تقف البشرية جمعاء مشلولة مشدوهة أمام عدو ضعيف ضئيل لا يرى بالعين المجردة، عارية بلا أسلحة للمقاومة أو الدفاع لا تلوي على فعل شيء، تتقاذفها تصريحات السياسين ونشرات الأخبار.. ساد الرعب وخلت شوارع المدن من الناس، وسادت الفوضى في المطارات وتقاطر الناس على محلات بيع المواد الغذائية وتنازعوا على كيس من ورق التنظيف، كالجراد المنتشر، سحقت الرفوف وخلت من المواد الغذائية.
اختلفت البلدان والدول في تعاملها مع الأزمة، فهناك من غسل يديه من المشكلة وطلب من الناس غسل أيدهم بالماء والصابون، وأن ينتظروا قدرهم حتى يبلغ الفيروس ذروته ويحصد ما يحصد من الأرواح حتى نصل إلى ما يسمى "مناعة القطيع"، وهذا الطريق انفرد به رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسن على خلاف كل الدول التي اتخذت إجراءات وقائية.
لماذا وصلت البشرية التي تديرها أنظمة تملك كل وسائل المنعة والقوة والتكنولوجيا إلى حافة الهاوية تتقاذفها حالة من عدم اليقين؟
الدول التي اتخذت إجراءات وقائية منها المبكر ومنها المتأخر، حجرت على مدن بأكملها ومنعت السفر من وإلى الدولة وأغلقت المدارس والجامعات ومنعت التجمعات وألغيت المناسبات الرياضية والإحتفالية الكبرى وأغلقت المراكز التجارية والمقاهي وغيرها من الإجراءات القاسية.
كل هذه الإجراءات وفيروس
كورونا يسرح ويمرح في كل مدن
العالم حاصدا حتى اللحظة أرواح المئات مصيبا الآلاف والتوقعات أن يستمر بالإنتشار أسابيع وأسابيع، ومنهم من قال أن هذا الوباء قد يستمر عاما كاملا وسط عدم يقين متى سيدخل أول مصل حيز العمل لمقاومة هذا الفيروس أو القضاء عليه.
كل علماء الأرض أجمعوا أن عملية إيجاد مصل تحتاج على الأقل سنة باستثناء تاجر العقارات ترامب الذي عن جهل أو علم أكد أن المصل سيكون جاهزا في نيسان (أبريل) المقبل!
السؤال المهم: لماذا وصلت البشرية التي تديرها أنظمة تملك كل وسائل المنعة والقوة والتكنولوجيا إلى حافة الهاوية تتقاذفها حالة من عدم اليقين؟ لننظر من حولنا قبل انفجار هذا الوباء وخلاله، تنتشر مصانع الأسلحة بكل أنواعها تقليدية وغير تقليدية، وعلى الرغم من أن الدول المصنعة موقعة على مواثيق غليظة لحفظ حياة الإنسان تعقد الصفقات (مليارات) بالسر والعلن مع دول تدير حروبا مدمرة وتسببت في أزمات بشرية حادة.
مصانع تبث السموم في كل مكان حتى تسعرت الأرض وتلوثت وهلك الحرث والنسل، خطوط إنتاج لا حصر لها لأحدث هاتف وأحدث سيارة وأحدث بنطال وإكسسوار، وهكذا كالقطيع تتبعنا القطيفة (الموضة) حتى دمرنا حاضرنا ومستقبلنا وفاجأنا الكورونا ـ الذي لم يره أحد ـ بقوته وجبروته.
كل علماء الأرض أجمعوا أن عملية إيجاد مصل تحتاج على الأقل سنة باستثناء تاجر العقارات ترامب الذي عن جهل أو علم أكد أن المصل سيكون جاهزا في نيسان (أبريل) المقبل!
كلنا في هذا الكون يحكمنا قانون الإجبار.. لم نختر أبدا أن نكون أعضاء في هذه الأسرة البشرية.. ولعل فلسفة الإجبار في البدء حتى نتعلم أهمية الاختيار خلال مشوارنا الحياتي، فنختار بين الصالح والطالح ونكرس جهودنا كبشر للبناء والإصلاح ومواجهة الأزمات لا أن نصنع ما يدمر حاضرنا ومستقبلنا.
كبشر جميعا لم ننجح في الإختيار، لقد تحولنا إلى مجرد قطيع يسوقه تجار من ساسة وأصحاب نفوذ قرروا لنا سلفا ما يفيدنا وما يضرنا.. سلكونا سلكا داخل نظام تحت عناوين مختلفة لا يحترمون البحث العلمي ولا الحريات إنما مقياسهم في كل شيء هو الربح والخسارة، والربح السريع وتكديس المليارات في حسابات سرية، فقط عندما نستطيع التصدي لهؤلاء ويعود شيء من الاعتبار للعلم والبحث نكون قد اقتربنا بأن لا نكون قطيعا.
لقد بذل الكثير من الشر على هذه الأرض وبذل القليل من الخير.. لم تفتح الأذرع للعلماء والباحثين كما فتحت لغيرهم، فلذلك كان هذا العري المريع أمام مخلوق لا يرى بالعين المجردة، فعلينا أن نتدارك عرينا بعد كورنا بأن تصبح اهتماماتنا أعلى من غرائزنا، أما الآن فغريزة البقاء تتحكم باهتماماتنا ونمضي إلى قدرنا، إذ لا أحد يستطيع أن يضمن النجاة لأحد.