عادت الأحزاب الموالية للرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، إلى الواجهة السياسية بعد أن عزلها الحراك الشعبي في مقراتها، عبر بوابة دعم رئيس أركان الجيش صاحب السلطة الفعلية في البلاد حاليا.
ويعزز هذا الواقع المخاوف، من أن تكون هذه التحركات محاولة لإعادة صياغة النظام القديم، في إطار ثورة مضادة تعيد هذه الأحزاب إلى السلطة في المرحلة المقبلة، باستغلال حالة الانقسام وعدم التنظيم في الشارع الجزائري.
ووجد حزب السلطة الأول، جبهة التحرير الوطني الذي يواجه غضبا شعبيا عارما، الفرصة مواتية في إعادة ضبط خطابه على موجة ما يقوله قائد الجيش، لمحاولة الاستثمار في بعض الشعبية التي تمتلكها المؤسسة العسكرية في الشارع.
وبات الأمين العام الجديد لهذا الحزب، محمد جميعي، يتحدث عقب كل خطاب لرئيس أركان الجيش، داعما له في مسعى "الحل الدستوري" للأزمة ومحذرا من وجود مؤامرة تستهدف الجيش، في حين أصبح يتنكر تماما لتركه الحزب في مساندة الرئيس السابق ومشاركته الحكم خلال 20 سنة الماضية.
من جانبه، يحاول الأمين العام لحزب السلطة الثاني، أحمد أويحيى، تسجيل حضوره في الساحة، باستعمال نفس الاستراتيجية التي تقضي بمساندة الفريق أحمد قايد صالح ودعم كل خياراته حتى ولو كانت مناقضة للمطالب الشعبية.
اقرأأيضا : رئاسيات الجزائر.. 77 شخصا قدموا أوراق ترشحهم للانتخابات
وواجه أويحيى النصيب الأكبر من الغضب الشعبي، بفعل تصريحاته الاستفزازية في بداية الحراك، وهو ما اضطره للتواري تماما عن الأنظار والاكتفاء بإصدار البيانات، في حين لم يشفع له ذلك في التملص من المتابعات القضائية التي تحركت ضده في قضايا فساد.
وعلى نفس المنوال، ينسج حزبا التحالف الرئاسي السابق الآخران، تجمع أمل الجزائر الذي يقوده عمار غول صاحب التصريح الشهير "بوتفليقة ندعمه حيا أو ميتا"، والحركة الشعبية الجزائرية التي يديرها عمارة بن يونس الذي قال في عزّ مرض الرئيس السابق إن "عقل بوتفليقة يشتغل أحسن من عقولنا جميعا".
إحياء النظام السابق
وتختلف القراءات، في حقيقة ما تريده هذه الأحزاب التي كانت قاطرة مشروع استمرار الرئيس السابق في الحكم لولاية رئاسية خامسة أحبطها الحراك الشعبي.
ويقول عبد الوهاب فرصاوي رئيس منظمة "تجمع-شبيبة -عمل" المعروفة اختصارا بـ"راج"، إن عودة هذه الأحزاب يندرج في إطار سياسة النظام الذي تتحكم فيه قيادة أركان مؤسسة الجيش.
ويوضح فرصاوي في تصريح لـ"عربي21" أن الغاية من ذلك هي "رسكلة وإبقاء النظام عن طريق احتواء الحراك وتقسيمه وكسره، باستعمال هذه الأحزاب التي لم تكن يوما مستقلة في قراراتها".
ويتابع بأن هذه التحركات، تشير إلى حقيقة أن السلطة وأحزابها لم تقتنع يوما بعد بهذا الحراك الشعبي السلمي، ما يفرض الانتباه إلى ضرورة مواصلة المسيرات لأنها الضامن الوحيد لتحقيقها.
بدوره، يخشى ناصر حمدادوش القيادي بحركة مجتمع السلم، أن يكون ما يجري هدفه "الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي، وإعادة إنتاج عصابة جديدة، ما لم نذهب إلى انتقال ديمقراطي حقيقي، وتجسيد الإرادة الشعبية عبر الآلية الديمقراطية، وهي الإنتخابات".
ويُنبه حمدادوش في تصريحه لـ"عربي21" إلى ضرورة أن تستفيد قيادة الأركان من الدرس البوتفليقي، "عندما اعتمد على هذه الأحزاب، والتي شوّهت العمل السياسي وطعنت العمل الحزبي وزوّرت الفعل الإنتخابي وأفسدت مؤسسات الدولة، ما يجعل الرهان عليها خاسرا لا محالة".
استغلال الفراغ السياسي
وفي تحليله لهذا التدافع من أنصار بوتفليقة على دعم قائد الجيش، يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي نور الدين بكيس، إن "أحزاب الموالاة السابقة هي عبارة عن أجهزة لخدمة من يمتلك السلطة وليست لها شخصية سياسية أو ايديولوجية مستقلة، لذلك فهي تحرص دائما على تقديم خدماتها ولا غرابة إذن أن تكون أمس مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ثم تنتقل اليوم لمساندة الفريق قايد صالح لاعتقادها بأنه السلطة الفعلية في البلاد حاليا".
ويرى بكيس في تصريحه لـ"عربي21" أن "ما يجري هو محاولة ركوب موجة لأن طبيعة التطورات الحاصلة، سوف تزج بالضرورة بشخصيات حزبية من هذا التحالف الرئاسي السابق في القضايا التي حركتها للعدالة فيما يخص مكافحة الفساد، وهو ما يكشف بأن محاولة احتمائهم اليوم بالسلطة الفعلية يأتي في إطار معركة بقاء".
لكن مراهنة قيادة الجيش سياسيا على أحزاب التحالف، في تصوره، هو "خطأ سياسي سيطعن في مصداقية المؤسسة العسكرية لدى الشارع".
لذلك يقول: "أنا أستبعد أن يكون تحركهم بإيعاز من الجيش ولكن في إطار محاولة احتلال المشهد من جديد والتموقع للمرحلة المقبلة بعدما خسروا رهان الاستمرارية مع الرئيس بوتفليقة".
وعن حظوظها في العودة فعليا إلى السلطة، يشير الباحث إلى أن وضعية الفراغ اليوم بفعل سقوط شرعية الواجهة السياسية، "سيؤدي بهذه الأحزاب لاقتراح نفسها كبديل، خصوصا في حال عجز الشارع عن تأطير نفسه ليقدم بديلا للسلطة السابقة، فالمؤسسة العسكرية مهما امتلكت من القوة حاليا ستبقى بحاجة إلى غطاء سياسي مستقبلا".
محامي حنون يكشف تفاصيل لقائها بالسعيد بوتفليقة وتوفيق
معهد ستوكهولم: الجزائر الأولى أفريقيا في الإنفاق العسكري
شكيب خليل.. سقوط بوتفليقة يُنهي عودته الوشيكة للمسؤولية