"سأحمل روحي على راحتي***وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق***وإما ممات يغيظ العدى".
هكذا افتتح الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود قصيدته " الشهيد".
الشاعر الفلسطيني لم يقل قولا وكفى، وإنما برهن عليه عملا وذهب إلى حيث الردى وشهيدا ارتقى، بينما هناك من نظم الشعر للوطن وكتب يرثي الشهيد وكتب للأسير وكتب يتغزل في المقاوم، إلا أنه بالنهاية طبّع وبأحضان الحكام ارتمى وللجلاد انحنى وفي ظل الفاسد احتمى.
وهذا الشيخ عزالدين القسام، رفع لواء الدعوة والإصلاح الاجتماعي لم يقف عند خطبه النارية وحسب، إنما كانت رصاصاته تنطلق صوب كل محتل في أي أرض عربية وإسلامية، ومن على كرسي متحرك لم يتوقف الشيخ أحمد ياسين عند الوعظ والعمل الاجتماعي، بل رفع راية المقاومة وارتقى شهيدا.
سعد صايل الذي تخرج من أعرق الكليات العسكرية في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لم يعلق النياشين ليقدس التنسيق الأمني أو لاعتقال أبناء شعبه، بل أقضّ مضاجع الاحتلال، وفي بيروت حاصر الحصار ولم يخرج منها بهامة محنية لا لعدو غاصب ولا لصديق متخاذل.
أما الأديب المقاوم، غسان كنفاني فخط طريق العودة إلى حيفا ووضع النقاط على الحروف مع أم سعد، تحدث عن بنادق الرجال، وأسهب في الكتابة تحت الشمس عن ما تبقى لكم، ليصرخ صرخة طرق بها جدران الخزان ليعلن ثورة على الواقع الحزين، فالتقط الشهادة كما التقط برتقال يافا، وكان هدفه الوطن، والهدف مقاومة.
أما ناجي العلي الذي اغتاله كاتم الصوت، فرسم مرارة اللجوء وحنظلها، ولون خارطة الوطن وعاند الفساد وقاوم الضوابط الحزبية والقيود التنظيمية المعقدة، وعندما فقد الحماية لجأ لفاطمة لتحميه، وكان دمه حبره الأخير الذي رسم الوصية: لا صلح لا اعتراف لا مفاوضات.
أما وديع حداد، الإنسان الذي طبب جراح الفقراء كان بعيدا كل البعد عن الوداعة مع العدو، فلاحقه في الأرض والسماء حتى التحق برب السماء شهيدا، في حين نسج عبد العزيز الرنتيسي علم الحرية بخيوط غرفة العمليات واستأصل الخنوع ببندقيته.
هناك نخب فلسطينية كانت حجة علينا وكتبوا بدمائهم وصية ورسموا خارطة الطريق التي تقول، إن أي عمل نخبوي لم يقترن بفعل على الأرض فهو نخبوية مخملية، وشعارات بعيدة عن كل المعاني الثورية وكلماتها ترف فكري، أشبه ببندقية صيد استغلالية تقتنص الفرص على حساب الأرض والبشر والحجر.
وبينما يقولون لنا "دماؤنا دين عليكم وهدية للوطن" نرد الدين بعبارات نارية وبمؤتمرات نجومية ومقالات صاروخية، وبأطر تنظيمية تبعد كل البعد عن الروح الثورية لليساري، والجهادية للإسلامي، والوطنية للوطني.