قفز، بتحالفه مع "الشيوعيين"، إحدى قفزاته الكبرى التي دائما ما تأخذه إلى مناطق لعب جديدة خارج المصائد التي يجد نفسه محاصرا بها، وهو يحمل إرثا عائليا أثقل من إنجازاته الشخصية.
هز، بثقل وإرث عائلته، البحيرة الساكنة للتحالفات العراقية المتقلبة على الحلفاء قبل الخصوم، محدثا مزاوجة قلقة بين "الإمامة" و "كارل ماركس" على طريقته الانقلابية وتحت الحمل الثقيل الذي وجد نفسه ينوء بحمله بعد إعدام والده.
مع إعلان نتائج الانتخابات العراقية، بدأت الائتلافات والأحزاب السياسية بالتحرك نحو خيمته بحثا عن تكوين "التحالف الأكبر" في مجلس النواب العراقي تمهيدا لتشكيل الحكومة المقبلة.
منزله تحول إلى "قبلة" للكتل والأحزاب والسياسيين، الجميع كان ينظر إلى مقتدى الصدر، بعد أن حقق تحالف "سائرون" المدعوم منه 54 مقعدا في مجلس النواب العراقي، والذي أوضح في تغريدة له أنه مستعد للتحالف مع كافة الكتل "لتكوين حكومة تكنوقراط".
مقتدى الصدر المولود في عام 1973، والذي يقول عن نفسه، إنه "أصبح أكثر وعيا وقدرة على إدارة القضايا بحكمة"، هو الابن الرابع للزعيم الشيعي محمد صادق الصدر الذي هاجم الرئيس العراقي صدام حسين و"حزب البعث" الحاكم آنذاك.
درس مقتدى الصدر في حوزة النجف على يد والده، واعتقل من الحكومة العراقية مع والده وأشقائه بعد "انتفاضة" عام 1991، حيث اغتيل والده بعدها في عام 1999.
انتقل إلى حوزة قم في إيران بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وما رافقه من تصاعد أعمال المقاومة العراقية ضد الجيش الأمريكي، ووضع اسمه على رأس المطلوبين للاحتلال الأمريكي والحكومة العراقية.
في عام 2004 أصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة مذكرة اعتقال بحق مقتدى الصدر لضلوعة باغتيال عالم الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي التي نفتها المحكمة الجنائية العليا ومحكمة التمييز العراقي، وقد كانت تلك التهمة الشرارة لاندلاع أولى المواجهات المسلحة المباشرة بين أتباع الصدر وقوات "التحالف" حيث امتدت المواجهات إلى أغلب محافظات وسط وجنوب العراق وسيطر "جيش المهدي " على مراكزها.
مما دفع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن إلى إعلان الصدر "عدو رسمي للولايات المتحدة" موجها قوات التحالف لاعتقاله أو قتله قائلا: "لا يمكن أن نسمح لرجل واحد بتغيير مسار البلاد".
تميزت مواقف الصدر بمعارضة الوجود العسكري الأمريكي، وحين وجهت لـ"جيش المهدي" انتقادات واتهامات بالخطف والتعذيب في ذروة المواجهات الطائفية التي شهدها العراق عامي 2006 و2007، توارى الصدر فترة عن الأنظار وسافر لإيران إثر صدور مذكرة اعتقال بحقه، وحل الصدر "جيش المهدي" في 2008 بعد أن قاد رئيس الوزراء السابق، نورى المالكي، حملة عسكرية ضد الميليشيا.
غير أن الصدر المتقلب عاد وتصالح مع المالكي بعد ذلك، وكان له الفضل في حصول المالكي على ولاية ثانية عام 2010، وشارك تياره في حكومة المالكي، وبعد خروج مظاهرات في الأنبار غربي العراق ضد المالكي دعا الصدر أنصاره لتأييد الاحتجاجات السلمية ضد الحكومة.
ويعد الصدر واحدا من القادة العراقيين القلائل الذين أبقوا على مسافة بينهم وبين إيران، ودعا الحكومة العراقية، العام الماضي، إلى تفكيك قوات "الحشد الشعبي".
ويسعى إلى جعل تياره، عامل توازن شيعي في العراق، إزاء الطموحات الإيرانية بدفع جماعاتها المسلحة إلى الواجهة السياسية.
ورغم العداء بين الصدريين والولايات المتحدة الأميركية، إلا أن واشنطن باتت تتقبل هذا العداء كجزء من "الديناميكية الاجتماعية والسياسية" للتيار في العراق، فيما الصدريون يتفهمون أن الدور الأميركي مفيد لحراكهم ومستقبلهم الذي يريد التملص من النفوذ الإيراني.
ويملك الصدر خطوط تواصل غير مباشرة مع واشنطن، إحداها عبر دعمه لرئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، وعلاقته التي تبدو جيدة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.
يطلق الصدر خطابا معاديا للسياسة الإيرانية بالمنطقة، ويعارض بقاء الأسد بالسلطة، ويعزز سياسة للحكومة العراقية بالانفتاح العربي، كما أنه تحول إلى "هراوة سياسية مطيعة" بيد المرجعية التقليدية في النجف، ويدعم توجهات حل الفصائل المسلحة لكنه لا يحل جماعته المسلحة على نحو مطلق ويحتفظ لنفسه بحماية واحدة من أهم مراكز الشيعة في سامراء المرتبطة بـ"قضية المهدي".
ومع النتائج المفاجئة للانتخابات في العراق فوز تحالفه "سائرون"، كتب الصدر على حسابه على موقع "تويتر" يقول: "لن تكون هناك خلطة عطار (..) مقبلون على تشكيل حكومة تكنوقراط تكون بابا لرزق الشعب، ولا تكون منالا لسرقة الأحزاب".
و"سائرون" هو تحالف مدعوم من يضم عدة أحزاب منها "الاستقامة"، و"الحزب الشيوعي العراقي"، و"التجمع الجمهوري"، وحزب "الدولة العادلة"، وقوى مدنية ويسارية أخرى.
وحصل تحالف "الفتح" المدعوم من "الحشد الشعبي" وإيران على المركز الثاني في الانتخابات، وهو ما يعد تراجعا واضحا من العراقيين بالنسبة للقبول بالدور الإيراني في بلادهم.
ويرى مطلعون على الشأن العراقي أن إيران في مأزق سياسي واقتصادي، والعراقيون لا يريدون إدخال العراق في الصراعات الإقليمية والدولية، بعدما ظهرت أدلة عديدة على حدوث تغير الأحوال بالنسبة لإيران، وذلك بعد أن انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من الاتفاق النووي لعام 2015 وأعاد فرض عقوبات صارمة عليها.
وتحتاج إيران لمليارات الدولارات من عائدات صادراتها النفطية لتمويل اقتصادها غير الفعال الخاضع للدولة وتدخلاتها المستمرة في سوريا واليمن على سبيل المثال وبرنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية، ويتعرض هذا التدفق النقدي لمخاطر بالغة.
واعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن مقتدى الصدر تحول إلى "صانع للملوك في العراق" بعدما كان العدو الأول للولايات المتحدة بعد الفوز الساحق الذي حققه تحالفه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
واعتبر محللون خسارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على نحو غير متوقع في الانتخابات البرلمانية صفعة للتواجد الأمريكي في البلاد. رغم أن العبادي الأوفر حظا لتشكيل الحكومة بعد أن يتنازل الصدريون عن المنصب لصالح العبادي الأقرب لهم من غيره.
لكن صحيفة "الغارديان" البريطانية تؤكد أيضا أن إيران قد تكون هي الخاسر الأكبر، حيث أُجبر حلفاؤها من الميليشيات الشيعية بالعراق والمعروفة باسم " الحشد الشعبي" على الاكتفاء بالمركز الثاني بعد الصدر ببساطة، فهل نتائج الانتخابات مؤشر على إلى تراجع النفوذ الإيراني، الذي نما تدريجيا في أنحاء المنطقة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003؟
وتعكس الألقاب التي أطلقها على الصدر بعض المسؤولين الأميركيين شهرته المتزايدة فهو "متمرد فوضوي" و"خارج عن القانون"، مطلوب من قبل الحكومة الأميركية، والآن، يستعد الصدر لنيل لقب جديد "صانع الملوك".