بينما كان العالم يتناقل خبر تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد في إسطنبول، ومعظم المسلمين يشعرون بالفخر والاعتزاز وهم يستعيدون ذكرى فتح القسطنطينية على يد السلطان المسلم العثماني: محمد الفاتح، كانت النسخة العربية لمجلة "فوغ" تنشر صوراً لعارضات أزياءٍ التُقطتْ في مدينة العُلا السعودية، والتي تتبع المدينة المنورة إدارياً، وتقع على بُعد ثلاثمائة كيلو متر من قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولم يكد الرئيس التركي يوقع على قرار المحكمة الإدارية العليا بتحويل المتحف إلى مسجد، حتى انطلقت الحملات ضد تركيا في دول الحلف الثلاثي: الإمارات والسعودية ومصر، وكان المشهد غريباً، فكأنما بعض علماء الأزهر تحولوا إلى دعاةٍ لحملةٍ صليبيةٍ جديدةٍ، وكأن قطيع الإعلاميين والذباب الإلكتروني أصبحوا سهاماً يُسدِّدُها فرسانُ الهيكل إلى قلوبِ المجاهدين الذين تصدوا للصليبيين، إنه مشهدٌ يُبين المدى الذي بلغه هؤلاء في انسلاخهم عن الأمة، وعدائهم لعقيدتها، ومحاولاتهم البائسة لتشويه تاريخنا.
نبدأ بفتوى عباس شومان، الوكيل السابق للأزهر، عن عدم جواز تحويل "كنيسة" آيا صوفيا إلى مسجد، وكأنه لا يعلم أنها كانت مسجداً منذ خمسة قرون، ثم حوَّلها العلمانيون الأتراك إلى متحف قبل حوالي ثمانين عاماً، لكننا لا نلومه، فهو من طبقة العلماء التي طفت على السطح منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013م، وهي طبقةٌ من الموظفين الرسميين الذين لا يُبالي المسلمون بهم وبفتاواهم، بل ولا يشعرون بوجودهم، مثلهم مثل نظرائهم في السعودية الذين بتنا نخاف أن يأتي يومٌ يبعثون فيه فتنة خَلْقِ القرآنِ ثانيةً، ليُقنعوا الناس أنه مخلوقٌ يجري عليه ما يجري على المخلوقات من كِبَرِ السنِّ فلا يعود صالحاً لكل العصور، وأن من حق وليِّ أمرهم أن يعمل بما يُخالف أحكامه الصريحة التي لا جدال فيها.
أما عبدالخالق عبدالله، مستشار ولي عهد أبوظبي، فقد خرج بتغريدةٍ يقول فيها إن الذين فرحوا بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد هم من غُلاة المتطرفين، ونقول له: إن الذين فرحوا هم الغالبية العظمى من المسلمين في العالم، الذين ارتكبت بلادك وحلفاؤها أعظم الجرائم ضدهم، ونسأله أين كانت مشاعره الحضارية عندما هبطت طائرات بلاده في مطار بن غوريون غير بعيد عن الأقصى المبارك؟، وعندما قام وكلاء لولي عهد أبوظبي بشراء منازل المقدسيين العرب المسلمين ليبيعوها للصهاينة فيُسهِّلون عليهم تهويد القدس ثم هَدْمَ الأقصى؟. ليتك يا عبدالخالق، ذكرتَ، في إحدى تغريداتك، مجزرة سربرنيتشا التي حلَّت الذكرى الخامسة والعشرون لها بعد يوم من تحويل آيا صوفيا لمسجدٍ، وهو ما قام به الرئيس التركي الذي أكَّد على عدم نسيان دماء شهداء الأمة الإسلامية في تلك المجزرة، والذي لا يقبل العرب والمسلمون أن تُقارَنوا به أنت وسيدك وحلفاؤه.
نعود إلى مواقف قطيع الذباب والإعلاميين السعوديين الذين كادوا يرفعون الصلبان للإعلان عن رَفْضِهِم لتحويل آيا صوفيا لمسجد، ونسألهم عمَّا يُضايقهم في ذلك؛ هل هو شعورهم بأن المملكة لم تعد "عظمى" إلا في خيالاتهم بعدما تحوَّلت لدولة متطرفةٍ في علمانيتها تحقيقاً لوعد يوسف العتيبة، سفير الإمارات بواشنطن؟، أمْ هو شعورهم بأن ولي أبوظبي هو الذي يتخذ قراراتها السيادية، كما فعل عندما أمر قيادتها بعدم التصالح مع قطر منذ شهور، رغم أن المفاوضات بين المملكة وقطر برعايةٍ أمريكية كانت قد وصلت إلى مراحل مُتقدِّمة؟، أو هو شعورهم بأنه لم يبقَ لهم من سبيلٍ إلا التمرغ أكثر في معاداة الشعوب، والعمل على تمزيق بلدانها كما يفعلون في اليمن؟.
ورغم سوداوية المشهد، فقد كان له جانبٌ فكاهيٌّ تمثَّل في الإعلام المصري الذي لا يتابعه إلا العاملون فيه، والعربُ الراغبون في الضحك والهرب من ضغوط الحياة اليومية، فقد أصبح إعلاميوه أسوداً تزأر على تركيا، بعدما زأروا طويلاً ضد الكرامة الإسلامية والعربية، والشرف الوطني، وخَنسوا طويلاً أمام أثيوبيا في مسألة سد النهضة، لأنهم يعلمون أن السيسي وقعَ على التخلي عن حقوق مصر المائية سنة 2015م، هؤلاء الإعلاميون مدرسةٌ في الفكاهة، وتنبغي متابعتهم لأنهم الباب الوحيد الذي تهب منه نسماتٌ من الفراغِ المضحك، والخواء الأخلاقي المُسلي.
كلمة أخيرة:
لقد سارت القافلة فتساقط الفاشلون على جانبي دربها.
(الشرق القطرية)