اعتاد العالم على المشاريع الأمريكية في كل المحافل الدولية وحتى المعارك العسكرية بأنها تقف إلى جانب الظلم والاحتلال وهذا ليس بغريب عليهم، وخاصة في ظل إدارة ترامب التي تعد الإدارة الأكثر انحيازا للاحتلال.
وفي خطوة جديدة في الدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي، تقدمت واشنطن بمشروع للجمعية العامة لإدراج حركة حماس على لائحة الإرهاب، إلا أن هذا المشروع فشل بعد أن أيّدته 87 دولة، وعارضته 57 دولة بينما امتنعت 33 دولة عن التصويت. أي أنه لم يأخذ موافقة ثلثي الأصوات وهذا ما أدى إلى فشل المشروع الأمريكي الإسرائيلي، وهو ما يدعو لقراءة هذه النتيجة على عدة صعد وعلى النحو التالي:
الدول التي صوتت مع القرار:
تشير نتائج التصويت إلى أن هناك 87 دولة في العالم ضد المقاومة وتقف إلى جانب الكيان الإسرائيلي، ومن يتفحص هذه الدول يجد أن جلها من أقوى دول العالم اقتصاديا وعسكريا، وهذا مؤشر خطير أننا ما زلنا لم نحصل على تأييد دولي كبير كما ينبغي، وقد علق رئيس وزارء كيان الاحتلال "بنيامن نتنياهو" على النتيجة قائلا: "لم نحصل على أغلبية الثلثين، ولكن هذه هي أول مرة؛ حيث معظم الدول صوتت ضدّ حماس"، لذا أشاد بالـ 87 دولة التي اتخذت موقفاً مبدئياً ضدّ حماس وقال إن "هذا إنجاز مهم للغاية حققته الولايات المتحدة وإسرائيل، وأشكر الإدارة الأمريكية والسفيرة هيلي على هذه المبادرة".
الإشارة الثانية هنا أن تصويت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لصالح الاحتلال ليس بغريب فهو صنيعتهم، ولكن عندما نجد دولة مثل تشيلي على سبيل المثال تصوت لصالح القرار في الوقت التي تضج المقالات والدراسات والأخبار بأن سبعين بالمئة من اقتصادها تسيطر عليه الجالية الفلسطينية وأن عدد الفلسطينيين فيها يقترب من النصف مليون مقابل أن عدد اليهود فيها أقل بكثير فإذا هناك مشكلة كبيرة تشير إلى أننا ما زلنا غير قادرين على اتقان لعبة اللوبيات، ويتضح أيضا أن مؤتمراتنا وفعالياتنا في العالم لم تجدي نفعا ملموسا لغاية الآن وعلينا ان نطور خطابنا وأن نتوقف عن مخاطبة أنفسنا في كل مرة وأن نخاطب العالم والرأي العام.
الدول التي امتنعت عن التصويت:
هناك 33 دولة امتنعت عن التصويت غالبيتها من دول إفريقيا وشرق آسيا، والتي يوجد لدينا فيها سفارات منذ عشرات السنوات، وهنا علينا أن نطرح سؤال ما الدور الذي تقوم به سفاراتنا وبعثاتنا الدبلوماسية حول العالم وخاصة في هذه المناطق؟ هل وجدت لخدمة القضية الفلسطينية أم عبارة عن مؤسسات للبطالة المقنعة والبرستيج؟ يتضح عند الإجابة على هذه الأسئلة أن هناك مشكلة كبيرة تكمن في أداء هذه البعثات.
ومن هنا ينبغي على البعثات الفلسطينية أن تعمل على إعادة تقييم أداءها، وإن لم تعمل وهذا على الأغلب، يجب أن تخلق المؤسسات والحركات الوطنية الفلسطينية كيانات ثقافية واجتماعية تنتشر في العالم تكون قادرة على تحمل المسؤولية في الترويج للرواية الفلسطينية بوجه الدعاية الصهيونية، لأن من كان لديه القدرة أن يمتنع عن التصويت اليوم عنده القدرة أيضا أن يصوت غدا، فلماذا لا يصوت لنا بدلا من علينا.
الدول التي صوتت ضد القرار:
جلّ الدول التي صوتت ضد القرار الأمريكي هي الدول العربية والإسلامية، وهي خطوة جيدة ومؤشر جيد إذ وفي ظل الهجمة الشرسة على المقاومة ومحاولة محاصرتها وارهاصات ما يسمى بصفقة القرن إلا أن الدول العربية ما زالت غير قادرة على إدانة المقاومة.
وأرى أن الفضل في ذلك ليس للأنظمة بقدر ما هو الفضل للشعوب العربية التي ما زالت تلتف حول المقاومة ولغاية الآن لم تستطيع الأنظمة العربية من حرف أنظار هذه الشعوب عن مركزية القضية الفلسطينية وعن تشويه صورة المقاومة رغم كل المحاولات.
ينبغي هنا أن تعمل المقاومة على الحفاظ على صورتها لدى الشعوب العربية وأن تمد جسور التعاون والوصول إلى تنسيق مع مختلف الأحزاب والحركات السياسية العربية والمؤسسات الدينية والاجتماعية والفكرية للحفاظ على هذا الالتفاف وتعزيزه وجعل العمق الشعبي العربي والإسلامي هو عبارة عن رافعة للمقاومة، وإعادة القضية الفلسطينية لتكون قضية عربية إسلامية بعدما تم تقزيمها إلى قضية وطنية تخص الشعب الفلسطيني وتحويل الصراع من صراع عربي صهيوني إلى صراع فلسطيني صهيوني.
أما تصويت دول عظمى مثل روسيا والصين، فهذا يعتبر مؤشر إيجابي يدعو إلى تطوير العلاقات مع هذه الدول وتعزيز القواسم المشتركة وسبل التعاون معهم على الصعيد السياسي والعلمي من خلال ايجاد فرص تعليمية وبحثية لدى ابناء الشعب الفلسطيني في هذه الدول المتقدمة علميا واقتصاديا وسياسيا.
خلاصة الحديث أن أمام المقاومة الفلسطينية ومؤسساتها طريق طويل يحتاج إلى المزيد من اتقان اللعبة السياسية والقانونية، وهم مطالبون بإيجاد البرامج والخطط العلمية لمواجهة الاحتلال أيضا في طرق وأساليب مخاطبة الرأي العام الدولي فالدول الكبرى في العالم هي دول مؤسسات وللرأي العام مكانة لديها وتأثير عليها، وعلى المستوى العربي مطلوب منهم العمل بكل الوسائل لإعادة القضية الفلسطينية إلى مكانتها الحقيقية، والابتعاد عن لحظات النشوة والانتصارات اللحظية والبيانات العاطفية.