كان الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013م، اغتيالا لإرادة
الشعب المصري، وفاتحة لجرائم متتالية لن تنتهي إلا بزوال الحالة الانقلابية،
وإنهاء استعمار تل أبيب وأبوظبي والرياض للقاهرة، وعندما نتحدث عن وفاة الرئيس
الشرعي: محمد مرسي، فإننا نخطئ إذا تساءلنا عن قاتليه، معنويا وجسديا، لأن الجميع
يعرفونهم، والأصح هو التساؤل عن توقيت الجريمة وأهدافها والسياق السياسي الذي تم
ارتكابها فيه.
1) الصبيانيةُ
المخابراتيةُ: خلال السنتين الماضيتين، ثبت أن المسؤولين عن جهازي المخابرات في
الإمارات والسعودية هم من أتباع المدرسة المخابراتية المصرية الفاشلة، أي أنهم
مجرد موظفين ينفذون أوامر السلطة السياسية دون أن يجرؤوا على تقديم النصح لها، إلى
جانب افتقارهم للقدرات على التخطيط الإستراتيجي والتحليل السياسي. وخلال الشهرين
الماضيين، قام الجهازان بتنفيذ أوامر قيادتيهما بتفجير سفن في ميناء الفجيرة ثم
هجوم مفضوح على حاملتي نفط في بحر عمان، ظنا من القيادتين أن ذلك سيدفع ترامب
لإعلان الحرب على إيران، لكن إدارته نأت بنفسها عنهما بعدما تبين لها أنهما تسعيان
للقيام بأدوار تتجاوز حجميهما بملايين المرات. كما أن الغباء في التخطيط والتنفيذ
فضح الأمر، فبدأت الصحافة والإعلام العالميان بانتقادهما والسخرية منهما، وازدادت
قوة موجة العداء ضدهما في أوساط العرب والمسلمين، فكان لابد لهما من قضية تصرف
الأنظار عن فشلهما، فأوعزتا للسيسي بتسريع عملية قتل الرئيس د. مرسي، إلا أن ذلك
زاد في النقمة عليهما، حيث إن الشعوب لا ترى في السيسي إلا كونه موظفا تنفيذيا
عندهما، كما أن المجتمع الدولي أصبح أعظم يقينا بأن سياساتهما الرعناء هي العامل
الأول للتوتر والاضطرابات في المنطقة.
2) ظلال
الخطيئة: كان لتقرير الأمم المتحدة وقع الصاعقة على القيادة السعودية لأنه حمَّل
ولي العهد السعودي، بالاسم، مسؤولية ذبح جمال خاشقجي. وبالطبع، لا يمكن لإعلام
المملكة وذبابها الإلكتروني اتهام الأمم المتحدة بأنها من أتباع الإخوان المسلمين،
وفي الوقت نفسه، لا يمكن للقيادة أن تسمح للتقرير بالتأثير على الرأي العام
الداخلي فيصحو من غيبوبته، ويهدم أسوار الرعب من الاعتقال والتنكيل والتعذيب،
فبحثت عن قضية خارجية تستنزفه بها، ووجدت ضالتها في تسريع عملية قتل الرئيس د.
مرسي. وبعد ارتكاب السيسي للجريمة، فوجئت الرياض بردة الفعل التي أكدت أن الشعوب
العربية هي الحصن الحصين لعقيدة الأمة وقضاياها، ولا يمكن أن يؤثر في صلابته المال
الحرام الإماراتي السعودي أو مؤامرات المتصهينين العرب. وإنني أنصح الرياض بكل
إخلاص أن تعود لأمتها بدلا من السير في دروب الخراب الظبياني.
3) بيعُ
الأمةِ للصهاينة: لم يكن أحدٌ يتوقع أن تكون فلسطين والقدس الشريف والأقصى المبارك
ودماء مئات آلاف الشهداء بالرخص الذي تحدث عنه جاريد كوشنر، عندما حدد مبلغ خمسين
مليار دولار ثمنا لبيع فلسطين ومحوها من التاريخ، وكأنها مجرد أرض لا ترتبط عضويا
بعقيدتنا ووجودنا. ونحن لا نلومه، فهو يخدم قومه الصهاينة، ولكننا نشفق على قيادتي
أبوظبي والرياض اللتين تعاديهما الشعوب، لأنهما استرخصتا الإسلام والعروبة، وحملتا
لواء صفقة القرن، ولأن مؤتمر المنامة على الأبواب، وسيكون مزادا لبيع فلسطين
والأمة للصهاينة، فقد اعتقدتا أن التعجيل بجريمة الخلاص من د. مرسي سيشغل الشعوب
عن فلسطين، لكنهما أخطأتا في حساباتهما، لأن الشعوب تدرك بوعيها أن الانقلاب عليه
ثم قتله هما جزءٌ من المشروع الصهيوني، فصلى عليه المسلمون في كل الدنيا ما عدا
السعودية والإمارات، لقد كان في سجنه رمزا للصمود والالتزام بالحق، وأصبح بعد
رحيله رمزا للتضحية والفداء، فهو حيٌّ رغم موت جسده، بينما قاتلوه موتى رغم أنهم
أحياء بأجسادهم.
عن صحيفة الشرق القطرية