مع كشف الغطاء عن فضائح الفساد التي تورط
فيها كبار المسؤولين السابقين، ارتفع سقف المطالب إلى محاكمة الرئيس السابق عبد
العزيز بوتفليقة، باعتباره المسؤول الأول عن هذه المنظومة.
وبدأت فكرة محاكمة بوتفليقة تشق طريقها
داخل الحراك الشعبي بقوة، بعد أن تجرأ القضاء على فتح ملفات حساسة، أدّت إلى إيداع
الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال والعديد من الوزراء
والسياسيين ورجال الأعمال الحبس الاحتياطي، في سابقة أثارت ذهول الجزائريين.
وبعد أن كان مجرد التفكير في محاكمة
بوتفليقة ضربا من الجنون، أصبح الجزائريون يشعرون مع وصول العدالة إلى كبار
المسؤولين، بأن الأمر سيكون ممكنا في الأيام المقبلة، وهو ما عكسته شعارات
المتظاهرين يوم الجمعة الماضي، والتي طلبت محاسبة الرئيس السابق، وعدم الاكتفاء
بالمسؤولين الذين عملوا تحت إمرته.
محاكمة رمزية
وكان الناشط الفاعل في الحراك الشعبي مصطفى بوشاشي من أوائل من أطلقوا دعوة محاسبة بوتفليقة، "حتى يكون مثالا
للأجيال القادمة بأن الجزائر لا يمكنها أن تكون مزرعة خاصة يمكن لرئيس أو زعيم أن
يعبث بها".
وتبع بوشاشي في ذلك عدة قانونيين ومثقفين، دعوا إلى
محاسبة بوتفليقة، كونه المسؤول في اعتقادهم على تبديد 1000 مليار دولار كان يمكن
أن تنقل الجزائر إلى مستوى آخر من الدول.
ومن
جانب السياسيين، أوضح جيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد، أن بوتفليقة هو الذي عمل
على أن يبقى في الحكم إلى الأبد ومن المنطقي أن يمثل أمام العدالة هو وعائلته حتى
يعلم الشعب الجزائري حقيقة ما كان يجري في عهده.
وذكر
جيلالي في تصريح لـ"عربي21"،
أنه لا يرى جدوى من سجن بوتفليقة نظرا لسنه ومرضه ومنصبه كرئيس سابق للبلاد، لكنه
يؤيد بشدة محاكمته حتى يكون عبرة لمن يأتي بعده.
وأضاف
المتحدث أن عرض بوتفليقة على العدالة ستسمح بتحديد المسؤوليات فيما يخص اتخاذ
القرار في الفترة السابقة، فإذا كان بوتفليقة في غيبوبة سيظهر من كان يستعمله، وإذا
كان واعيا فالمسؤولية الأولى تقع عليه.
إكراهات المرض
وتشير معلومات متداولة إلى أن اسم
بوتفليقة، قد ورد على لسان الوزيرين الأولين السابقين عند استجوابهما في التهم
الموجهة إليهما، حيث أشارا إلى أنهما كان يتلقيان التعليمات من الرئيس.
ويرى
نور الدين بن يسعد، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن الرئيس
بوتفليقة في حال ثبت أنه هو من كان يعطي الأوامر فإن محاكمته تصبح واجبة لأنه يكون
في هذه الحالة متورطا في قضايا الفساد.
وأبرز
المحامي بن يسعد في تصريح لـ"عربي21"، أن محاكمة بوتفليقة إذا ثبت
تورطه، ستكون سابقة في الجزائر تؤسس لمرحلة جديدة وتقطع تماما مع ثقافة الإفلات من
العقاب التي تكرست منذ الاستقلال لكبار المسؤولين.
وحول
ما إذا كانت حالته الصحية تمنحه ظروفا مخففة، أبرز المحامي أن المتهم في كل
الأحوال ينبغي محاكمته، مشيرا إلى مثال الرئيس المصري حسني مبارك الذي حوكم وهو
على سرير المرض.
ويعاني
بوتفليقة البالغ من العمر 82 سنة من آثار إصابته بجلطة دماغية سنة 2013 أدت إلى
فقدانه القدرة على الحركة والكلام، ما جعل ظهوره منذ مرضه يقتصر على المناسبات
فقط.
الإشكال الدستوري
ويبقى
ثمة إشكال في محاسبة بوتفليقة، يتعلق بوجود مادة دستورية، تجعل محاكمته مقتصرة على
ما يسمى بـ"المحكمة العليا للدولة " التي لم يجر تنصيبها بعد.
وتقول الخبيرة
الدستورية فتيحة بن عبو إن نظام الرئيس بوتفليقة، عمل على أن تبقى المادة 177 من
الدستور مجرد ديكور فقط، بدليل عدم استيفاء الإجراءات الضرورية لتفعليها خلال
السنوات السابقة.
وكشفت بن عبو في
تصريح لـ"عربي21" عن أن سبب عدم تفعيل هذه المادة، بحسب ما استقته من
برلمانيين سابقين، يعود إلى غياب إرادة سياسية لإنشاء "المحكمة العليا
للدولة"، كون مجرد فكرة محاكمة رئيس الجمهورية كانت مفزعة في نظام سياسي يقوم
أساسا على مركزية سلطة الرئيس الذي يمتلك بيده كل الصلاحيات.
وأضافت بن عبو أن
فكرة إنشاء "المحكمة العليا للدولة" استحدثت في دستور 1996 زمن الرئيس
اليامين زروال، وذلك من أجل ملء فراغ كان في الدساتير السابقة، حيث كان صاحب منصب
الرئيس معفيا من أي مساءلة، على الرغم من مرور البلاد بأزمة أمنية خطيرة كادت تعصف
بالدولة في التسعينات.
لكن الخبيرة
الدستورية تخلُص إلى أن عدم وجود المحكمة العليا للدولة، لا يُعفي أبدا بوتفليقة
من المحاسبة أمام المحاكم العادية إذا تم اعتماد اجتهادات قانونية أخرى، كونه لم
يعد اليوم محميا بالمنصب.
ابتهاج بالجزائر باعتقال رموز النظام ودعوات لمحاسبة بوتفليقة
ابن صالح يناور للبقاء.. هل يقبل به الحراك على مضض؟
خبير جزائري.. السجال بين مقري وطابو في غير محلّه