأرجح".
يذكر أن النظام السوري كان قد استعاد السيطرة على درعا في تموز/ يوليو 2018، إثر توقيع اتفاق الجنوب مع فصائل المعارضة برعاية روسية، لكن الاتفاق لا يسمح لقوات النظام بالانتشار في كل المناطق التي شملتها اتفاقات التسوية، باستثناء المؤسسات الحكومية التي عاودت عملها.
هل ينتخب الأمريكيون من أصول إيرانية ترامب أم بايدن؟
كيف قرأ محللون إعلان "فصائل عراقية" التهدئة مع الأمريكان؟
لماذا لم تساعد روسيا وإيران نظام الأسد بإخماد حرائق الساحل؟