نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمعلق روجر كوهين، يصف فيه ما يجري في لبنان بأنه ربيع عربي عادت شعلته من جديد، مشيرا إلى أن الحكومة اللبنانية انهارت وسط تراجع للدور الإيراني في الشرق الأوسط.
ويقول كوهين في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "بعد ثمانية أعوام على الربيع العربي، فإن احتجاجات الشوارع ضد الفساد والطائفية وازدراء المسؤولين للمواطنين أدت إلى سقوط حكومة سعد الحريري. لأن مصادر الغضب العربي لم تتغير".
ويشير الكاتب إلى أن "العجز المجتمعي في المنطقة كلها لا يزال عميقا، حيث يشعر السكان الشباب بالإحباط من غياب الفرص الاقتصادية، والإهانات المستمرة لكرامتهم من الحكومة التي تشعر أنها فوق المحاسبة، ويبدي جيل الألفية الجديدة الاشمئزاز من المحسوبية والنظام السياسي المتجمد والتبذير، ولم يؤد قهر الديكتاتوريين ولا وعود الراديكالية الإسلامية إلى بناء الكرامة الإنسانية، التي تأتي عادة مع حكومة مسؤولة".
ويفيد كوهين بأن "الشباب العرب يريدون قوة ولا يريدون دفع فواتير المياه وفوقها الرشوة لبعض المسؤولين من أجل الحصول على المياه التي تصل إلى بيت الوزير دون توقف، ولا يريدون مراقبة الرجال الكبار أنفسهم وهم يمارسون السياسات القديمة ذاتها مرة تلو الأخرى، وقبل أن يسلموا السلطة لأبنائهم".
ويلفت الكاتب إلى أن "الحريري قال وهو يقدم استقالته إنه وصل إلى طريق مسدود، وربما كان يتحدث عن النظام اللبناني القائم على تقسيم الغنيمة بين الطوائف، الذي يبدو عجزه واضحا من الرائحة الكريهة التي تنبعث من المجاري على طول الطريق السريع، فيما يأتي التيار الكهربائي وينقطع وتعود الحياة للإنترنت من فترة لأخرى".
وينقل كوهين عن رجل الأعمال كمال منصور، قوله: "يكبر أطفالنا في مكان ملوث.. يضعون علامات علينا لكننا كلنا لبنانيون"، وأشار منصور إلى المحتجين في شارع الحمراء، وقال: "لا أسال إن كانوا سنة، أو شيعة، أو موارنة أو أيا كانوا".
وينوه الكاتب إلى أن "لبنان عاش حربا أهلية مدمرة في القرن العشرين بسبب هذه الانقسامات، ويبدو أن موازنة السلطة لكل جماعة دينية هي وسيلة لتحقيق السلام، وهناك جيل جديد لا يرغب في تأبيد سلطة قادة الطوائف الفاسدين، الذين يدفعون لأتباعهم ليحصنوا أنفسهم، فالزعيم الشيعي نبيه بري، لا يزال رئيسا للبرلمان منذ 27 عاما".
ويقول كوهين إن "اللبنانيين في الشارع يريدون أن يكونوا لبنانيين وفقط، وهم راغبون باختيار حكومة تحترمهم، وهم متعبون من التلاعب الإقليمي في بلدهم، وجاءت منظمة التحرير الفلسطينية ثم ذهبت، وكذلك إسرائيل التي جاءت وذهبت، والأمر ذاته حدث مع سوريا، أما إيران فلا تزال موجودة في لبنان من خلال وكيلها حزب الله".
ويشير الكاتب إلى أن زعيم حزب الله حسن نصر الله تحدث الأسبوع الماضي، معبرا عن معارضته لاستقالة الحكومة، خاصة أن حزبه جزء من التحالف فيها، وحذر في الوقت ذاته من الحرب الأهلية، لافتا إلى أنه وضع أثناء خطابه العلم اللبناني، على خلاف عادته برفع علم حزب الله الأصفر.
ويجد كوهين أن "بناء عليه فإن استقالة الحكومة هي تحد مباشر لحزب الله والتأثير الإيراني في لبنان، وتأتي في الوقت ذاته الذي خرجت فيه الجماهير الغاضبة في العراق للأسباب ذاتها التي دفعت اللبنانيين للخروج، وهتفوا مطالبين بتحرير العراق من الفاسدين وإيران".
ويقول الكاتب: "إيران ليست قوة عظمى، وهي دولة متوسطة في القوة، وتلعب في ورقة الضعف بشكل جيد".
ويورد كوهين نقلا عن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، قوله أثناء عشاء له في مقره في المختارة: "لقد فتح الغزو الأمريكي للعراق الباب أمام الإمبراطورية الفارسية".
ويرى الكاتب أن "التوازن السني الشيعي تم كسره عام 2003 داخل العراق وفي المنطقة كلها، وأصبح يميل نحو إيران الشيعية، وتعد الجمهورية الإسلامية، مثل روسيا فلاديمير بوتين، ماهرة في انتهاز الفرص دون دفع ثمن كبير".
ويلفت كوهين إلى أن "إيران استطاعت السيطرة على العراق قدر الإمكان، واستخدمت الجماعات الوكيلة، ووقفت مع نظام بشار الأسد، ودعمت الحوثيين في اليمن ضد السعودية والإمارات، وعززت من وجود حزب الله في الجنوب تجسيدا للمقاومة ضد إسرائيل".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذا إنجاز مدهش، لكن الجمهورية الإسلامية، بعد أربعة عقود من الثورة، تشبه الإمبراطورية السوفييتية، قوية لكنها فارغة ومنعزلة عن سكانها، وتواجه فوضى اقتصادية، ولا تستطيع الرد على التحديات الحقيقية التي تواجه الشرق الأوسط".
وينوه كوهين إلى أن "التوسع الإيراني اليوم بات محلا للتساؤل، وتسمع كلمة (رهائن) حزب الله في بيروت كثيرا هذه الأيام".
ويؤكد الكاتب أن "القوى الرجعية، من السعودية والإمارات ومصر والجمهورية الإسلامية، باتت تقف في صف ضد شعوب الشرق الأوسط التي تريد تحرير نفسها، وإنشاء حكومات مسؤولة، وتأكيد حكم القانون، والعيش بكرامة، والتمتع بالفرص الاقتصادية، وتجلى ذلك في مظاهرات عام 2011 إلى اليوم، لكن لم يخرج الأمل إلا من تونس وبقدر معين".
ويختم كوهين مقاله بالقول إن "لبنان يواجه معركة صعبة، فاقتصاده يقف على شفير الهاوية، والدخول في الفوضى بات ممكنا، وقد تتحول الفوضى إلى عنف، خاصة لو قام حزب الله بوضع الخطوط الحمراء، وقد جرب اللبنانيون الحرب الأهلية، وهم يريدون تجنبها، وأصبحوا شعبا واحدا لتحقيق وعد واحد وبداية جديدة في بيروت".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
بلومبيرغ: ما سر الصمت الخليجي تجاه احتجاجات لبنان؟
فايننشال تايمز: هل توقف الوعود بالإصلاح ثورة اللبنانيين؟
فورين بوليسي: هل هزمت الثورات الشعبية إيران بالشرق الأوسط؟