نشر موقع "ساينس ديلي" تقريرا لاتحاد العلوم الجيوفيزيائية الأمريكي، يقول فيه إن دراسة جديدة توصلت إلى أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، التي يتسبب بها الناس، تتم بوتيرة تصل إلى 9 – 10 مرات أكثر من انبعاثات غازات الدفيئة في نهاية عصر البالوسيني وبداية عصر الإيوسين، حيث وصلت درجة الحرارة إلى أقصاها، وهو ما يسمى بفترة Paleocene-Eocene Thermal Maximum) PETM)، وكان ذلك قبل حوالي 56 مليون سنة.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن النتائج تشير إلى الانبعاثات الكربونية تستمر في الارتفاع، حيث قد يصل مجموع ثاني أكسيد الكربون الذي يبعث إلى الغلاف الجوي منذ أن بدأ البشر بحرق الوقود الأحفوري إلى كمية مساوية لما تم انبعاثه خلال تلك الفترة PETM مع عام 2159.
وينقل الاتحاد عن الباحث في مناخ عصر البالوسين في جامعة متشيغان ومؤلف الدراسة الجديدة التي نشرت فيAGU journal ، فيليب غينغريتش، قوله: "لن أكون أنا أو أنت هنا عام 2159، لكن ذلك لا يبعد عنا سوى أربعة أجيال.. وعندما تبدأ في التفكير حول أطفالك وأحفادك وأحفادهم، تكون تقريبا قد وصلت إلى هناك".
ويشير الموقع إلى أن العلماء يستخدمون PETM عادة بصفته مؤشرا يتم مقارنة المناخ الحالي معه، لكن الدراسة الحديثة تظهر أننا في طريقنا للوصول إلى ذلك المؤشر في وقت أسرع مما نتوقع، لافتا إلى أنه في الوتيرة التي نسير بها الآن فإن الزيادة في درجات الحرارة تسير بوتيرة أسرع من أي تغير مناخي حصل منذ انقراض الديناصورات.
ويورد التقرير نقلا عن الجيوفيزيائي من جامعة يوتا غابرييل براون، الذي لا علاقة له بالبحث الجديد، قوله: "اذا افترضنا أننا سنستمر في تصرفاتنا كالعادة في المستبقل فإن وتيرة انبعاث الكربون التي تحصل اليوم غير مسبوقة، وحتى في ظروف مثل PETM، فليس لدينا الكثير من الأمثلة للمنطق الجيولوجي لنعرف كيف سيتعامل العالم مع هذا النوع من الاضطراب".
ويقول اتحاد العلوم إنه ليس من الواضح كيف ستكون التداعيات البيئية في حالة وصول مستويات الكربون إلى حالة شبيهة بفترة PETM، لكن درجات الحرارة العالية ستتسبب بانقراض الكثير من الكائنات، وتبقى الكائنات القادرة على التأقلم أو الهجرة، بحسب الاختصاصية في علم المتحجرات والتطور في جامعة فاندربيلت لاريسا دي سانتيس، التي لم تشارك في البحث، التي تقول أيضا إن آلاف السنين ستمر قبل أن يبرد النظام المناخي.
وتضيف دي سانتيس: "ليس الأمر فقط أن هذا لا يبعد سوى مئة عام من الآن، إنما ستأخذ كميات غاز ثاني أكسيد الكربون وقتا طويلا للرجوع إلى قشرة الأرض.. فليس الأمر حدثا على مدى فترة قصيرة، بل إننا نلزم أنفسنا بعالم أكثر حرارة على مدى آلاف السنين إن لم نقم باتخاذ إجراءات سريعة".
ويذكر الموقع أن PETM كان حدثا تم فيه ارتفاع درجة حرارة الأرض، ووقع قبل حوال 56 مليون سنة، فيما لم يكن العلماء متأكدين مما تسبب به، لكن خلال ذلك الحدث انطلقت كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض، ما رفع درجة حرارة الأرض بسرعة، بمعدل خمس إلى ثمان درجات مئوية (9 إلى 14 درجة فهرنهايت)، ووصل معدل درجة الحرارة إلى 23 درجة مئوية (73 درجة فهرنهايت)، أي أكثر من المعدل اليوم بحوالي 7 درجات مئوية (13 درجة فهرنهايت).
ويلفت التقرير إلى أن العلماء يعتقدون أنه خلال هذا الوقت والفترة الدافئة التي تبعته، كان القطبان خاليين من الجليد، وكان القطب الشمالي فيه أشجار نخيل وتماسيح، ولم تكن تلك أكثر حرارة للأرض، إلا أن فترة PETM كانت أكثر فترة ارتفعت فيها حرارة الأرض إلى أقصى درجة منذ انقراض الديناصورات قبل 66 مليون عام.
ويبين الاتحاد أن العلماء لا يستطيعون تحديد كم من الكربون بالضبط بث في الجو خلال فترة PETM، وكم استمرت تلك الفترة، لكن أفضل تقدير لهم أنه تراكم ما بين 3 آلاف و7 آلاف غيغا- طن "كل غيغا تساوي ألف مليون طن" خلال 3 آلاف إلى 20 ألف سنة بناء على العينات الطبقية لقاع المحيطات، التي تظهر التغيرات في المعادن الكربونية المترسبة في ذلك الوقت.
وينوه الموقع إلى أن الانبعاث الكربوني الكبير والارتفاع المفاجئ في الحرارة غيرا مناخ الأرض، متسببين بانقراض كائنات حية في أعماق المحيطات، التي تشكل حلقة مهمة في شبكة الغذاء البحرية، وتضاءل حجم الحيوانات التي تعيش على اليابسة، وهاجرت إلى الشمال نحو المناخات الأكثر برودة، فيما بدأت بعض المجموعات من الثدييات، بما في ذلك القرود، بالظهور لأول مرة بعد فترة PETM، لكن العلماء لا يعرفون إن كان هذا قد حصل نتيجة مباشرة للتغير المفاجئ للبيئة.
وبحسب التقرير، فإن علماء المناخ يقومون بدراسة فترة PETM لفهم التغيرات البيئية التي يمكن أن تحصل بسبب التغيرات المناخية التي يتسبب بها الإنسان، ومتى يمكن لهذه التغيرات أن تحصل، لكنهم يستطيعون فقط أن يقدروا معدل الانبعاثات الكربونية خلال تلك الفترة التي تمتد لآلاف السنين كلها، وهم لا يعرفون معدل الانبعاثات السنوية في تلك الفترة، ولذلك فإنه من الصعب المقارنة مع معدل الانبعاثات هذه الأيام.
ويستدرك الاتحاد بأن غينغريتش وجد في الدراسة الأخيرة طريقة حسابية لمقارنة الانبعاثات الحالية للانبعاثات في فترة PETM وعلى المقياس الزمني ذاته، فأظهرت النتائج بأن معدل الانبعاثات الكربونية الحالية أكثر بتسع إلى عشر مرات من ذلك الذي حصل خلال فترة PETM، وقال غينغريتش: "بالنسبة لي، أصبحت أدرك السرعة وعظم التداعيات للكربون الذي ننتجه نحن البشر".
ويشير الموقع إلى أنه مع تسليط الضوء على الانبعاثات الحالية على المستقبل، فإن غينغريتش وجد أنه إن استمرت الانبعاثات بالارتفاع فقد نواجه حدثا مثلما حصل في فترة PETM خلال أقل من خمسة أجيال، فقد يصل الكربون المتراكم في الجو إلى أدنى تقدير له خلال فترة PETM وهو 3 آلاف غيغا-طن عام 2159، وستصل إلى أقصى كمية مقدرة لتلك الانبعاثات وهي 7126 غيغا-طن عام 2278 بناء على حسابات غينغريتش، وقد وصلت كمية انبعاثات الكربون عام 2016 إلى 1500 طن.
وينقل التقرير عن دي سانتيس، قولها: "حقيقة أنه قد نصل إلى ارتفاع في درجة الحراة يعادل فترة PETM بسرعة كبيرة خلال عدة مئات من السنوات أمر مخيف".
ويقول الاتحاد إن النتائج تشير إلى أن العلماء قد لا يتمكنون من التنبؤ بالتغيرات البيئية والبيولوجية التي ستحصل في السنوات القادمة بناء على ما حصل خلال فترة PETM؛ لأن الارتفاع في درجات الحرارة الذي يحصل اليوم أسرع بكثير مما كان عليه في تلك الفترة، بحسب دي سانتيس، مشيرا إلى أن ما يجعل التوقعات أصعب هو أن مناخ اليوم يبدأ من خط أساس أكبر منه في فترة PETM، بالإضافة إلى أن الكائنات الحية التي تعيش على الأرض تختلف عن تلك التي كانت تعيش قبل 56 مليون عام.
ويختم "ساينس ديلي" تقريره بالإشارة إلى قول دي سانتيس: "من الصعب أن نقارن الآثار الحيوية لأن العالم خلال فترة PETM كان يختلف تماما.. نعيش في عالم مختلف تماما اليوم، حيث تعيش مجموعة مختلفة من الحيوانات، ويشكل البشر الكائنات السائدة... لكن نعلم أن هناك تداعيات سلبية لارتفاع درجات الحرارة على أعداد كبيرة من الكائنات، بينهم الجنس البشري".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)