على نحو مفاجئ، أعلن مسؤولون أمريكيون الأسبوع الماضي أن إدارة
الرئيس دونالد
ترامب تبحث سبل وضع جماعة
الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب. سبق
أن بحثت واشنطن بالفعل هذا الأمر قبل سنوات، لكنّها لم تُقدم على هذه الخطوة بسبب
عدم توفّر الإثباتات الفعلية التي تُبرّر هذا التنصيف، فضلا عن أن مثل هذه الخطوة
سيكون لها تداعيات كبيرة على الأوضاع في العالم الإسلامي، بالنظر إلى حجم الجماعة
ونفوذها وتأثيرها السياسي.
من
غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب تنوي بالفعل اتخاذ هذا القرار، لكنّها على
الأقل تبدو راغبة بذلك لأسباب داخلية وخارجية عديدة، منها سعي ترامب لكسب الناخب
الأمريكي المُتوجّس من الإسلام السياسي على أعتاب الانتخابات الرئاسية، ومحاولة
لتعزيز علاقاته مع حلفائه في المنطقة.
ما
يُعزز هذا الاعتقاد، هو ما كشفه مسؤولون أمريكيون عن أن الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي طلب من ترامب، أثناء زيارة واشنطن قبل ثلاثة أسابيع، حظر الجماعة. لا يُمكن
عزل التوجّه الأمريكي الجديد إزاء الإخوان المسلمين عن السياسة الأمريكية الحالية
في
الشرق الأوسط، والتي تقوم في جزء منها على تلبية مطالب الحلفاء العرب،
والخليجيين على وجه التحديد. ففي ليبيا مثلا، أبدى ترامب مؤخرا، وبشكل مفاجئ، دعمه
للجنرال خليفة حفتر في هجومه على طرابلس، بعد يوم فقط من محادثة هاتفية جمعته بولي
عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد. ويبدو أن القاهرة وأبو ظبي والرياض لعبت دورا في
إقناع ترامب بدعم حفتر، في إطار حرب هذه العواصم على الإسلام السياسي وكل ما يمت
له بصلة.
ينسحب
التماهي الأمريكي مع الحلفاء إلى قضايا أخرى، كالوضع في السودان أيضا. فواشنطن
قررت دعم المجلس العسكري الانتقالي بالتوازي مع الدعم الذي أظهرته الدول الثلاث
لهذا المجلس. وفي الملف الإيراني لا يختلف الأمر، حيث أن إدارة ترامب تُمارس الآن
أقصى الضغوط على طهران بعدما انقلبت على سياسة أوباما وانسحب من الاتفاق النووي،
وهو ما اعتبر انتصارا للرياض وأبو ظبي. قبل ذلك، تمسك ترامب بدعم ولي العهد
السعودي الأمير محمد بن سلمان في قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، ودخل في مواجهة
مع الكونجرس في قضية حرب اليمن، لكنّه لم يتراجع عن تأييد التحالف الذي تقوده
الرياض. للولايات المتّحدة مصالح بطبيعة الحال من هذه التوجّهات، لكنّ الثابت فيها
أنها تُلبي مطالب الحلفاء أولا.
السؤال
المطروح الآن، هو عن الثمن الذي تتطلع له إدارة ترامب من وراء هذا الدعم الغير
محدود لهؤلاء الحلفاء. لا يُمكن تحديد هذا الثمن من دون معرفة أولويات السياسة
الأمريكية في المنطقة في الوقت الراهن. هذه الأولويات عديدة وأغلبها غير مستقرة،
باستثناء خطة
صفقة القرن التي تكاد تكون الأولوية الوحيدة التي لم تتأثّر بالمواقف
المتضاربة لإدارة ترامب في قضايا شرق أوسطية.
هنا،
لا بُد من الرجوع إلى تصريح لترامب في أيلول/ سبتمبر الماضي، عندما قال خلال
اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن؛ إنه يحلم بالتوصل
إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي قبل نهاية فترة ولايته الأولى. منذ بداية الحديث
الأمريكي عن خطة صفقة القرن، لم تُندد الدول العربية التي تربطها علاقة وثيقة
بواشنطن بهذه الخطة، ولم تخرج مواقفها عن الإطار التقليدي المُتمسك بحل الدولتين
وبالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
ترامب
هو رجل أعمال بارع قبل أن يكون رئيسا بارعا للولايات المتّحدة، والثمن الأبرز الذي
يُريده من كل هذا الدعم لحلفائه العرب هو ضمان تمرير صفقة القرن. قريبا، تنوي
واشنطن طرح هذه الصّفقة وتأمل دعما خليجيا وعربيا لها، وهو ما يبدو متوفرا إذا ما
نظرنا إلى المواقف العربية المسبقة منها. بعض الدول العربية، كالأردن على سبيل
المثال، تُعارض الصفقة، وهي تتعرض لضغوط خليجية وأمريكية غير مسبوقة من أجل القبول
بها. الحلفاء مُستفيدون من السياسة الأمريكية في المنطقة، لكنّ المقابل الذي
يتطلّع إليه الأمريكيون أبعد بكثير من هذه الإفادة، وهو التنازل العربي عن القضية
الفلسطينية التي تبدو الحلقة الأضعف في كل هذه القضايا. المنطقة مُقبلة بالفعل على
تحولات كبيرة سيكون الفلسطينيون ضحيتها بالدرجة الأولى.
على
الرغم من الفوائد الجمّة التي حصل عليها الحلفاء منذ وصول ترامب إلى السلطة، إلاّ
أن هناك من يرى بأنهم تسرّعوا في دعم المشروع الأمريكي في القضية الفلسطينية
والسير بمشروع التطبيع مع إسرائيل من دون أن يضمنوا مصالحهم في الملف الإيراني على
وجه التحديد.
صحيح أن ترامب يمضي في حصار إيران، لكن ما يُريده الخليجيون من هذا
الحصار أن يُفضي في نهاية المطاف إلى تحجيم الدور الإيراني في المنطقة العربية،
وربما إسقاط النظام الإيراني، وهذا الأمر لا يبدو مضمونا. حتى أن بعض الدوائر
الأمريكية تستبعد أن تقدم واشنطن على عمل عسكري ضد طهران، وتجارب العقوبات المريرة
لم تُفلح في ثني إيران عن مشروعها في المنطقة على مدى أربعة عقود.