حين كان يتفيأ ظلال الحرية كانت الأرض وفلاحتها وزراعتها طوق النجاة لروحه العاشقة للأرض ولرائحة ترابها.
كان أقرب إلى عاشق رومانسي يحب الأزهار والورود التي تنتشر في جبال وسهول الريف
الفلسطيني المدهش والساحر، وكان على قناعة بأنه يجب أن لا تقطف وأن تبقى في مكانها، بحسب ما رُوي عنه.
عرف بصلابته منذ الطفولة وقوة شخصيته وحماسته الوطنية التي ظهرت معه في مرحلة مبكرة جدا من حياته.
ويعد
نائل البرغوثي الذي ولد عام 1957 في بلدة كوبر شرقي رام الله، أقدم سجين في العالم فقد عرفته سجون
الاحتلال الإسرائيلي طيلة ما يقارب الـ45 عاما، حين بدأ رحلته المبكرة في المواجهة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 1967عندما دخلت قواته الضفة الغربية ووصلت إلى بوابة قرية كوبر وقصفتها، فصعد نائل برفقة أخيه عمر "أبي عاصف" وابن عمه فخري البرغوثي فوق سطح بيتهم حيث جمعوا كومة من الحجارة وبدأوا يكبرون ويهتفون.
هذه الشحنة القوية من المشاعر الوطنية دفعته إلى اختيار الانتماء إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وآمن بالمقاومة طريقا لتحرير البلاد، وبعد تعرض الحركة عام 1983 لانشقاق بسبب خروج الثورة الفلسطينية من بيروت ومعاناتها من إشكالات داخلية، ورفض ياسر عرفات (أبو عمار) التحقيق في الإخفاقات التي حدثت خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، تحول نائل وأخوه عمر إلى "فتح الانتفاضة".
لكنه ما لبث عقب ظهور حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن انتمى شقيقه عمر إلى "حماس"، ثم التحق به نائل وهو معتقل في سجن الجنيد بنابلس عام 1995.
كانت بداية تعارف نائل البرغوثي على سجون وأقبية الاحتلال في عام 1977 خلال استعداده لتقديم امتحانات الثانوية العامة، فاعتقل وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، وأُعيد اعتقاله بعد 14 يوما من الإفراج عنه بتهمة مقاومة الاحتلال برفقة شقيقه عمر البرغوثي وابن عمهما فخري البرغوثي بتهمة قتل ضابط إسرائيلي شمال رام الله، وحرق مصنع زيوت وتفجير مقهى في القدس، وحكم على الثلاثة بالسجن المؤبد.
أفرج عن شقيقه عمر عام 1985 ضمن صفقة للتبادل، ورفض الاحتلال إدراج اسم نائل فيها، وفي أي صفقة تبادل أخرى أو في الإفراجات التي تمت في إطار المفاوضات مع الاحتلال وتأسيس السلطة الفلسطينية.
وخلال فترة اعتقاله توفي والده عام 2004 ووالدته عام 2005. كما عانت العائلة من استهداف مستمر بعد قتل الاحتلال لابن شقيقه صالح البرغوثي واعتقال كل العائلة، وهدم منزلها، حيث لا يزال ابن شقيقه عاصم البرغوثي معتقلا في نفس السجن بتهمة تنفيذه عملية إطلاق نار قرب رام الله، واعتقلت أيضا شقيقته حنان البرغوثي "أم عناد".
أطلق سراح نائل البرغوثي لفترة وجيزة ضمن صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، التي أبرمتها المقاومة الفلسطينية مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط، وبعد خروجه من السجن تزوج نائل من الأسيرة المحررة إيمان نافع التي اعتقلت سابقا عام 1987 وأُفرج عنها في عام 1997. إيمان نافع التي ذكرت قبل أيام أنها "تزوجته وعاشت معه عامين ونصف وقضى بقية عمره في السجون الإسرائيلية، وبلغ الآن من العمر 67 سنة".
فرض الاحتلال الإسرائيلي على نائل الإقامة الجبرية، حيث منعه من الخروج من مدينة رام الله وقراها، وبقي حبيس قريته كوبر قرب رام الله.
التحق فيما بعد بجامعة القدس المفتوحة لدراسة التاريخ، لكنه لم يكمل دراسته بعد أن أُعيد اعتقاله عام 2014، وذلك بعد خطاب ألقاه في جامعة بيرزيت عن المقاومة ودورها، واعتقل في إطار حملة اعتقالات واسعة استهدفت كثيرا ممن تم إطلاق سراحهم في صفقة "وفاء الأحرار".
حكم عليه بالسجن 30 شهرا، ورفض الاحتلال الإفراج عنه بعد قضائه مدة محكوميته وأعاد حكمه السابق، أي المؤبد، بدعوى وجود ملف سري.
اشتهر نائل البرغوثي بين الأسرى بأنه قارئ نهم ولديه ثقافة واسعة جدا، ويتحدث الإنجليزية والعبرية التي تعلمها داخل السجن، ويعتبره الأسرى مرجعا لهم في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني.
ويطلقون عليه عدة ألقاب من بينها "أبو النور" و"عميد الأسرى" و"أبو اللهب" نظرا لشخصيته القيادية الثورية. ويعده الأسرى مرجعا لهم في محطات النضال الفلسطيني.
لقد تجرع البرغوثي مرارة الفقد مرة أخرى عام 2021 بوفاة شقيقه عمر وحرمه الاحتلال من وداع أحد أحبائه والمقربين إليه ورفيق دربه في الأسر والنضال والمقاومة.
ويأتي الحديث عن
أقدم أسير فلسطيني، في اليوم العالمي للأسير الفلسطيني، مختلفا هذا العام عن باقي السنوات وبكمية مرارة زائدة وقهر لا يوصف مع فتح ملف "أسرى
غزة" الذين يزيد عددهم عن 5 آلاف لا يعرف مصيرهم حيث يحتجزون في معتقلات سرية تمارس فيها كل الفظاعات والجرائم ضد المدنيين ملف "الإخفاء القسري".
ويبلغ عدد المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي حاليا أكثر من 9500 معتقل، منهم 80 معتقلة، وأكثر من 200 طفل موزعين على سجون: "مجدو"، و"عوفر"، و"الدامون"، وهذا لا يشمل كافة معتقلي غزة الذين يخضعون لجريمة الإخفاء القسري.
ونتيجة للإهمال الطبي والتعذيب والعزل الانفرادي فقد قدمت الحركة الأسيرة، 252 شهيدا بين الأسرى منذ عام 1967، وهذا لا يشمل كافة شهداء الحركة الأسيرة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مع استمرار إخفاء هويات غالبية شهداء معتقلي غزة الذين ارتقوا في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.
وفي إطار اتفاق الهدنة بين الاحتلال والمقاومة الذي تم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، جرى الإفراج عن 240 أسيرا وأسيرة في سبع دفعات تبادل، ولاحقا أعاد الاحتلال اعتقال 15 منهم أفرج عن أسيرين وأبقى على اعتقال 13، من بينهم خمسة أطفال، وأربع أسيرات.
وقبل عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ومع تسلم المتطرف إيتمار بن غفير ملف الأسرى، تعاني الحركة الأسيرة من ظروف إنسانية قاسية جدا ومن عمليات تعذيب وتنكيل وإهانات يومية في جميع السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف.
ولم ينج "العميد" نائل البرغوثي من هذه الممارسات فقد أفاد نادي الأسير بعد "الطوفان" بأن البرغوثي تعرض لاعتداء على يد قوات القمع، بعد نقله من سجن "عوفر" إلى سجن "جلبوع".
البرغوثي صاحب أطول اعتقال في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، وربما يكون أطول سجين سياسي في العالم بأسره.
يتطلع البرغوثي ورفاقه الأسرى وبشكل خاص الأسرى ذوي الأحكام العالية إلى ما تقوم به المقاومة في قطاع غزة، وما ستخرج به جولات المفاوضات من صفقة محتملة يخرج بموجبها نائل ورفاق له ذوت وذبلت سنوات عمرهم في سجون الاحتلال الموحشة الرطبة والتي تفيض بالكراهية.
وحين يخرج نائل سيركض في براري كوبر يستلقي بين العشب وورود الأقحوان وشقائق النعمان وينظر إلى السماء الزرقاء الصافية يرى أبواب القدس تفتح من جديد على ضوء النهار الذي لا ينتهي.