تسربتْ أنباء من شقوق الجوزة الحديدية الضيقة في القيادة السورية المنتصرة على شعبها؛ بأن
الأسد غيّر رؤساء الأجهزة
الأمنية الرئيسية في
سوريا، وهي الأجهزة المختصة بحماية النظام وضبط حركة البلاد و"المستعبدين". النظام السوري هو مجموعة من جهات مختصة، والشعب هو المختص فيه.. الاختصاص: تلقي الأوامر والقتل.
وحسب الأنباء المتسربّة، فقد انتهى عهد رئيس المخابرات الجوية المرعب جميل الحسن، والرؤساء الجدد مشهورون بالصيت السيئ أيضاً، ويتنافسون في الفحشاء والمنكر والبغي والعدوان، والإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل. وكان جميل الحسن قد قال للأسد عند اندلاع المظاهرات: اسمح لي بقتل مليون وأنا مستعد للمثول أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، وكان سيسلم نفسه إليها بطائرة خمس نجوم، وأقسى حكم ستحكم عليه المحكمة هو المؤبد، وسيرتع ويلعب في السجن، ويخلد اسمه لدى الموالين بأحرف من نار، وربما يطلق عليه لقب اللواء الرمز.
اعتبر البعض ظهور جميل الحسن في الصور مؤشراً على أن عهده قد انتهى، فمن المعروف أن النظام لا يكشف عن صور رؤساء أجهزته الأمنية الكبار إلا بعد أن تنتهي خدمتهم، فكشف الوجه يعني حرق ورقة اللعب في الكوتشينة السورية الباطنية، ليس لأنه يخاف على بياض بشرة رؤساء الفروع من الشمس، بل لأن المخرجين يظلّون في الظل، ويمنحون أدوار البطولة لمن يريدون من الأبطال الكومبارس. لنتذكر: محمد سليمان وعبد الحليم خدام ومصطفى طلاس، وآصف شوكت.. جميل الحسن مريض، وفي أرذل العمر، وسيكون فرصة للأسد لغسيل الأحوال كما تغسل الأموال. ليس من اللائق أن يموت اللواء وهو يعذب أحد المعتقلين حتى الموت، آن له أن يرتاح.
وعلمنا حسب وكالات أنباء؛ أن جميل الحسن خضع قبل فترة لعملية جراحية تجميلية في لبنان، ليس سعياً وراء مزيد من الجاذبية، ولا تقليداً للمغنية أليسا، ولا نوال الزغبي، وليس من أجل الظهور بمظهر حسنٍ لإمالة قلوب صبايا العطاء، فهو جميل وحسن، ويغتصب في المعتقلات أجمل صبايا السنّة، وإنما خجلاً من عيون الإنتربول، فهو مشمول بعناية عقوبات أوروبية، وكانت جهات عدة طالبت بتسليمه للإنتربول الدولي، لكنه عاد إلى عمله في دمشق وظهر قبل أيام في درعا، ومن قبلها في ريف حماة لرفع معنويات المقاتلين بوجهه الحسن الجميل الذي يشع نوراً ومعنويات، أليس جميل الحسن؟ وجهه يعمل مثل رافعة السيارة "الجاك"، ويعتقد أنه بمظهره الجديد سيرفع المعنويات، بعد أن انهارت قوات سهيل الحسن هناك. وحسب الأنباء، فإنه حلّ محل جميل حسن على رأس المخابرات الجوية اللواء غسان إسماعيل.
وإن اللواء ديب زيتون أُطيح به، أو "طار" بالتعبير السوري، والسوريون يستخدمون وصف طيران للمخلوعين عن مناصبهم، مثل تعبير الهاتف الخلوي، سيبقى في وضع طيران إلى أن يحين وقت استخدامه، ويعود إلى وضع التشغيل، هؤلاء لا يتقاعدون إلا بالموت. وكان بشار الأسد قد استدعى الحرس القديم العجوز مع انطلاق الثورة، فهم خبرات مهدورة.
وتفيد المصادر بأن زيتون حل محل اللواء علي مملوك في إدارة الأمن الوطني، على أن يصبح مملوك نفسه نائباً لرئيس الجمهورية. وأفادت المصادر الروسية بأن اللواء حسام لوقا حلّ محل اللواء زيتون على رأس إدارة المخابرات العامة، أما شعبة الأمن السياسي فحلّ على رأسها اللواء ناصر العلي. هذا وقد كان الأسد قد أقال قبل فترة رئيس شعبة الأمن العسكري اللواء محمد محلا، وحلّ محله كفاح الملحم.
أطرف تعليق قرأته كان لمعارض سوري علوي قال إن الأسد طائفي، لكنه أعدل من المعارضة، فقد وزع الفروع الأمنية على أربع طوائف.. فاللواء غسان إسماعيل (من طرطوس)، وغسان هو المسؤول الأول عن الجرائم في مدينتي معضمية الشام وداريا، وتم تعيين اللواء حسام لوقا (شركسي من السفيرة) رئيساً للمخابرات العامة، واللواء ناصر العلي (من عشيرة الحديديين من قرى منبج) رئيساً لشعبة الأمن السياسي (شغل منصب رئيس الأمن السياسي في حلب قبل الثورة)، كجائزة ترضية للسنّة، واللواء ناصر ديب مديرا لإدارة الأمن الجنائي، خلفا للواء صفوان عيسى. وينحدر ديب من قرية عين العروس التابعة لمدينة القرداحة في اللاذقية، وكان رئيساً لفرع الأمن السياسي في حماة، كما شغل موقع معاون رئيس شعبة الأمن السياسي بدمشق.. علويان وبدوي وشركسي، أما المعارضة فكلها من السنّة!
يرى معارضون سوريون بأنّ الروس والإيرانيين وراء هذه التغييرات الأمنية والعسكرية في سوريا ، بينما يرى آخرون أنها تغييرات دورية يجريها النظام ولا علاقة للروس والإيرانيين بها.. وصفة دورية مضحكة جداً، فلم يكن النظام دورياً إلا في تدوير القتل والتحكم والسيطرة..
ولا يخفى على الناس أنّ
روسيا وإيران تتصارعان على الأرض الدافئة والمياه الدافئة، وعلى الشعب الدافئ في سوريا، وقد ازداد جشع
إيران بعد حصارها، وتريد استفزاز الغرب وتقوية أوراقها. وإيران بما لها من عقيدة تبثها وتغزو بها السنّة، بتأليف القلوب أو تخويف الأفئدة، تفوق روسيا بقوتها وقنبلتها وحق الفيتو. أمام إيران طريقان للخلاص من العقوبات؛ أحدهما تخصيب اليورانيوم والثاني تخصيب السنّة بالتشييع.
روسيا متخوفة من إيران، فهي دولة إقليمية ناهضة استطاعت احتلال أربع دول عربية فيئاً، من غير خيل ولا ركاب. أغلب الظنّ أنّ الأسد نفسه وراء التغيير، فهو خائف، وكذلك ماهر الأسد الذي يرى كيف تمنح روسيا الأوسمة لسهيل النمر وتزكّيه، وتدعوه إلى المراسم والمشاهد.
سخر سوريون من توّلي النمر رئاسة سوريا بالقول: إنه مهرج. أليس السيسي مهرجاً؟ المهرج أهم نمرة في سيرك النمور والفيلة. الصراع والخوف والزمن وراء التغييرات.
قرأنا أن روسيا تطارد المرافق الشخصي للأسد، ابن عمته المصون ذو الهمة شاليش.. بشار مذعور. أحدثت روسيا فرعا لحماية الأسد. الخلاصة: إن روسيا وإيران والسعودية متخاصمون عائلياً، لكنهم قولاً واحداً متوافقون على عداء الشعب السوري، السنّة تحديداً. قد يرى بعضهم التغييرات تقليماً لمخالب الأسد، لكن القتل البطيء والتعذيب سيظلّ من اختصاص فروع الأمن السورية.
هناك قصة قصيرة جدا للكاتب التشيكي الساخر فاسيلي تسونيف، لم أجد لها ترجمة، ولا له، على الشبكة العنكبوتية، يروي فيها أنّ موظفا قرر أن يصير مكتشفاً وعالماً مثل أرخميدس ومندلييف وفيثاغورس، فأكل كثيرا من الجزر، ومحّص وحدّق وحملق وحدج، واكتشف بعد تمعن وفحص أن الشركة التي يعمل فيها بدّلت رؤساء الدوائر عدة مرات، تدويرا في الشركة نفسها، فلم يزدد الإنتاج، صار رئيس دائرة الصيانة رئيس دائرة التشغيل، ورئيس المستودع رئيس الإدارة، من غير أن يتغير واحد فيهم بمدير جديد.. وخلص إلى خلاصة علمية كبيرة تشبه المثل العربي: طول عمرك يا زبيبة.. وأنت تعزفين على هذا العود؛ لحن الخلود.