1 ـ حركة النهضة تحسم أمرها
بعد تردد طويل نسبيا حسم مجلس شورى حركة "النهضة" أمره يوم 6 آب (أغسطس) الجاري بقراره ترشيح أحد رموز الحزب للانتخابات الرئاسية المقبلة. وكان المجلس قد انعقد سابقا ثم أرجأ اتخاذ قراره لمزيد تدارس الوضع وتعميق النقاش .
حسم "النهضة" موقفها لصالح ترشيح واحد من رموزها كان بعد ضغط كبير من قواعدها ومناضليها، جمهور "النهضة" عبّر في مواقع وصفحات عديدة في الفضاء الافتراضي عن غضبه من تردد قيادة الحركة في حسم قرار ترشيح أحد رموزها للرئاسية، بل فيهم كثيرون هددوا بعدم الانضباط لقرار الحركة إذا ما قررت دعم مرشح من خارجها، وقال المحتجون إنهم سيصوتون لأسماء يعتبرونها معبرة عن أشواق الثورة ومستعدة لمواجهة الفساد والمفسدين.
عبد الفتاح مورو من الشخصيات النادرة في الحركة التي تحظى بمقبولية لدى عموم المواطنين
كان ثمة وجهة نظر ترى أن ترشيح أحد رموز "النهضة" للرئاسة ليس قرارا حكيما وقد يجعل خصومها يتحالفون ضدها. ويرى أصحاب هذا الرأي أن الموقف الأسلم هو في دعم شخصية توافقية بالاشتراك مع قوى سياسية أخرى ممن يؤمنون بالتشارك في الحكم ولا يدعون للإقصاء ولا يُشيعون خطاب الحقد والكراهية.
وقد تمت المصادقة على قرار ترشيح الأستاذ مورو بأغلبية مطلقة في دورة مجلس الشورى المنعقد بالحمامات يوم الثلاثاء 6 آب (أغسطس) الجاري، حيث كان التصويت لصالح ترشيح الأستاذ مورو بنسبة 98 بالمائة.
الأستاذ عبد الفتاح مورو، الرئيس المؤقت الحالي لمجلس نواب الشعب، ونائب رئيس حركة "النهضة"، في أول تعليق له على ترشيحه للانتخابات الرئاسية أكد أنّه "مسرور بهذا الترشيح وهذه الثقة التي وضعتها فيه قيادات الحزب وكوادره، واعتبر أنّ قرار ترشيحه، بأغلبية الحاضرين من أعضاء مجلس شورى الحركة، من شأنه توحيد الحركة ومنع انقسامها".
الاستاذ عبد الفتاح مورو اعتبر أيضا "أنّ فوائد هذا الترشيح ليست على حركة النهضة فحسب بل على كل البلاد".
:
كما اعتبر أنّه منذ هذه اللحظة “ليس مرشحا لحركة "النهضة"، بقدر ما هو مرشح للوطن، وسيكون في خدمته من أجل الوحدة الوطنية ومن أجل رقي الوطن وهو يستحق أن يكون أفضل مما هو عليه الآن".
2 ـ خصال الأستاذ عبد الفتاح مورو
الأستاذ عبد الفتاح مورو رمز من رموز الحركة الإسلامية ومن مؤسسيها الأوائل، وهو من مناضليها في أغلب مراحلها، وهو رجل يجمع بين المعرفة الشرعية والمعرفة القانونية ما مكنه من حسن التواصل والخطابة والمحاورة، وهو يتوفر على حضور بداهة وذكاء ولطافة قلّ توفرها في سياسي أو داعية سواه.
قد يكون عبد الفتاح مورو من الشخصيات النادرة في الحركة التي تحظى بمقبولية لدى عموم المواطنين من خارج الحركة لكونه شخصية تجمع بين الجد والمرح بين القوة واللين بين اللطافة والصرامة، فهو ليس بالمتشدد في أحكامه ولا بالمتنازل عن مبادئه وهذا ما جلب له محبوبية واسعة لدى التونسيين حتى ممن يختلفون مع حركته أو مع مرجعيته الفكرية ومشروعه السياسي.
يحتاج مرشح "النهضة" الأستاذ مورو عملية إسناد شعبي كبرى يحتاج فيها طرائق جديدة في التواصل والاتصال بعيدا عن الانسياب البلاغي
هذه المؤهلات مضاف إليها حماسة مناضلي "النهضة" ستجعل حظوظه في الدور الأول وافرة وسيكون منافسا جديا في الدور الثاني.
"محصول" الدور الأول لمرشح الحركة في الانتخابات الرئاسية سيتم "صرفه" سياسيا في المفاوضات قبل الدور الثاني مع الجهة الأوفر حظا والأكثر قبولا بالديمقراطية وبمبدأ "التشاركية" في الحكم، ستفاوض الحركة على موقع يناسب حجمها وعلى "فُرص" تتاح لمناضليها لخدمة وطنهم وشعبهم من خلال أجهزة الدولة وآليات الحكم.
3 ـ المنازلة الانتخابية ووحدة الحركة
دائما تكون "المعارك" و"المنازلات" فرصة لتجاوز الجماعات خلافاتها ولرص صفوفها وتوحيد وجهة بوصلتها نحو أهداف محددة.
قرار شورى "النهضة" ترشيح أحد رموزها للانتخابات الرئاسية كان له مفعول إيجابي في صفوف الحركة التي شهدت تأزما حادا بعد مراجعة التنفيذي لقائمات الانتخابات التشريعية وبعد ما حصل من تعديل رأى فيه كثيرون حيفا وإقصاء لهم أو تجريدهم من حقوقهم بعد أن انتخبتهم القواعد في مكاتبهم الجهوية.
تلك الخلافات ستتحول إلى مشاكل ثانوية وستتوحد الحركة في خوض منازلتها الكبرى دفاعا عن صورتها وعن حجمها وعن حظوظها في المرور إلى الدور الثاني.
الأستاذ راشد الغنوشي رئيس حركة "النهضة" وإثر تصويت الشورى لصالح ترشيح عبد الفتاح مورو للرئاسية صرح لإحدى الإذاعات بـ "أنّ ترشيح عبد الفتاح مورو للانتخابات الرئاسية هو خيار يعبّر عن ثقة الحركة في الديمقراطية وفي الجمهورية وفي الثورة
التونسية... إن الوضع الطبيعي يقتضي أن تتنافس الأحزاب السياسية فيما بينها... لنا ثقة في عبد الفتاح مورو وهو أهل لها، وسنعمل على مروره إلى الدور الثاني".
دفاع مناضلي الحركة وقادتها وقواعدها على حظوظ مرشحها في الرئاسية إنما هو دفاع عن مكانة الحركة وعن موقعها في المشهد السياسي وعن اقتدارها في مفاوضات ترتيب الحكم وتقاسم المسؤوليات.
ما حظوظ مورو في الرئاسة؟
من المؤكد أن مورو سيكون أحد فارسيْ المبارزة في الدور الثاني ولن يكون حضور لا لنبيل القروي ولا ليوسف الشاهد ولا لمهدي جمعة ولا لمحمد عبو ولا لحمة الهمامي ولا لمنصف المرزوقي ولا عبير موسى دون انتقاص من قدرهم وجدية أغلبهم وخاصة المناضلون: منصف المرزوقي وحمة الهمامي ومحمد عبو.
في الدور الثاني سيستعيد العقل الاصطفافي فكرة "التصويت المفيد" كما حصل في انتخابات 2014 حين تحالف الجميع في الدور الثاني مع الباجي قائد السبسي في مواجهة المنصف المرزوقي ، سيتحالفون جميعا ودون استثناء مع المرشح الثاني ولن يكون بتقديري إلا عبد الكريم الزبيدي الذي سيُقَدّم على أنه "مرشح الدولة" في محاولة لوصم منافسه بكونه "مرشح الجماعة".
يحتاج مرشح "النهضة" الأستاذ مورو عملية إسناد شعبي كبرى يحتاج فيها طرائق جديدة في التواصل والاتصال بعيدا عن الانسياب البلاغي فعموم الناس يحبون "أشياء" أخرى وفي الانتخاب لا فرق بين صوت المثقف وصوت المسطح.
4 ـ عبد الكريم الزبيدي المرشح القوي
عبد الكريم الزبيدي ليس شخصية عسكرية، هو رجل علم وهو متحصل على أعلى الشهادات العلمية في الطب والصيدلة ولكن السياسة هي التي استدعته في مختلف مراحل الحكم من بورقيبة إلى بن علي إلى الترويكا إلى حكومة التوافق، وهو رجل قليل الكلام ومشهود له بالحيادية وبالحرص على نقاوة الجيش الوطني من كل وصم سياسي.
يتذكر التونسيون أنه يوم 4 تشرين أول (أكتوبر) 2018 أثناء تشييع شهيدي جيشنا الوطني بالقصرين ادريس الزواغي وياسين الشهبي قد تكلم بلغة تحذيرية لكل السياسيين محملا إياهم مسؤولية ما أسماه بـ "الإنخرامات".
عبد الكريم الزبيدي رجل قليل الكلام ومشهود له بالحيادية وبالحرص على نقاوة الجيش الوطني من كل وصم سياسي.
قال يومها: "أريد إبراز موقفي للعموم بعد أن كنت أهمس به للسياسيين". وأضاف: "إن السياسيين الذي اختارهم الشعب لهم مسؤولية كبرى في كل الانخرامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الأمنية بما فيها استشهاد العسكريين وأن الشعب سيحاسبهم يوما ما".
هذا التصريح المقتضب والغاضب لمن يفكك شفرات الخطاب كان يومها دليلا على أن الرجل يستعد لملحمة انتخابية مقبلة وأنه يتكلم باسم الشعب وأنه لن يتقدم للرئاسة بالإنقلاب بل سيتقدم إليها بالإنتخاب.