عوّل
حزب التحرير على
الثورة السورية باعتبارها تشكل حالة قابلة لاحتضان مشروع "الخلافة"، عبر "طلب
النصرة من الفصائل المقاتلة التي تشكل بمجموعها قوة لا يستهان
بها، وقادرة على إسقاط النظام إذا ما توفرت لها الإرادة الحرة" بحسب الحزب.
ومع أن الحزب يدرك تماما مدى ارتباط غالب تلك الفصائل بالداعمين، إلا إنه يحاول كسبها لصالح مشروعه "الإسلامي" المتمثل في "إقامة دولة الخلافة".
ووفقا لمراقبين، فإن الحزب خلافا لعادته في التحذير الشديد من مآلات الأعمال القتالية والجهادية المدعومة من جهات خارجية مختلفة، كالجهاد الأفغاني مثلا، راهن على الثورة السورية كثيرا، وتوسع في تبشير أتباعه وكوادره بدنو أجل تحقيق الحلم، ما وصفه بعض معارضي قيادة الحزب الحالية بالخطأ الاستراتيجي القاتل، في فهم واقع الثورة السورية.
وفي هذا السياق، لفت الناشط الفلسطيني، والتحريري السابق، أنور خليل ادعيس، إلى أن حزب التحرير منذ تولى قيادته المهندس عطا أبو الرشتة، عام 2003، خلفا لأميره السابق الشيخ عبد القديم زلوم، انحرف عن مساره الذي وضعه له مؤسسه الشيخ تقي الدين النبهاني.
وأوضح ادعيس لـ"
عربي21" أن "أبو الرشتة" وعد بعد ترشيحه لإمارة الحزب، بأنه إن لم يقم خلافة خلال 3 سنوات سيتنحى ويفتح المجال لغيره، لكنه لم يقم خلافة، ولم يفسح المجال لغيره.
وأضاف أن "أبو الرشتة" حرص على ربط شباب الحزب بنفسه، بدلا من ربطهم بأفكار الحزب، فعزز مفاهيم طاعة الأمير لدى شباب الحزب، وطرد كل من تساءل ونصح وحاسب منهم.
ووصف ادعيس ما أحدثه موقف قيادة الحزب من الثورة السورية والتعويل عليها، مع ما يعرفه الناس جميعا من ارتباط غالب فصائلها بجهات الداعمين والممولين، مع مخالفته لطريقة الحزب المتبناة منذ تأسيسه، زلزالا داخل الحزب، يمكن أن يؤدي إلى شطر الحزب إلى نصفين.
وأحد الحزبين جماعة الأمير الحالي، والآخر جماعة فكر مؤسس الحزب الشيخ تقي الدين النبهاني.
من جهته، أرجع قيادي تحريري سابق، اشترط عدم ذكر اسمه، ما أسماه باندفاع قيادة الحزب الحالية إلى تأييد الثورة السورية، والمراهنة عليها إلى "التعجل غير المبرر، إذ إن التفكير الدائم ليل نهار تحت هاجس الخلافة ووجوب إقامتها أغشى العقول عن الفهم السياسي الواضح، وهو ما يعد سقوطا مريعا، وفشلا ذريعا في الفهم السياسي".
وتابع حديثه لـ"
عربي21" بالقول: "حاولت القيادة الحالية للحزب اختراع تأصيل فقهي لتبرير نظرية جديدة لطلب النصرة، بالقول إن جهاد الدفع وهو مشروع لا جدال فيه، أصبح طريقة مبررة لإقامة الخلافة، وهذا كله انهيار خطير في العقل السياسي للحزب"، على حد قوله.
واستحضر القيادي السابق موقف حزب التحرير إبان الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال الروسي، الذي تمثل بتقديم الدعم السياسي، من غير أن يتورط أو يعول على إقامة الخلافة هناك، لمعرفته اليقينية أن المجاهدين الأفغان كانوا مدعومين من باكستان والسعودية وأمريكا.
وتساءل: "ما الذي ورط الحزب في التعويل والمراهنة على الثورة السورية لإقامة الخلافة وهو يعلم مدى ارتباط غالب فصائلها بالداعمين والممولين الخارجيين؟".
بدوره، أوضح رئيس المكتب الإعلامي للحزب في
سوريا، أحمد عبد الوهاب، أن "حزب التحرير حزب سياسي مبدؤه الإسلام، والأعمال التي يقوم بها هي أعمال سياسية بناء على طريقة محددة وواضحة، وليس من طريقته تقديم أسلحة أو دعم مادي".
ونفى عبد الوهاب صحة ما يشاع عن تقديم قيادة الحزب الأسلحة لبعض فصائل الثورة، بقوله: "هذا ادّعاء يكذبه الواقع، ولو كان صحيحا لرأيت معظم قيادات الفصائل التي تتلقى دعما خارجيا تتهافت على الحزب لأخذ الدعم، وهذا الأمر غير موجود على الأرض".
وواصل حديثه لـ"
عربي21" بالقول: "جميع الفصائل تدرك جيدا أن حزب التحرير ليس جهة داعمة، وما يقدمه هو عبارة عن معالجات يحاول من خلالها ترشيد الثورة السورية، وتصحيح مسارها، وضبط بوصلتها"، وفق قوله.
وتعليقا على انتقادات بعض قيادات الحزب وكوادره السابقين من أن الحزب أخطأ في تقديراته السياسية، وتورط في المراهنة على بعض فصائل الثورة، أوضح عبد الوهاب أن "طلب النصرة من أهل القوة هو عمل من أعمال حزب التحرير مقتديا بذلك برسول الله عليه الصلاة والسلام، وحيث إن الفصائل المقاتلة تشكل بمجموعها قوة لا يستهان بها، وقادرة على إسقاط النظام في حال توفرت الإرادة الحرة كان الاتصال بها عملا لا بد منه".
ولفت رئيس المكتب السياسي للحزب في سوريا إلى أن "ارتباط قيادات الفصائل بالداعمين لا يمنع من اللقاء بها ومحاولة كسبها لصالح المشروع الإسلامي" محتجا بأن "الرسول عليه الصلاة والسلام كان يلتقي بأهل القوة من القبائل رغم أنهم كانوا على الكفر، وكان يطلب منهم أن يؤمنوا به وينصروه، فرهان الحزب قائم على أهل القوة من المسلمين وعلى الأمة الإسلامية التي تشكل الحاضنة الشعبية للمشروع الإسلامي المنبثق من عقيدتها الإسلامية".
وختم عبد الوهاب حديثه باعتبار أن ما حدث مؤخرا من عقوبات بحق بعض أفراده المعترضين على موقفه من الثورة السورية، يندرج في إطار القوانين الإدارية المنظمة لعلمه، والضابطة لمسيرته، التي منها فرض عقوبات صارمة على كل من يخالف ما تبناه الحزب، أو لم يلتزم بقوانينه بغض النظر عن موقعه.
يُذكر أن أمير حزب التحرير الحالي، المهندس عطا أبو الرشتة أصدر الأربعاء الماضي عفوا عمن أسماهم "كل ناكث أو تارك أو معاقب..."، بأن يرسل له رسالة عن طريق مسؤول بلاده ومصادقة المعتمد، يؤكد فيها "ندمه على سبب نكثه أو تركه أو عقوبته..".
وفُسرت الخطوة على أنها محاولة للملمة الصف الداخلي، وإعادة التماسك إليه كما كان في سابق عهده.