لا يكاد المعارضون
المصريون يفرحون بإخلاء سبيلهم بعد شهور طويلة، وربما سنين، قضوها رهن الحبس الاحتياطي، إلا ويفاجأون بأن حريتهم منقوصة، وأن إمكانية العودة للسجن ما زالت تطاردهم؛ بسبب خضوعهم للتدابير الاحترازية التي باتت تشبه الحبس خارج جدران المعتقل، كما يصفها الكثيرون.
والتدابير الاحترازية هي إجراءات أمنية، تهدف إلى مواجهة الخطورة الإجرامية المحتملة لبعض المشتبه بهم، بعد فترة السجن التي قضوها، لكن سياسيين وحقوقيين يقولون إنها أصبحت أداة في يد النظام لممارسة الضغط على المعارضين السياسيين، وإبقائهم تحت سمع وبصر الأمن.
ثلاثة أنواع
وتنقسم التدابير الاحترازية إلى ثلاثة أنواع؛ الأول إخلاء سبيل المتهم، مع إجباره على عدم مغادرة منزله، أو إلزام المتهم بقضاء وقت محدد في قسم الشرطة يتراوح بين مرة واحدة أسبوعيا لمدة ثلاث ساعات و12 ساعة يوميا. أما النوع الثالث، فيتضمن حظر الذهاب لأماكن معينة، أو حظر مغادرة المدينة إلا بإذن قضائي مسبق.
وتنظر المحكمة في أمر تجديد أو تخفيف أو تشديد التدابير الاحترازية مرة كل 45 يوما. وفي حالة مخالفة المتهم لأي من هذه التدابير، يصدر القاضي قرارا بإعادة حبسه احتياطيا مجددا.
ترهيب نفسي ومادي
وتعليقا على هذه المعاناة، يقول الناشط الحقوقي، محمود شعيب، إن التدابير الاحترازية أصبحت امتدادا للحبس الاحتياطي الجائر من الأساس، موضحا أنها وسيلة للتنكيل بالمعارضين، وتقييد حريتهم، ومنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
وأوضح شعيب، لـ "
عربي21"، أن التدابير لا تجوز وفقا للقانون المصري إلا في حق المخلى سبيلهم على ذمة قضايا تم الحكم عليهم فيها. أما المعتقلون السياسيون أو المحبوسون احتياطيا، فمن غير الجائز فرض تدبير احترازي عليهم، لكن النظام يواصل انتهاك القانون والدستور دون رادع".
وأشار إلى أن هذا التوجه الجديد من النظام يهدف إلى إبقاء المعارضين تحت مراقبة الأمن باستمرار، بالإضافة إلى ممارسة الترهيب النفسي والمادي لهم، لافتا إلى أن بعض المتهمين يخضعون لهذه التدابير منذ ثلاث سنوات، دون أن ترفع عنه، ولا يمكنه العمل أو السفر أو الدراسة.
معاناة مستمرة
ويروي محمد أبو الخير معاناته مع التدابير الاحترازية، قائلا إنه قضى في الحبس الاحتياطي عامين كاملين دون محاكمة على ذمة قضية وهمية، وعندما أصدر القاضي قرارا بإخلاء سبيله، أرفق هذا القرار بتدابير احترازية قاسية.
وأوضح أبو الخير، لـ"
عربي21"، أنه أصبح مجبرا منذ إخلاء سبيله قبل ستة أشهر على قضاء ثلاث ساعات مرتين لأسبوعين في قسم الشرطة التابع له، كما أنه ممنوع من مغادرة المحافظة التي يقيم فيها دون موافقة مسبقة من المحكمة.
وأضاف أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن الأمن الوطني يجبره على زيارة مقر الجهاز في مدينته مرة أسبوعيا، وقضاء عدد غير محدد من الساعات، قد يكون ساعة واحدة، وقد يمتد لثماني ساعات، قبل السماح له بالانصراف.
وأكد أنه بسبب هذه الأيام الثلاثة أصبح لم يتمكن من العودة إلى عمله أو مزاولة أي نشاط اجتماعي بشكل عادي، مشيرا إلى أنه عجز عن السفر إلى إحدى محافظات الصعيد للمشاركة في جنازة عمه بسبب تلك الإجراءات.
تدابير دون حبس
أما عبد الله بهجت، فقال إنه تعرض لنوع مختلف من التدابير الاحترازية، حيث يخضع لتلك التدابير دون أن يسبق حبسه أو اعتقاله، موضحا أنه تم توقيفه قبل عدة أسابيع في المطار في أثناء عودته من مقر إقامته في إحدى دول الخليج، وتعرض للاستجواب من قبل ضباط الأمن الوطني للاشتباه فيه.
وأضاف بهجت، لـ"
عربي21"، أنه بعد عدة ساعات من الاستجواب في المطار، تم سحب جواز السفر منه، وأجبر على المرور مرة أسبوعيا على مكتب الأمن الوطني في مدينته، وتم تهديده من قبل الضباط بأنه سيتم اعتقاله إذا تغيب في أي مرة عن الحضور في الموعد المحدد له، مشيرا إلى أنه فقد عمله بالخارج؛ لأن إجازته انتهت منذ وقت طويل، ولم يتمكن من العودة إلى عمله حتى الآن.
أما زوجة المعتقل أيمن محمود، فقالت إن زوجها حصل على قرار من القاضي بإخلاء سبيله وفق إجراءات احترازية بعد ثلاث سنوات ونصف من الاعتقال، لكنه تعرض لتلاعب من قبل الأمن الوطني؛ حتى يستمر حبسه دون محاكمة.
وأوضحت، لـ"
عربي21"، أنه بعد ترحيل زوجها من السجن إلى القسم التابع له لاستكمال إجراءات إخلاء سبيله، ظل محتجزا داخل القسم لنحو شهرين، في انتظار موافقة الأمن الوطني على إخلاء سبيله، مضيفة أنهم عندما ذهبوا لزيارته في القسم، فوجئوا باختفائه بعد أن خطفه رجال الأمن الوطني، ونقلوه إلى أحد مقرات الاحتجاز التابعة للجهاز.
وتابعت: "أصبح زوجي وفقا للأوراق الرسمية في قسم الشرطة مخلى سبيله، وملزما بزيارة القسم مرتين أسبوعيا، لكنه في حقيقة الأمر ما زال محتجزا في الأمن الوطني، وبعد عدة أسابيع أصدر القاضي قرارا بضبط وإحضار زوجي؛ لأنه خالف التدابير الاحترازية، فتم إعادته من قبل الأمن الوطني إلى قسم الشرطة، وكأن الشرطة نجحت في ضبطه، وتم ترحيله إلى السجن مجددا"!.