قضايا وآراء

18 يوما.. بين هستيريا السيسي وطموح المصريين

1300x600
مرت على الشعب المصري الذكرى الحادية عشرة لثورة يناير، تلك 18 يوماً التي أعادت الأمل وغيّرت القناعات لدى الكثير من المصريين في تغيير واقعهم البائس، ونقل مصر من صحراء الديكتاتورية لفضاء الحرية والديمقراطية والعدالة.. 18 يوما غيرت تاريخ مصر الحديث وجعلت شعوب العالم تنظر لنا بعيونها دون إقلال من قيمة المواطن المصري، حتى أن شعار "كلنا مصريون" ملأ العواصم العالمية، ليصرح زعماء على غرار رئيس وزراء النرويج في تعبيره عن إعجابه الكبير بالشعب المصري وثورته السلمية ويقول: "كلنا مصريون". لذلك فإن ذكرى يناير تعيد الفخر وتحيي الأمل في نفوس المصريين.

كما أن عبقرية شباب الثورة في اختيار شعارها كان أحد أبرز الأسباب التي حشدت المصريين على اختلاف مشاربهم وحثهم على النزول للميادين والصمود فيها حتى لحظة خلع مبارك وبعدها في كل المحافظات، فشعار يناير "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" جمع مظالم الشعب المصري المتراكمة مع عقود من حكم العسكر. ولذلك ليس مستغربا أن يكون كل الشعب المصري باختلاف طبقاته قد شارك في الثورة بحثاً عن العيش الكريم، الذي تم اختزاله في طبقة الحكم والموالين لها، بعكس باقي جموع الشعب المصري.

وعلى عكس مشاعر الشعب المصري يظهر واضحا للجميع هستيريا السيسي وتقلب مواقفه من تلك الأيام الـ18؛ بين الإشادة (في ذكرى الثورة) بالثورة ووصف من قاموا بها بأنهم شباب مخلصون، وتصريحات أخرى له في لقاءات عديدة؛ كان آخرها ما جاء على لسانه في 28 من كانون الأول/ ديسمبر 2021 عندما هاجم الثورة قائلا إنه لن ينسى 2011، "والمفروض يا مصريين متنسوهاش أبداً في كل إجراء بتعملوه وكل خطوة!"، وختم مقولته بسؤاله للمصريين: "هل عرفتم ليه بلدكم كانت هتخرب وتضيع"، حالة التقلب والتخبط هذه توضح هستيريا ورعب السيسي والنظام العسكري وخوفهم من تكرار الثورة التي حاولوا بكل الطرق وأدها في مهدها والإجهاز عليها.

السيسي الذي بدأ مشواره بعلاقة معقدة بدأها بالتهديد ثم بالوعود لشباب الثورة وكل القوى السياسية، التي التقاها أثناء الثورة وبعد عزل مبارك، بحكم رئاسته للمخابرات الحربية (الجهة الأكثر تسييسا في الجيش المصري)، كان ولا زال متقلباً، ومستغلاً لكل مناسبة ليتصدر المشهد ويحقق أهم أهدافه، بالانقضاض على ثورة المصريين.

ورغم وضوح الرؤية في شعار الثورة العبقري "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" وإجماع الشعب المصري عليه، انقسم المصريون بين معسكرين؛ يرى أحدهما أن ثورة يناير لم تحقق أهدافها في ظل تردي الأوضاع المعيشية وتآكل الطبقة المتوسطة وزيادة الفوارق بين المصريين، وغياب العدالة وخنق الحريات، واختزال السلطات الثلاث في شخص السيسي وغياب تام لكل المؤسسات بما فيها المؤسسة العسكرية باستثناء جهات بل يمكن أن نقول أشخاص محددون، تم تفصيل حزمة من القوانين لصالحهم. وزاد الأمر سوءا حالة الاحتكار الكامل لكل موارد الدولة التي يقوم بها السيسي لصالح بعض نفر يدينون له بالولاء التام.

في المقابل، يرى المعسكر الآخر من المصريين أن الثورة قد حققت كثيرا من أهدافها، أهمها كسر حاجز الخوف والصمت الذي سيطر على الشعب المصري، كما أعطت الشعب ثقة في قدرته على التغيير والدفاع عن حقوق، والأهم من ذلك أنها نجحت في "توحيد الشعب" حول مبادئ لن يتنازل عنها، حتى لو خذلته النخب السياسية، ما يعزز استمرار وجود ثورة مضادة مذعورة؛ مقابل شعب غاضب على مدار كل هذه السنوات.

يبقى أن الثورة حدث صحي، ونتاج شعبي لشعب حمل مبادئ وقيما ورغبة حقيقية للتحرر من قيود الفقر والظلم والجهل على مدى سنوات، ولم ولن تكون لحظة عابرة حتى ولو سُلبت منا أهم إنجازاتها.

فما زال الشعب المصري غاضبا في وجه سلطة مذعورة من استمرار أهداف الثورة في عقول ووجدان المصريين.