لم تكن وزيرة الدولة للهجرة وشؤون
المصريين بالخارج، نبيلة مكرم، بحاجة
لتذكير المعارضين لنظامها بالذبح والنحر، فماذا أصلا لدى عصابة الحكم في مصر التي تنتمي لها نبيلة غير هذه الإنجازات؟ ولم يكن محمد رامي مخلوف مضطرا
لعرض أسطول سياراته الفاخرة، فالجميع في
سوريا يعلم أن هذه العائلة التي نهبت ثروات سوريا على مدار عقود؛ لديها أموال لا تحصى.
ليس ثمة دافع وراء تصرفات الوزيرة وابن الملياردير سوى القول إننا أباطرة العصر، نذبح ونقتل ونسرق "على عينك يا تاجر".. هذه البلاد لنا، "معندناش غير بلد واحدة.. مصر".. وقبل ذلك كانت مستشارة بشار الأسد، بثينة شعبان، تصرخ على شاشات التلفزيون، بأنها وعصابة الحكم في سوريا ليس لهم بلد آخر سوى سوريا.
ولا يفهم بالضبط ما الذي يريدون تأكيده عبر تكرار أنه ليس لهم بلد آخر، وما إذا كان المقصود هو أن على العالم أن يتفهم اضطرارهم للسرقة والقتل لأنه ليس أمامهم فرص وخيارات أخرى، كما تلك التي تملكها الشعوب التي لديها خيار الهجرة، أم إنهم يعيّرون أولئك الهاربين من جحيم ممارسات العصابات!
تتشاطر هذه العصابات من خلال سرقة الوطنية واحتكار وضع معايير لها تتفق مع مصالحهم. فنقد ممارسات هذه العصابات هو إساءة للوطن؛ لأنه يكشف الصورة الحقيقية للحاكم وزبانيته، والإشارة إلى القتل والانتهاكات التي يرتكبونها تعني تشويه سمعة الوطن، والقول إن هناك فسادا هو محاربة للشعب؛ لأنهم يزعمون أن ذلك قد يؤدي إلى انكفاء الاستثمارات، وكأن المستثمرين ينتظرون المعارضات العربية ليعرفوا أين يضعوا أموالهم.
هم وطنيون وعندهم الدليل الذي يثبت زعمهم، وهو بقاؤهم في الوطن وعدم مغادرته كما يفعل أولئك الذين لا يعرفون معنى الانتماء، والذين يعتقدون أن الوطن فندق يغادرونه متى ما يشاؤون، وكأن المقهورين والمعذبين لهم خيارات أخرى، غير ركوب البحار والمنافي بماذا تعيّرونهم؟ ليس لديهم جيوش وأجهزة تحرسهم، وبالطبع ليس هناك قوانين في بلاد تحكمها العصابات تحمي كل صاحب رأي. فلو أن في بلاد العرب محاكم نزيهة لقبل جميع المعارضين بحكمها، لكن ماذا يفعلون إذا كان الداخل إلى السجن مفقود؟ أيسلّمون أنفسهم مجانا هدية لهم؟ أو فإنهم خونة ما لم يفعلوا ذلك!
في الوقت الذي كان محمد رامي مخلوف (أبوه ابن خال بشار الأسد) يستعرض أسطول سياراته الفاخرة، كانت طائرات روسيا تقتل عائلة كاملة هربت بأطفالها من مذبحة الغوطة الشرقية، وكان طفل لم يتجاوز الثلاث سنوات يستغيث بأبيه لينقذه من تحت الركام الذي خلفه قصف الطائرات في أريحا، فيما كان الأب في مكان لا يستطيع منه إنقاذه ويصرخ له: "انتظر يا عمري"، لتخرج أخته (خمس سنوات) من تحت الركام وتنقذه. ترى هل لهذه العائلة الخارجة من الموت وطن غير بيتها الذي تهدّم؟ هل لهم غير موتهم والخطر والألم يعرضونه على عالم فقد كل مشاعر الإنسانية؟
وابن مخلوف، لمن لا يعلم، سليل نظام يدّعي أن شرعية بقائه في السلطة ممانعته لأمريكا والصهيونية وكفاحه من أجل تحرير فلسطين، لكن لا نعلم أهي الصدفة أم الأقدار التي ركّبت هذا التزامن الغريب بين استعراض أساطيل السيارات الفاخرة، وتشريد مئة عائلة فلسطينة من بيوتها في وادي الحمّص، هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منازلهم، فلم يجدوا غير أرصفة شوارع القدس تحنّ عليهم؟!
في إطار حربهم على كل من يعترض على أساليب حكمهم المافيوية، أصدرت عصابة السيسي قوانين لإسقاط الجنسية عن كل من تدّعي أنه "يهدف للمساس بالنظام العام للدولة". وهنا، بحق، تجد مقولة "من يحاكم من؟" أصدق تفسيراتها، ذلك أن هذه العصابة هي من أخلّت بالنظام العام للدولة عبر إطاحتها بالدساتير والقوانين العامة للدولة في سبيل تثبيت حكمها، وعبر خيانتها لقيم الدولة وأسسها، من خلال احتكار الدولة بهذه العصابة، وكأن الشعب بمجمله طارئ وليس عنصرا أساسيا لهذه الدولة، والقبول به مرهون بإبداء رضاه عن كل ما تفعله عصابة السلطة تلك.
في السياق ذاته، ذهب نظام الأسد إلى مصادرة أملاك الملايين من الشعب السوري، بذريعة "الخيانة الوطنية"، في حين أن كل ما فعله هؤلاء لا يتجاوز أنهم طالبوا بالعدالة في مواجهة عصابة باعت الأرض وحوّلت البلاد إلى مزرعة خاصة توزّع عائلة الأسد أصولها (أراضي، موانئ، ثروات)، على محظييهم الخارجيين والداخليين.
تهديد وزيرة العصابة، واستعراض ابن المليونير اللص، هي مؤشرات على اعتقاد عصابات الحكم في مصر وسوريا، أنهم أصبحوا ملوك اللعبة وسادتها، ويحق لهم فعل أي شيء وقول ما يشتهون، بعد أن قضوا على كل صوت يطالب بالحرية والكرامة، لكن هذه التصرفات تخفي خلفها رعب عصابات الحكم من النار التي لم تنطفئ بعد تحت الرماد، ويحاولون عبثا منع طلوع النهار، عبر إطالة أمد الليل ما أمكن. لكن هل ذلك ممكن؟