في زحمة هذه المؤتمرات والندوات والحلقات العربية التي تنعقد هنا وهناك في عواصمنا حول موضوع صورة العرب والمسلمين المشوهة في الغرب أو في الإعلام الغربي أو لدى الرأي العام الغربي.. وقد حظيت بالإسهام بقسط في بعضها، آخرها في جامعة السوربون بدعوة من زملائي أساتذة الحضارة العربية بالسوربون، خرجت بخلاصة موضوعية وهي أننا نحن العرب نجهل الغرب كما يجهلنا هو.
ليس لدينا خبراء في الحضارة الغربية
وللحقيقة كنت شخصيا خائفا يوم الثلاثاء الماضي حين أعلن عن إطلاق نار في مدينة ألمانية ومقتل 10 مواطنين ... خائف من أن يكون الجاني إرهابيا مسلما قتل مواطنين ألمان أبرياء ثم تنفست الصعداء حين أعلن أن القاتل عنصري مسيحي نازي، وأن الضحايا مسلمون أبرياء رحمهم الله!
أعتقد أن إثارة هذا الموضوع اليوم أمر موفق وضروري لأن القضية حقيقية وتستحق النقاش وتقديم الحلول.. ولها انعكاس على وصول الأحزاب اليمينية العنصرية للسلطة في بلدان الاتحاد الأوروبي لكن لا أحد أثار الوجه الثاني للموضوع وهو أن صورة الغرب كذلك مشوهة لدينا نحن العرب والمسلمين.
علينا أن نرى الغرب بعيون الحقيقة ونحلله ونفهمه ونتعامل معه كما هو.. لا كما يجب أن يكون في خيالاتنا.
وحين أقرأ الآن الأدبيات العربية وأجدها "مانيكائية" (نسبة للحكيم اليوناني مانيس الذي يقسم العالم إلى خير محض وشر محض)، فنجد ثلة أيديولوجية إسلامية تكفر الغرب تكفيراً وتلعنه في الصباح والمساء وتحمله جميع مصائبنا وجميع أخطائنا كما نجد ثلة أيديولوجية استغرابية تريد إلحاقنا بالغرب على الطريقة الأتاتوركية "نسبة لمصطفى كمال أتاتورك"، وتعلق في عنق الغرب باقات الزهور وتضع على صدره الأوسمة وتنادي به قيمة عليا ومثلا ساميا يجب أن نقلده قبل فوات الأوان. وهاتان النظرتان تدلان على جهل متجذر للغرب ولتصحيح صورة الغرب المشوهة هذه لدينا.
الغرب ليس وطنا جغرافيا
علينا أن نعرف أبجديات بديهية أهمها: الغرب غير موجود كما نتصوره، فالغرب ليس وطنا جغرافيا تحده حدود لأنه يعني في الواقع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أساسا، وهاتان الكتلتان الكبيرتان مختلفتان جذريا، فأمريكا حديثة العهد بالمؤسسات السياسية وأوروبا قارة قديمة نشأت فيها المؤسسات الديمقراطية الحديثة منذ الثورة الفرنسية 1789.
ثم إن أمريكا خليط هائل من الأعراق والثقافات عرف الدستور الأمريكي كيف يصهرها صخرا ويمزجها مزجا حتى كون منها جميعا وعلى مدى قرنين أمة واحدة فيها الأيرلندي والألماني والفرنسي كما فيها اللاتينوس الأحمر والآسيوي الأصفر كما فيها المسلمون والعرب. وأمريكا وحدها استطاعت أن تسير مظاهرة شارك فيها مليون مسلم بواشنطن استجابة لنداء الزعيم لويس فرقان في بداية الثمانينيات..
أما في أوروبا، فالمسلمون.. الأوروبيون من أفضل المسلمين حالاً من حيث مستوى المعيشة وصيانة الحقوق وقداسة الحريات وتنظيم المنظمات وعددهم هناك يقارب الخمسين مليونا اذا احتسبت البلقان قبل أن تستفحل ظاهرة الإسلاموفوبيا.
فما نسميه الغرب إذن هو غربان: الغرب الأمريكي والغرب الأوروبي، وفي كليهما يسجل الإسلام حضوره بقوة في مجالات الاقتصاد والثقافة والانتخابات، ولكننا بعكس الأمم الأخرى لم نستفد من حضورنا في الغرب لأسباب عديدة أبرزها:
1 ـ الانقطاع -أو القطيعة- بين جالياتنا وبين حكوماتنا.. فليس هناك جسور دائمة وقنوات موظفة للتنسيق بين هذه القوى الحية العاملة في الغرب، وأحيانا في أعلى هرم الأحزاب السياسية والجامعات والمؤسسات العلمية والمنظمات الأهلية ومجالات الاستثمار والمال والإعلام، وبين حكومات دولنا العربية. عكس ما تقوم به الجاليات اليهودية وارتباطها العضوي بحكومات إسرائيل المتعاقبة، وعكس ما تقوم به الجاليات الصينية أو السلافية أو اللاتينية مع حكومات دولها.
وتقتصر العلاقة بين بعض حكوماتنا وجالياتنا في طلب خدمة سياسية وإعلامية تفيد الأنظمة الحاكمة ولا تخدم أهدافا استراتيجية كبرى لها اليوم الأولوية، هذا إن لم تصنف النخبة العربية المتواجدة في عواصم الغرب على أنها من وجهة نظر حكومات دولها مارقة ومناوئة وهدامة في حالة تعودها على الآليات الديمقراطية والجهر برأي مختلف أو إسداء نصيحة لوجه الله والوطن.
ما نسميه الغرب إذن هو غربان: الغرب الأمريكي والغرب الأوروبي، وفي كليهما يسجل الإسلام حضوره بقوة في مجالات الاقتصاد والثقافة والانتخابات
الثورة في سوريا.. الفصل الأخير!
نووي إيران ومعادلة أوروبية جديدة
مؤتمر ميونخ للأمن والمفاجأة الأمريكية في العلاقات الدولية