مرت الذكرى الـ11
لمجزرة رابعة العدوية، التي وقعت في 14 آب/ أغسطس 2013، ولا تزال واحدة من أحلك
الأحداث في تاريخ
مصر المعاصر. في ذلك اليوم، فض الجيش المصري والداخلية والبلطجية
اعتصاما لمؤيدي الديمقراطية في مصر، ما أسفر عن مقتل آلاف الأشخاص في غضون ساعات.
كان هذا الحدث
بمثابة نقطة تحول في تاريخ مصر والمنطقة، وألقت تداعياته بظلالها على الأحداث في
الشرق الأوسط.
المذبحة التي تمت
بأمر مباشر من الجنرال عبد الفتاح
السيسي، وزير الدفاع آنذاك، كان الهدف منها
إبادة المتظاهرين في رابعة العدوية والنهضة، باستخدام المدرعات والجرافات والقناصة
والذخيرة الحية، لخلق حمام دم وكتابة بداية لمرحلة لم تكتب نهايتها بعد.
أعطت الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة شعورا بإمكانية استخدام العنف والقوة المفرطة ضد المعارضة دون أن تواجه عواقب كبيرة
ووفقا لمصادر
مختلفة، فإن عدد الشهداء يتراوح بين 1300 و3000، ولا يزال من الصعب تحديد الرقم الدقيق
بسبب الجثث المحترقة وتدمير الأدلة. كما أصيب آلاف الأشخاص واعتقل الآلاف في يوم
المجزرة. وأعقبت المجزرة حملة قمع غير مسبوقة وقبض على عشرات الآلاف، وحُكم على
العديد من القيادات بأحكام مشددة، واستخدم النظام المصري الإعدامات كوسيلة ردع
فيعدم الثوار بمحاكمات مسيسة.
وتشهد مصر تدهورا
خطيرا في
حقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة، وانتشر التعذيب بصورة ممنهجة والإخفاء
القسري والمحاكمات غير العادلة، ما خلق مناخا من الخوف والصمت غير مسبوقة.
هذه الحالة من
القمع أدت لتهميش المعارضة في مصر وتعزيز سلطة الجنرال السيسي، الذي أصبح رئيسا في
عام 2014.
وعلى المستوى
الدولي، وعلى الرغم من أن العديد من الدول الغربية أعربت عن قلقها، إلا أن
العلاقات مع مصر ظلت مستقرة، غير أن الثقة بين مصر وبعض شركائها الدوليين قد
اهتزت، بسبب انتقادهم لسجل مصر في مجال حقوق الإنسان.
قد لا تكون رابعة
سببا لسلسلة المجازر التي حدثت في سوريا واليمن وغزة، لأن لكل هذه الصراعات جذورها
الخاصة وديناميتها المعقدة، ومع ذلك، فقد أعطت الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة
شعورا بإمكانية استخدام العنف والقوة المفرطة ضد المعارضة دون أن تواجه عواقب
كبيرة.
لقد أظهرت مجزرة
رابعة كيف يمكن قمع احتجاجات جماهيرية كبيرة باستخدام القوة المفرطة دون مساءلة أو
فرض عزلة على مرتكبيها، لذلك، بعد رابعة، شهدت المنطقة موجة من تعزيز السياسات
الاستبدادية، وأصبحت الحكومات أكثر استعدادا لاستخدام القوة للحفاظ على السلطة. كما
شجعها ذلك على اتخاذ مواقف أكثر دموية ضد المعارضة، كما في سوريا، أو ضد مقاومة
الاحتلال، كما في غزة.
مجزرة رابعة محسوسة حتى اليوم، فرابعة ستظل رمزا قويا للنضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكنها أيضا تذكير مأساوي بالتكلفة الباهظة لهذا النضال
إن
عدم وجود ردود فعل قوية وحاسمة من المجتمع الدولي تجاه
مجزرة رابعة قد أرسل إشارة
إلى بعض الأنظمة في المنطقة بأن استخدام العنف المفرط لن يؤدي بالضرورة إلى عزلة
دولية أو عقوبات شديدة، وهذا أحد العوامل التي شجعت الحكومات الأخرى على اتخاذ
إجراءات قمعية مشابهة.
تركت مذبحة رابعة
العدوية بصمة لا تمحى على مصر والمنطقة؛ فلم يقتصر الأمر على تعزيز القوة العسكرية
في مصر فحسب، بل أدى أيضا إلى تفاقم القمع السياسي والانقسامات الاجتماعية
والانهيار الاقتصادي لتفقد مصر دورها الحيوي ومكانتها الدولية، وتكتب البداية
لسلسلة مجازر لم يكتب لها النهاية حتى لحظة كتابة هذه السطور بشكل مباشر أو غير
مباشر.
آثار مجزرة رابعة
محسوسة حتى اليوم، فرابعة ستظل رمزا قويا للنضال من أجل الديمقراطية وحقوق
الإنسان، ولكنها أيضا تذكير مأساوي بالتكلفة الباهظة لهذا النضال، فمتى تستعد
الشعوب لهذه التضحية حتى تكتب النهاية؟