اطلعت على مسودة بيان ينسب لثوار المنطقة الغربية الذين يشاركون بثقل في مواجهة عدوان حفتر على العاصمة طرابلس، وتشمل المسودة العديد من الأفكار والمطالب المهمة والجوهرية والضرورية لصد العدوان ووقف طموح حفتر في السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد.
ومن الطبيعي أن يعبر من يضحي بأعز ما يملك، وهو نفسه، عما يتفق جمهرة كبيرة من الرافضين للهجوم على طرابلس على أنه قصور في إدارة الصراع من جهة حكومة الوفاق وضعف يمكن أن يطيل عمر الحرب ويعظم من خسائرها في الإنسان والعمران.
المطلوب هو الجيش
غير أن لي تحفظا ينبغي التنويه له والتنبيه إليه وهو المتعلق بمطلب تضمنه مشروع البيان يكرس هيكلة الثوار بشكل مستقل ومختلف عن الأشكال التقليدية المجمع على ضرورة تكوينها.
راهن فايز السراج على بناء المؤسسة العسكرية بالمشاركة مع الجيش التابع للبرلمان وبإشراف حفتر، وأهمل تعبئة الجموع الكبيرة من العسكريين الذين رأينا إصرارهم على بناء الجيش
فقد تضمن البيان المطالبة بتفعيل "الحرس الوطني" الذي تدور فكرته حول تجميع الثوار في منتظم عسكري خاص بهم يفصلهم عن الجيش وغيره من الأجهزة التقليدية التي لا خلاف حولها بل يطالب الجميع بتقويتها.
ومنطلق تحفظي من جهتين، الأولى عدم حماس قطاع كبير من الليبيين الفاعلين في المشهد للحرس الوطني، والثانية هو أن هناك فرصة كبيرة في أن ينتظم المجموع العام من المقاتلين في جبهة حكومة الوفاق في الجيش ليكونوا هم نواته وعموده الفقري، ويكونوا هم المكون الرئيسي له وتتشكل وحداته المختلفة من الضباط الذين يقودون الغرف العسكرية والمحاور الرئيسية ومعهم المساندين من غير العسكريين في الكتائب المتعددة من كافة المدن التي ساهمت في التصدي للهجوم.
الفرصة الذهبية
المنتظم العسكري الذي يواجه عدوان حفتر يقوده ضباط كبار عبر الغرفة الرئيسية التي تضم المناطق العسكرية الثلاث، منطقة طرابلس العسكرية بقيادة العميد عبد الباسط مروان، والمنطقة العسكرية الوسطى بإمرة العميد محمد الحداد، والمنطقة العسكرية الغربية والتي يترأسها اللواء أسامة الجويلي وهو أمر الغرفة المركزية باعتبار الأقدمية.
وتحت هؤلاء هناك أمر المحاور العميد بوشحمه، وقادة المحاور الستة وكلهم ضباط برتب عسكرية، يقودون جمهرة من العسكريين وغيرهم من الثوار المدنيين، في منتظم عسكري يستمد ثباته من الاتفاق على فكرة محورية وهي رفض الانقلاب والعسكرة والصمود في مواجهة العدوان الذي يقوض مشروع الانتقال الديمقراطي، الأمر الذي يؤهله ليكون ـ بتركيبته الحالية - النواة الرئيسية للجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق.
هذا المنتظم الحيوي وفي هذه الأجواء العصيبة وبما يحويه من مكونات متعددة، كانت منفرطة العقد وبينها خلافات، يمثل فرصة ثمينة للانتقال إلى المؤسسة العسكرية والتحول للجيش الذي تخلفت الجبهة الغربية عن تشكيله برغم توفر متطلباته.
إرادة لتحقيق المطلوب
لم يكن العائق أمام تشكيل الجيش في المنطقة الغربية النقص في الضباط ذوي الرتب العالية ولا الروح الوطنية، ولا الثوار الشرفاء، فالمفقود هو الإرادة والرؤية، إذ راهن فايز السراج على بناء المؤسسة العسكرية بالمشاركة مع الجيش التابع للبرلمان وبإشراف حفتر، وأهمل تعبئة الجموع الكبيرة من العسكريين الذين رأينا إصرارهم على بناء الجيش عبر مؤتمرات وملتقيات عدة.
اليوم وبعد أن وقع ما وقع وصار حفتر غير مؤتمن على المشروع العسكري في البلاد، وبعد أن تقدم الضباط بشجاعة لإفشال مخطط عسكرة الدولة، بات ضروريا التعجيل ببناء الجيش بشكل مستقل من قبل حكومة الوفاق، والفرصة اليوم مواتية بل ذهبية، فالجسم شبه قائم والمطلوب الإرادة لدعمه وتوفير المتطلبات الضرورية لاستكمال نواقصه.
انا أعتبر أن من أولى أولويات حكومة الوفاق اليوم العمل على دعم مشروع بناء الجيش بالسواعد التي تقوم بعمل وطني كبير في الجبهات اليوم، فمن الضروري أن يتم التمهيد والحرب قائمة لتثبيت هذه الرؤية ودعم فكرة الانتقال من المنتظم العسكري العملياتي المقاوم للعدوان على طرابلس إلى الشكل الثابت والمستقر للمؤسسة العسكرية.
وعلى الثوار من غير العسكريين أن يدعموا المشروع ويكونوا لبنة أساسية فيه بانضباطهم وانخراطهم في التأهيل المطلوب الذي يجعل منهم عسكريين مكتملي التأهيل.
ما بعد العلمانية... العودة إلى الدين (2)
قراءة في تصريحات القائم بالأعمال الأمريكي في ليبيا