نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا أعده جاستين لينتش، يقول فيه إن نظام عمر حسن البشير، الذي أطيح به الشهر الماضي، يقاتل للحفاظ على السلطة، ويرفض الاستماع لمطالب المعتصمين أمام مقرات القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن مفاوض من جماعة الحرية والتغيير، الذي يطالب المجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين، قوله إن "المجلس العسكري لا يريد التخلي عن السلطة".
ويقول لينتش إن المعتصمين ظلوا يطالبون بنقل السلطة للمدنيين، فيما يماطل المجلس، الذي رفض حتى تشكيل مجلس من العسكريين والمدنيين لنقل السلطة وإدارة البلاد.
وتورد المجلة نقلا عن كاميرون هدسون من المجلس الأطلسي، قوله إن "قادة الجيش اعتادوا منذ زمن البشير على مناقشة التفاصيل المملة والدقيقة، تاركين الآخرين يستمرون في سعيهم، ما يؤدي إلى إضعاف المعارضة نفسها بنفسها".
ويجد التقرير أن استراتيجية الزمرة العسكرية لم تنجح حتى الآن في التقليل من عزيمة المطالبين بالتغيير، فرغم التهديدات، ومحاولة قطع التيار الكهربائي عن المعتصمين، إلا أن الأعداد تتزايد والهتافات مستمرة.
ويقول الكاتب إن الوضع الحالي يعبر عن حالة من الانسداد التي لا يريد أي طرف فيها التخلي عن مطالبه أو مكاسبه، فالثورة المضادة بدأت بالظهور، وما بدأ بمطالب بتحسين الوضع الاقتصادي وانتهى بتحرك الجيش لإزاحة البشير عن السلطة، واجه عقبة رئيسية، وهي عودة النظام الذي حكم من خلاله البشير طوال 30 عاما، مستدركا بأنه رغم الوعود التي قدمها الجيش بتسليم السلطة للمدنيين، إلا أن الزمرة الحاكمة أو المجلس العسكري، يتراجع عن وعوده التي تم تقديمها في البداية.
وتعلق المجلة على سياسة المماطلة التي يعمل من خلالها المجلس، بالقول إنها غير مجدية، مشيرة إلى أن هناك أدلة على وجود انقسام داخل المؤسسة العسكرية، فيما يخشى المسؤولون الغربيون من التحول نحو إلى عنف.
ويلفت التقرير إلى محاولة النائب العام اعتقال مدير المخابرات السودانية السابق صلاح غوش، حيث تدخل حرسه ومنعوا اعتقاله، و"يبدو أن المخابرات تسير على وقع أنغامها الخاصة"، مشيرا إلى أن غوش، الذي كان على علاقة وثيقة مع المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، وكان جزءا من عملية انقلابية عام 2012 للإطاحة بالبشير، نفى في مقابلة مع "فورين بوليسي" أن يكون قيد الإقامة الجبرية.
ويرى لينتش أن هناك أدلة أخرى على وجود انقسام واسع داخل المؤسسة العسكرية، ففي الأسبوع الماضي قام رجال تابعون لقوات الدعم السريع بملاحقة المعتصمين وجلدهم، في إشارة إلى محاولة البعض في الزمرة الحاكمة تقويض المفاوضات مع ممثلي المعتصمين، وسقط في المحاولات عدد من الجرحى والقتلى.
وتنقل المجلة عن أحد المعتصمين، ويدعى دين الفاتح، قوله: "لسنا خائفين ونريد حريتنا بالطرق السلمية، ولا أحد يساعدنا"، فيما قال الأطباء الذين عالجوا الجرحى إنهم أمسكوا ضابط أمن بزي قوات الدعم السريع، لافتة إلى أن الجنود أطلقوا النار على المعتصمين، وقتلوا ستة أشخاص، وجرحوا 77 آخرين.
ويورد التقرير نقلا عن بعض الدول الغربية، قولها إن العنف هو محاولة لاستفزاز المتظاهرين، مشيرا إلى أن الحكومة السودانية حذرت السفراء الأجانب من زيارة مقر الاعتصام، وهو ما قاد البعض للاعتقاد بأن القتال كان مخططا له.
وينوه الكاتب إلى أنه في المقابل فإن معسكر المعتصمين يعاني من انقسام، ففي لقاء تم يوم الثلاثاء بين أعضاء إعلان الحرية والتغيير، عبر بعض المتظاهرين عن إحباطهم من عرض المجلس العسكري تقسيم السلطة، فيما عبر آخرون عن ارتياحهم لرفض المجلس العسكري هذا العرض؛ لأن المعتصمين لن يقبلوا بترتيب كهذا.
وتذكر المجلة أنه في الوقت الذي تعثرت فيه المحادثات بين ممثلي الاعتصام والزمرة الحاكمة، فإن المعتصمين يواصلون التدفق، قائلين إنهم لن يكونوا ربيعا عربيا خاسرا، مشيرة إلى أن هناك دولا عربية بدأت باستغلال الوضع، ومحاولة تشكيل نتائج الوضع الجديد، كل دولة بحسب مصالحها.
ويفيد التقرير بأن هناك ثلاث دول برزت على الساحة السودانية، ويرى مسؤولون غربيون أن الإمارات العربية المتحدة والسعودية دعمتا المجلس العسكري لحماية مصالحهما الاقتصادية والعسكرية، لافتا إلى أن السودان يقدم الجنود للمشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
ويشير لينتش إلى أن البلدين دعما المجلس بـ 500 مليون دولار لتودع في المصرف المركزي، مستدركا بأن هناك تكهنات من استخدام هذا المبلغ لشراء الولاء داخل المؤسسة العسكرية، وليس لدعم العملة السودانية والاقتصاد.
وتنقل المجلة عن مؤلف كتاب "السيطرة على القوة: منطق الانقلابات العسكرية الاستراتيجي" نونيهال سينغ، قوله: "المال الخارجي مثير للاهتمام.. ربما استخدم المال لشراء ولاء أعضاء في التحالف العسكري، ما يعني أنهم ضعاف من الداخل".
ويلفت التقرير إلى أن مصر دعمت الزمرة العسكرية لمنع انتشار الديمقراطية ولمواجهة الإسلام السياسي، مشيرا إلى أن العلاقات العسكرية بين البلدين قوية، وقد أنهى عدد من كبار قادة الجيش دراساتهم العسكرية في مصر.
ويورد الكاتب نقلا عن هدسون، من المجلس الأطلسي، قوله: "تحاول مصر دفع المجلس العسكري بقوة للحفاظ على الحكم والسيطرة على الحكومة".
وتقول المجلة إنه "في مركز المؤسسة العسكرية هناك محمد حمدان "حميدتي" داقلو، الذي يقود قوات الدفع السريع، وهو من الناحية الشكلية الشخص الثاني في المجلس العسكري، لكنه أخبر الدبلوماسيين الغربيين أن فكرة الإطاحة بالبشير جاءت منه، وأدى حميدتي دورا مهما في المفاوضات مع المدنيين، ولا يعرف حجم القوات التي يقودها، فبعض الدول تقول إنه يقود 20 ألف عنصر، منهم عدة آلاف في العاصمة الخرطوم، فيما يقول آخرون إن لديه 20 ألفا في العاصمة وحدها، بالإضافة إلى آلاف آخرين في دارفور وفي اليمن، يقاتلون نيابة عن السعودية والإمارات".
ويعلق التقرير قائلا إنه مهما كان حجم قواته، إلا أنها مسلحة بشكل جيد مع مقذوفات صاروخية محملة على الشاحنات التابعة له.
وينوه لينتش إلى أن حميدتي يتلقى الدعم من موسكو، حيث تحدث أفراد من قوات الدعم السريع للمجلة بلغة روسية ركيكة، مشيرا إلى أن الجيش السوداني حصل على دعم وإمدادات من الشركات التي تدعمها موسكو، وقال مواطن في قرية أبو دافوق في دارفور، إنه شاهد العلم الروسي يرفرف على قافلة عسكرية.
وترى المجلة أن الجيش ليس القوة الوحيدة التي تحاول التأثير على مرحلة ما بعد البشير، فهناك تيار إسلامي يحاول تشكيل رؤية السودان، مشيرة إلى مسيرتين نظمهما المؤيدون لمحمد الجزولي وعبدالله يوسف، و"هما إشارتان مقلقتان عن التيار الديني المتشدد، وهو أقلية في السودان، وهتف مئات الرجال والنساء في واحدة من المسيرتين شعارات (شريعة، شريعة أو الموت)".
وينقل التقرير عن السكرتير العام لحركة الإخوان المسلمين السودانية عوض الله حسن، قوله إنه يجب أن يشمل الدستور على نظام الشريعة، وهو ما يطالب به الجيش أيضا، وأضاف أن الجماعة لن تشارك في الانتخابات بصفتها حزبا مستقلا، بل ستدعم الأحزاب الإسلامية الموجودة، مشيرا إلى أن الجماعة لا تتلقى الدعم من الخارج، ورفض تقديم أرقام عن عناصر الجماعة.
ويشير الكاتب إلى أنه في رد على الثورة المضادة رد المتظاهرون بالتصعيد، فقالت المتحدثة باسم "تجمع المهنيين السودانيين" سارة عبد الجليل: "تصاعدت حركة اللاعنف من أجل تغيير ديمقراطي شامل"، وعمل التجمع خلال الأسابيع الماضية على تجنيد العمال في مجال النقل والكهرباء؛ للإعلان عن الإضراب العام في حال فشلت المحادثات مع المجلس العسكري، وهو ما حدث يوم الثلاثاء.
وتفيد المجلة بأن الإضراب العام يهدف إلى شل الحياة في البلاد ضد أي إجراءات تقشف، فيما رفص المجلس العسكري الانتقالي القبول بحكومة مدنية، مشيرة إلى أن البعض يرى أن الإضراب العام لن يكون فعالا في شهر رمضان، حيث هناك قلة تعمل في النهار.
ويلفت التقرير إلى أن الانقسام واضح في مواقف الدول الغربية، التي يرى بعضها أنه لن يتم الاعتراف بالمجلس إن تمسك بالسلطة، فيما عبرت أخرى عن تردد، مشيرا إلى أنه لم يتم اتخاذ قرارات في اجتماع تنسيقي عقد الأسبوع الماضي في واشنطن بين الدول الغربية والشركاء الإقليميين، وحضرته الأمم المتحدة وفرنسا وبريطانيا والنرويج وألمانيا والاتحاد الأفريقي وأثيوبيا.
وينوه لينتش إلى أن السياسة الأمريكية من السودان توصف بأنها غير موجودة أو تتحسس طريقها، ويرى البعض في البيت الأبيض أن تجمع المهنيين السودانيين مرتبط بالإخوان المسلمين، رغم عدم وجود أدلة على هذا، مشيرا إلى أن علاقة الأمريكيين مع المدنيين السودانيين قد توترت.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن أعضاء من تحالف الجماعات المدنية وصفوا الصعوبات التي واجهوها مع أكبر دبلوماسي أمريكي في البلد، وهو ستيفن كوتسيز، الذي كان رافضا ومطالبا خلال الاجتماعات، ووصفه أحدهم بأنه "مغرور"، فيما قال مسؤول في المعارضة السودانية إنهم لن يحضروا اجتماعات في السفارة "فهي مضيعة للوقت".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
MEE: التدخلات العربية تغيظ متظاهري السودان وتثير خوفهم
واشنطن بوست: هل سيحيي السودان آمال الربيع العربي؟
أوبزيرفر: كيف ترك سقوط البشير السودان فريسة للقوى الإقليمية؟