ما أقدمت عليه قوات الاحتلال الصّهيوني من إعدام ميداني لفلسطينيين، يؤكد بما لا يدع مجالا للشّك أنّ الصّهاينة بعد أن أقاموا علاقات تعاون مع عدد من الدول العربية، أصبحوا لا يقيمون وزنا لردود الفعل المحتملة ضد جرائمها في حق الفلسطينيين، ولعلهم محقّون في ذلك، لأن الجريمة حدثت ولم نسمع صوتا يدينها، ولم نشاهد تحرّكا يهدف إلى الضّغط على “إسرائيل” عن طريق
حلفائها.
قواتٌ صهيونية تتسلّل فجرا إلى مخيم
جنين وتقوم بقتل أربعة فلسطينيين بدم بارد، لا لأنهم اعترضوا هذه القوات أو دخلوا
معها في اشتباك، ولكن فقط لأن الأجهزة الأمنية الصهيونية تصنّفهم في خانة “خطر على
إسرائيل”، وهي جريمة تأتي بعد 12 ساعة فقط من الاتصال الهاتفي الذي جمع رئيس
السلطة الفلسطينية محمود عباس مع رئيس الاحتلال الصهيوني “يتسحاق هرتسوغ”، يهنئه
فيها برأس السنة، وبعد 24 ساعة فقط من مبادرة أخرى قام بها الرئيس عباس بالاتصال
بوزير الحرب الصّهيوني، تناولت سبل تعزيز “التّنسيق الأمنيّ” بين الطرفيْن لمنع
التصعيد في الضفّة الغربيّة المُحتلّة.
ما الرسالة التي أراد الاحتلال
الصّهيوني إيصالها إلى حلفائه وأعدائه؟ ولماذا يصرّ في كل مرّة على إحراج السّلطة
الفلسطينية بارتكاب المجازر المروِّعة رغم الاتفاق بين الطّرفين على “التنسيق
الأمني”؟ أم إن ما حدث هو ثمرة لهذا التعاون و”التنسيق الأمني”.
على الفلسطينيين أن يحدّدوا موقفهم من
“التنّسيق الأمني” إذا أرادوا إنهاء الانقسام الفلسطيني؛ لأن ما حدث سيُشعل الضفة
الغربية، بل سيشعل كل الأراضي الفلسطينية، ولا معنى لتنديد السّلطة الفلسطينية على
لسان النّاطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية بعملية جنين، طالما لا زال “التنسيقُ
الأمني” مستمرا بين الطرفين.
الكلمة الآن هي للمقاومة الفلسطينية،
وقد لاحت في الأفق بوادر مواجهة عسكرية أخرى، إذ قال الناطق الرسمي باسم حماس في
جنين: “ستظل تقاتل الاحتلال حتى طرده عن كامل أرضنا، وكل إرهاب الاحتلال لن يكسر
شوكة هذه المدينة العنيدة، والمعركة ستظل مفتوحة ضد هذا المحتل في كل ساحات الفعل
النضالي، حتى يكتب شعبُنا نصرا على هذا المحتل وطرده عن كامل أرضنا الفلسطينية”.
هي النّبرة نفسها التي تحدثت بها فصائل
فلسطينية أخرى اعتبرت مجزرة جنين صفحة أخرى من الإجرام الصهيوني، الذي تعاظم بعد
فضيحة التّطبيع والتعاون الأمني والاقتصادي بين عدد من الدول العربية والكيان
الصهيوني، ومن الواضح أن “إسرائيل” أصبحت تتمادى في التنكيل بالفلسطينيين، بعد أن
شعرت بتفكك الجسم العربي الذي كان فيما سبق يمارس ضغوطا بأشكال مختلفة. الآن بات
عددٌ من البلدان العربية شركاء للصهاينة في جرائمهم، ولا يجد الإعلامُ في هذه الدول
حرجا في مهاجمة المقاومة الفلسطينية ونعتها بـ”الإرهاب”!