نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميلة الزائرة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى حنين غدار مقالا، تقول فيه إن
إيران تخسر الشرق الأوسط كما تظهر احتجاجات
العراق ولبنان.
وتشير غدار في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن سبب هذه الخسارة على ما يبدو هو أن إيران ماهرة في بناء تأثير، لكنها ليست جيدة في استخدامه أو الحكم بعده.
وتقول الكاتبة إن "الاحتجاجات اندلعت في
لبنان بعد اندلاعها في العراق، وكشفت عن أن النظام الذي بنته إيران في البلدين ليس ناجحا، واكتشف الشيعة في لبنان والعراق أن النظام الذي بنته إيران والجماعات الوكيلة عنها في البلدين فشل في ترجمة الانتصارات السياسية والعسكرية إلى انتصارات اجتماعية واقتصادية، وبعبارة موجزة: لم يكن خطاب المقاومة كفيلا بتوفير القوت اليومي".
وتلفت غدار إلى أنه "منذ الثورة الإسلامية عام 1979، كانت لدى إيران والحرس الثوري خطة مفصلة لتصدير الثورة، خاصة للدول التي تعيش فيها أقليات شيعية كبيرة، وطبقت طهران الخطة بصبر وأناة، وقبلت الهزائم الصغيرة مع التركيز على الهدف الكبير وهو: الهيمنة على العراق واليمن ولبنان وسوريا".
وتعلق الباحثة قائلة: "تبدو إيران اليوم قد انتصرت في اللعبة الكبيرة، من خلال كتلة برلمانية شيعية في لبنان، واستطاعت الحفاظ على نظام بشار الأسد، بالإضافة إلى تعزيز سلطتها في العراق من خلال المليشيات التي دعمتها، الحشد الشعبي، التي شكلت لقتال تنظيم الدولة".
وتستدرك غدار بأن "ما نسيته إيران في خطتها التي تابعتها على مدى العقود الأربعة الماضية هي الرؤية الاجتماعية والاقتصادية للحفاظ على قاعدة الدعم لها، ففي الوقت الذي انتهز فيه الإيرانيون كل فرصة لنسج تأثيرهم في مؤسسات المنطقة فإنهم نسوا شيئا واحدا، وهو ماذا سيحدث في اليوم التالي، وكما كشفت الأحداث في المنطقة فإن إيران فشلت في الحكم".
وتنوه الباحثة إلى أن "العراق ولبنان هما مثالان واضحان، وقد ساعدت إيران جماعاتها فيهما بالمال والسلاح لتمكينها من السيطرة على مؤسسات الدولة، بحيث أصبح هم هذه الجماعات في كلا البلدين شيء واحد، وهو حماية المصالح الإيرانية بدلا من توفير الخدمات لشعبي البلدين".
وتفيد غدار بأن "المراقبين وصفوا الاحتجاجات الأخيرة في لبنان بأنها (غير مسبوقة) لعدد من الأسباب، فلأول مرة يكتشف اللبنانيون أن العدو ليس من الخارج، بل (فيهم وبينهم)، أي الحكومة والقادة السياسيون، بالإضافة إلى أن هؤلاء لم يستطيعوا السيطرة على مسار الاحتجاجات التي عمت البلاد من طرابلس في الشمال والنبطية في الجنوب وبيروت وصور وصيدا، وشارك فيها أناس يمثلون طبقات وطوائف المجتمع كلها، وأظهرت أنها قادرة على توحيدهم بعيدا عن انتماءاتهم الطائفية والسياسية، وما جلبهم معا هو الحنق على الأوضاع الاقتصادية التي ضربت حياة الجميع، وكما قال أحد المشاركين فإن (الجوع لا دين له)".
وتجد الكاتبة أن "الأهم في هذا كله هو أن الناس ولأول مرة تحولوا ضد
حزب الله، وهذا أمر مثير للدهشة؛ لأن الحزب ومنذ إنشائه في الثمانينيات من القرن الماضي طالما قدم نفسه على أنه حامي الفقراء والمحرومين، إلا أن زعيم الحزب حسن نصر الله قرر الوقوف إلى جانب السلطات ضد المحتجين، وهذا تحد كبير للحزب الذي يواجه حركة احتجاجية واسعة".
وتشير غدار إلى أن "قرار الحزب دعم حكومة سعد الحريري لم يكن دون تخطيط، لكن صور المتظاهرين الشيعة وهم يشاركون البقية في مدن لبنان أخافت قيادة الحزب، فهؤلاء هم عصب الدعم له وقاعدته الشعبية ويصوتون له ولحركة أمل في الانتخابات، ويقاتلون في حروبه في لبنان وسوريا واليمن، ويحصلون في المقابل على الرواتب والخدمات التي يقدمها الحزب وراعيته إيران".
وتستدرك الباحثة بأنه "بات ولأول مرة مصدر غضب للشيعة الذين تظاهروا في معاقله في النبطية، في جنوب لبنان، بل إنهم حرقوا مكاتبه، والسبب في خروجهم هو الأزمة التي يعاني منها الحزب جراء مشاركته المكلفة في سوريا، والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران بشكل اضطره لقطع الخدمات والرواتب، وتوسيع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، بالإضافة إلى أن معظم الذين جندهم الحزب للقتال في سوريا كانوا من أبناء الأحياء الشيعية الفقيرة، فيما انتفع المسؤولون من ثرواته، وهو ما زاد من مستويات الحنق على الحزب".
وتلفت غدار إلى أن "السبب الثاني فهو قبول مناطق الحزب مكرهة لنبيه بري رئيسا للبرلمان، باعتباره أهون الشرين من أجل الحفاظ على الكتلة الشيعية في البرلمان، فبري معروف بالفساد بشكل يتناقض مع خطاب النزاهة والشفافية الذي يقدمه الحزب لأتباعه، وعندما بدأ الاقتصاد في التدهور في الوقت ذاته الذي قلت فيه أموال الحزب باتت ثروة وفساد بري موضوعا لا يمكن للكثيرين التسامح معه كما في الماضي".
وتنوه الكاتبة إلى أن "السبب الثالث هو تركيز الحزب على الجانب العسكري وانتصاره على إسرائيل عام 2000، ثم حرب تموز/ يوليو 2006، وحربه في سوريا، التي زعم أنه انتصر فيها على المتطرفين السنة، إلا أن هذه الانتصارات لم تنعكس بشكل إيجابي على حياة الناس العاديين، وربما استفادت إيران من انتصارات الحزب لكن شيعة لبنان أصبحوا أكثر عزلة من الماضي، ولهذا السبب فانضمامهم للتظاهر هو محاولة لتأكيد هويتهم اللبنانية بدلا من الدينية التي خيبت أملهم".
وترى غدار أن "القصة هي ذاتها في العراق، الذي خرج فيه عشرات الآلاف احتجاجا على الفساد وغياب الخدمات والبطالة، وكان الرد حاسما، فقتلت قوات الأمن أكثر من 100 متظاهر، ونشرت وكالة أنباء (رويترز) تقريرا قالت فيه إن مليشيات إيران في العراق توزعت حول المتظاهرين وبدأت بقنصهم، ويكشف دورها في محاولة قمع المتظاهرين وفشل الحكومة العراقية بحماية مواطنيها عن التأثير الكبير لطهران في البلاد".
وتبين الباحثة أن "عددا من قادة المليشيات، الذين عملوا مع إيران ودربهم أعضاء في البرلمان، باتوا يقومون مع الحكومة بالدفاع عن مصالحها وخلق نظام اقتصادي بديل للتحايل على العقوبات الأمريكية، ومثل لبنان الذي زعم حزب الله أنه قاتل فيه السنية المتطرفة، فقد ساعد خطاب قتال الجهادية السنية على دخول رجالها إلى البرلمان واختراق مؤسسات الدولة".
وتجد غدار أنه "ليس مصادفة خروج الشيعة إلى الشوارع، فالسنة يتعرضون للاضطهاد على يد القادة الشيعة الطائفيين، ولم يوسع الشيعة هويتهم الطائفية إلى وطنية بعد، ولو استمرت الاحتجاجات وتوسعت فإنها ستصبح وطنية يشترك فيها الجميع سنة وشيعة وأكرادا، وفي الوقت الحالي عبر بعض السنة والأكراد عن دعم للمتظاهرين، لكنهم ترددوا في المشاركة بها لئلا يوصموا بالتطرف ودعم تنظيم الدولة، وبالتالي منح إيران وحلفائها المبرر لقمع الانتفاضة كما فعلوا من قبل".
وتؤكد الكاتبة أن "إيران لن تتخلى عن التأثير دون حرب، ففي لبنان قد تلجأ إيران وحليفها نصر الله إلى القوة، ولن يكرر حزب الله خطأ الحشد الشعبي في العراق ذاته، ولهذا السبب يقوم الجيش بتدريب عناصر من غير حزب الله في كتائب المقاومة اللبنانية لمواجهة التحديات المحلية، وهو ما سيعطي الحزب فرصة لنفي مشاركته في قمع التظاهرات".
وتشير غدار إلى أنه "في محاولة لخلق ثورة مضادة قام متظاهرون يحملون أعلام حزب الله وحركة أمل بمحاولة لترويع المتظاهرين والهجوم عليهم في عدد من المدن، إلا أن الجيش حجبهم عن المحتجين، مع أنهم نجحوا في المناطق الشيعية خارج بيروت".
وتقول الكاتبة إن "الحشد الشعبي في العراق قد يلجأ للعنف مرة أخرى ومواجهة التظاهرات الجديدة المعلن عنها يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر، وقد يموت عدد جديد بسبب العنف، إلا أنه في ظل غياب الضغط الدولي لحل البرلمان وإجبار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة فلن يحدث شيء إلا تضرر صورة إيران".
وتختم غدار مقالها بالقول إن "التقارير الأخيرة تظهر هشاشة القوة الإيرانية في المنطقة، وهذا غير الصورة التي لدى العالم عنها، الذي عليه معرفة أن المذهب الشيعي ليس ملكا لإيران وحدها، وبدء العمل مع المجتمعات الشيعية بعيدا عنها".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)