التّصريح الأخير للوزير الأول عبد العزيز جراد حول تعزيز اللّغتين الإنجليزية والصّينية مستقبلا للارتقاء بمستوى الطّلبة، يأتي ضمن توجّه جديد في أوساط النخبة يحاول الانعتاق من هيمنة اللّغة الفرنسية على الإدارة والإعلام، وحتى على الحياة اليومية لبعض الفئات في الجزائر، ما حال دون الانفتاح على العالم.
لكن؛ على الوزير الأول أن يكون أكثر جرأة في التّعامل مع الموضوع ما دام يتكلم من موقع المسؤولية، وأول خطوة هي إعادة الاعتبار للغة العربية أولا، بوضع حد لظاهرة التعامل باللغة الفرنسية في الأوساط الرّسمية على الأقل، والتوقف كليا عن استخدام اللغة الفرنسية التي أصبحت رمزا للتخلف والانغلاق، فضلا على أنها كانت دوما بديلا عن اللّغة الرّسمية للبلاد في واحدة من أغرب مظاهر التّبعية اللّغوية للمستعمر.
ولنأخذ من الفلسطينيين العبرة؛ إذ يستحيل أن تجد فلسطينيا واحدا يتباهى بالحديث باللغة العبرية حتى ولو كان يتقنها، ولا زال حتى أولئك الفلسطينيون الذي يتّمتعون بالحقوق المدنية الكاملة ضمن أراضي 1948 متمسكين بلغتهم وهُويتهم وثقافتهم، بعكس الاستلاب الذي يحدث عندنا.
ولا يمكن نكران النتائج التي بُذلت في سياق التّعريب في الجزائر، إذْ خرّجت المدرسة الجزائرية أجيالا معربة، أصبحوا الآن في مواقع المسؤولية وفرضوا اللغة العربية في التعامل الرسمي، لكن مقاومة هذا التّحول تبدو قوية، وأحيانا تكون شرسة من الإطارات التي تعلمت باللّغة الفرنسية، ومثال ذلك ما حدث في الجامعة عندما أراد وزير التعليم العالي تعزيز اللغة الإنجليزية.
لذلك؛ فإن الأمر يتطلب قرارات شجاعة تستهدف تعزيز اللّغات الأجنبية الحية على غرار الإنجليزية والصّينية، باعتمادها في المراحل الأولى من التّعليم، ووضع حد للهيمنة الفرنسية على برامج التّعليم بمسح آثار مرحلة الوزيرة السابقة نورية بن غبريط، والمرور إلى اللّغة الإنجليزية كلغة أجنبية أولى بدل الفرنسية. وذلك أمر واقع، خاصة في أوساط الشباب الذين يقبلون على اللغة الإنجليزية بشكل غير مسبوق.
وقبل ذلك كله، يجب أن يتوقف المسؤولون الكبار وعلى رأسهم الوزراء عن مخاطبة الناس باللّغة الفرنسية، لسببين؛ الأول: لأنها لغة لا يفهمها الجزائريون ولا يتعاملون بها فيما بينهم إلا لدى بعض الفئات المتعلمة باللغة الفرنسية. والسبب الثاني أن الأمر هو خرق للسيادة الوطنية، ولنتصور ما يحدث لو أن وزيرا فرنسيا تكلم مع الفرنسيين باللغة الألمانية!!
(الشروق الجزائرية)