قضايا وآراء

الحوار الوطني من الطائرة

1300x600
لم تكن هذه المرة الأولى التي أسافر فيها من أجل لقاء تشاوري للبحث عن حل يلتف حوله الجميع، من مختلف الأيديولوجيات على الساحة المصرية، لكن لسبب ما غابت الرغبة في النوم عشية السفر، ولَم أغلق التلفون، على عكس عادتي.. وبالفعل لم تتوقف الاتصالات، بل وهزت التساؤلات داخلي، فبين الأمل والرغبة في النجاح والخوف من الفشل، انبعثت داخلي دعوة أرسلت لي في العديد من الرسائل، حملت معاني الأمل والتمني: يا رب ننجح هذه المرة.

سـرت في اتجاه المطار وأنا أسترجع كل الرسائل التي وصلتني من العديد من المصريين، بل ومن العرب، يطالبون بالعمل الجدي وإنجاح الحوار بأي ثمن.. الكل يوجه عينيه صوب إسطنبول مستبشرا بدعوة الحوار الوطني وينتظرون منا الكثير، وهنا جال في ذهني سؤال يشاركني فيه الكثيرون: لماذا فشلنا على مدار سنوات حين كان يجب أن ننجح؟

وبقي السؤال يتردد في داخلي، ويسرد أحداثا كثيرة مرت مرارتها في حلقي وفي نفسي لتفرض الإجابة بنفسها! وعليه لم ألتفت كثيرا لما يحدث حولي نتيجة لهذا القلق المفعم بالمسؤولية، وتمنيت أن نكون قد تعلمنا درسنا على مدار هذه السنوات العجاف التي عشناها وعاشها معنا الشعب المصري على اختلاف مشاربه، وأدركنا أنه لا يمكن لأحد أن يحمل هذه المسؤولية العظيمة وحده، ولكن يمكننا أن ننجح الحوار والعمل الوطني عندما نضع مصر قبل كل شيء.

صعدت إلى الطائرة وجلست في مقعدي، ودون وعي مني حلقت بعيدا في السحاب، وتخيلت جلسات الحوار الوطني تنطلق من الطائرة والجميع معلق بين الأرض والسماء، والطائرة ذات باب سحري لا يفتح إلا مع الاتفاق الكامل بين أطياف المعارضة المصرية، وأن يكون اتفاقا صادقا لا عودة عنه، أو كسرا له، وعلى أساس صدقنا يمكننا جميعا الخروج من الطائرة وإلا هلكنا بها.

أخذ الجميع مقاعدهم وانطلق الحوار على صرخة تنادي من الأرض ويصل نداؤها إلى أهل الطائرة، إياكم والفشل، واعلموا أننا أهل مصر أعيتنا السنوات وقهرنا العجز والإحباط، وهذه الدعوة غرست بذرة الأمل في قلوبنا من جديد، وأضاءت بصيصا من النور في عتمة العجز الذي كاد أن يقتل حلم الثورة. 

بدأ الحوار، وكالعادة اشتد الوطيس بين الفرقاء؛ كل يدافع عن أفكاره ورغباته في حمية، وتناثرت الاتهامات والمبررات وعلت الأصوات وهاجت الطائرة، وكأننا لم نع ما حدث نتيجة لهذه الخلافات العقيمة التي بلا معني ولا قيمة؛ إلا أنها تعطي قوة لنظام عبد الفتاح السيسي ليستمر في هدر مقدرات مصر الخارجية والداخلية وتعذيب المصريين بأيدينا!! وهنا تخيلت أن أحد الحضور وقف على باب الطائرة، متحدثا إلى الجمع، فنظر الجميع إلى المتحدث الذي علا وجهه ضحكة مستبشرة، وبدا أنه أوتي فصل الخطاب ونحن في أمسّ الحاجة إليه، وقال: أيها الجمع الكريم، إن عشرات الآلاف من المعتقلين ومئات الآلاف من ذويهم، وملايين من المحبوسين في السجن الكبير الذي هو مصر، وملايين من العرب والمسلمين الذين يرون في أهل مصر قبلة للكفاح وعنوان للثورة التي تنتصر للشعوب والأوطان؛ ينتظرون منكم أن تضعوا تحت أقدامكم مصالحكم الشخصية، وتعبرون الطريق إلى بعضكم البعض حتى تنجوا وننجوا معكم.. فهل أنتم لها؟

عم الصمت طائرة الحوار الوطني، وكأن الجميع لأول وهلة يسمع هذه الكلمات التي أصابت ضمائرهم، وتعاهدوا على وأد الخلاف وفتح صفحة جديدة؛ يخطون في بدايتها ونهايتها ثورتنا تعود من أجل مصر.

وهنا انتبهت على صوت كابتن الطائرة يعلن الوصول إلى مطار إسطنبول، وبقي أن نتابع جلسات الحوار الوطني لنعرف هل يفتح باب الطائرة أم يبقي مغلقا؟