عقدت ستيفاني ويليامز، نائبة رئيس البعثة الأممية في ليبيا، اجتماعات عدة ضمت نشطاء وأصحاب توجهات سياسية في بنغازي (شرق ليبيا)، وكان من بين من التقت بهم رئيس اللجنة التسييرية للمدينة.
من المفترض أن تكون الزيارة طبيعية، فستيفاني نائبة رئيس البعثة الليبية المخولة بتسهيل عملية التسوية السياسية، وبنغازي عاصمة جبهة سياسية وعسكرية عريضة وفاعلة، لا يمكن للبعثة أن تهملها، غير أن الزيارة الأخيرة تأتي في سياق ظرفي مختلف.
زيارة غير اعتيادية
أزعم أن للزيارة مدلولا وأهمية أكبر كونها تأتي ضمن حراك البعثة وفق مسارها الجديد الذي أخذ ملامحه قبيل مؤتمر باليرمو، وتأكد بصورة قطعية بعد أن أقره المجتمعون هناك واعتبروه الخيار الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة.
كان تركيز البعثة الأممية، خاصة نائبة الرئيس ويليامز، خلال الأشهر الأربعة الماضية منصبا على ترتيب أوضاع العاصمة، ونجحت النائبة، مستفيدة من دعم واشنطن وحلفائها، في تمرير مقاربتها التي أعلنت عنها في اللقاءات العديدة التي جمعتها بكيانات سياسية في العاصمة والمدن المحيطة منذ الأيام الأولى لتوليها منصبها.
هناك مؤشرات واضحة، تكاد تنطق، على أن حفتر يواجه ضغوطا من جهات عدة لإدماجه ولجم سخطه
إقرأ أيضا: انتخابات ليبيا تهيمن على مباحثات السراج مع مبعوثة أممية
حفتر الصخرة القابلة للكسر
معروف أن "برقة" مستقلة بدرجة كبيرة سياسيا وأمنيا عن حكومة الوفاق المعترف بها دوليا والتي تصر البعثة الأممية على اعتبارها محور السلطة والتوجيه وإدارة شؤون البلاد، وأن نجاح مقاربة البعثة الأممية لحل الأزمة يتطلب تمدد سلطان حكومة الوفاق وتأثيرها إلى الشرق، فبدون ذلك لا نجاح يمكن أن ينسب للبعثة، وهذا ما يمكن اعتباره غاية الزيارة والاجتماعات العديدة التي عقدتها النائبة الأمريكية.
العائق الأكبر أمام نجاح جهود البعثة ومساعي نائبة رئيسها هو قائد الجيش التابع للبرلمان، ومتى تخطت البعثة هذا التحدي فالباب مفتوح لتمدد مقاربة البعثة وإدماج بنغازي وكافة مدن الشرق فيها.
هناك مؤشرات واضحة، تكاد تنطق، على أن حفتر يواجه ضغوطا من جهات عدة لإدماجه ولجم سخطه والذي عبر عنه بطرق عدة منها إعلانه مؤخرا عن تحرك جاد لاجتياح العاصمة، ومنها تمرده على السلطة العليا التي عينته ومنحته رتبة مشير بعدم اعترافه بوجود قائد أعلى للجيش الليبي، وعزمه على تولي هذا المنصب بسلطة الأمر الواقع.
حفتر يشعر أن الأطراف الدولية التي دعمته بشكل مباشر أو غير مباشر خذلته بعدم قبولها تمرير طموحه في الوصول للحكم بأيسر الطرق، وليس سبب سخط حفتر ما يعتقده كثيرون، خاصة ضمن جبهة خصومه، من أن حفتر صار خارج اللعبة السياسية وأنه قد يواجه ملاحقة ومحاسبة.
دلالة زيارة حفتر لروما مؤخرا
زيارة حفتر اليومين الماضيين لروما ربما تأتي في سياق التنسيق لدوره وفق ما تراه أمريكا وإيطاليا، وهو سلطة عسكرية خاضعة للسلطة السياسية وذلك حتى ملاءمة الظروف العامة للإنتخابات الرئاسية، وهو ما كان يرفضه حفتر، ويبدو أنه لا مناص له من القبول به في ظل الخطى الحثيثة لترتيب الأوضاع والوصول إلى تسوية سياسية شاملة.
البعثة الأممية ومن خلفها العواصم الغربية الفاعلة تريد للمسار السياسي أن يتقدم حثيثا نحو التوافق والتئام كل الأطراف السياسية بلا استثناء ـ إلا من يستثني نفسه بالطبع ـ في اللقاء الوطني الجامع، وبرغم التحديات الكبيرة التي تهدد نجاح اللقاء، إلا أنني لا أتصور أن المعنيين بالملف الليبي سيتركون الحدث المهم للصدف وللعقبات لتفعل فعلها في إفشاله.
المؤتمر يواجه صعوبات جمة كونه سيجمع كل المتنازعين منذ فبراير 2011م، والخلاف بين هؤلاء أكثر حدة، كما أن أجندته المقررة في شكل خطوط عريضة مشكلة كبيرة كونها تتضمن ملفات حولها خلافات شديدة التعقيد، غير أن أكرر القول إن الفاعلين يدركون هذا وربما لن يتركوا الأمور تسير وفق رياح التحديات والصعوبات، وهذا ما يمكن أن يشكل مفاجأة اللقاء، وهو ما يمكن أن يمثل الضمانة التي تجعل حفتر يضع رجليه في ماء بارد.
إقرأ أيضا: اختتام "باليرمو" ودفع باتجاه إتمام العملية الدستورية بليبيا
البرلمان الليبي يفاجئ الجميع وينحو للوفاق
ما الذي وقع بين "العدالة والبناء" وجماعة الإخوان الليبية؟