اعتقد النظام الانقلابي أن مسألة اعتقال الفريق سامي عنان، رئيس الأركان السابق، هي مسألة ساعات وتهدأ العاصفة؛ بعد أن يتم إجباره على الخروج من السباق الانتخابي الوهمي بأقل كلفة ممكنة.
كما توهم عباقرة النظام أن عنان سيسير على درب الفريق شفيق، وسيخرج ببيان يعلن فيه عدم مواءمة الظرف الراهن للمنافسة في الانتخابات الرئاسية، وهو ما لم يحدث، فاضطر قائد الانقلاب إلى احتجازه لحين تلفيق قضية عسكرية أو الإفراج عنه وفقا لما تجري به الأحداث، والتي على ما يبدو أنها ساخنة ومتحركة كحركة الرياح العاصفة.
رفض عنان الانحناء رغم كبر سنه، ورغم مكانته العسكرية، والتي تفوق بكثير كل القيادات الراهنة في المجلس العسكري، إذ يأتي ثانيا في القيمة العسكرية بعد المشير محمد حسين طنطاوي، الراعي الحصري لعبد الفتاح السيسي. وهذا ما يحسب للفريق عنان، وهو ما يشكل زخما جديدا، ويعطي إشارة واضحة على أن المؤسسة العسكرية لم تعد على قلب رجل واحد، وهذا أيضا يدحض مقولة السيسي بأن الأسد لا يأكل أبناءه، إذ أكل السيسي ضباطه وجنوده وقادته الكبار أيضا.
توهم عباقرة النظام أن عنان سيسير على درب الفريق شفيق، وسيخرج ببيان يعلن فيه عدم مواءمة الظرف الراهن للمنافسة في الانتخابات الرئاسية، وهو ما لم يحدث
لم تكد تصل قصة اعتقال الرفيق عنان المرشح المحتمل لانتخابات
الرئاسة حتى طفت على السطح قضية أخرى؛ هي محاولة الاعتداء على مساعد الفريق عنان، وهو
المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات؛ الذي أقيل بسبب فضحه لممارسات النظام، وإهداره لمليارات الدولارات نتيجة ممارسات يشوبها الفساد، وعوضا عن الإشادة به وبدوره، تم إخراجه من رئاسة الجهاز بتهمة إشاعة أخبار كاذبة. وبالأمس، تم الاعتداء عليه في محاولة لاغتياله وإخراجه من الحياة برمتها، بعد أن أعلن الفريق عنان عن الاستعانة به كنائب للرئيس إذا ما فاز في
الانتخابات؛ المزمع عقدها ولا أحد يدري إن كانت ستجرى أم لا.
المتابع لما يقدمه أبرز إعلاميي النظام خلال اليومين الماضيين؛ سيجد أن الأمر لا يقل سخونة في الإعلام عما يجري على الأرض، فهناك حالة رفض أو تأبّي، وإن اعتبرها البعض مصطنعة، ولكنها - وللحقيقة - مهمة، وسيكون لها تأثيرها في المستقبل الكريم إن استمرت تلك الأصوات في البوح عن غضبها من حالة السلطة المستبدة في مصر.
يوم السبت الماضي
خرجت لميس الحديدي، وهي من أبرز داعمي الانقلاب في مصر، من خلال برنامجها التلفزيوني "هنا العاصمة"، لتقدم وجبة نقد لاذعة نالت فيها من نظام الحكم، واتهمته بأنه يقود مصر برأي واحد وبدون عقل سياسي، وأن فكرة الفصل بين الاقتصاد والسياسة وغلق منافذ التعبير عن الرأي؛ أمر يجب أن يتوقف. وقالت إنه لا يوجد وزير ولا رئيس وزراء سياسي ولا مستشارون سياسيون حول السيسي، وطالبت بأن يكون هناك صوت آخر. وواصلت هجومها قائلة إن ما يهزم الدول ليست السياسة ولا المعارضة، بل الانفراد بالقرار وأنهت مقدمتها بأنها تقول ما تقول وأجرها على الله هي لا تدري إن كانت ستظهر في اليوم التالي أم لا.
هناك حالة رفض أو تأبّي، وإن اعتبرها البعض مصطنعة، ولكنها - وللحقيقة - مهمة، وسيكون لها تأثيرها في المستقبل
قبل أن تخرج لميس بخطبتها الناقدة والناقمة، كان حزب الوفد الذي راهن النظام على دفعه برئيسه الدكتور السيد البدوي لمنافسة السيسي لإنقاذ ماء وجه السيسي بعد انسحاب خالد علي وإجبار أحمد شفيق على الخروج واعتقال الفريق عنان، ولكن
الحزب فجر المفاجأة برفضه ترشيح البدوي أو أي من أعضاء الحزب ورموزه، تاركا السيسي وحده كمرشح لا ينافسه أحد، ما ينزع عن السيسي آخر قطعة مما كان يرجو أن يستر به نظامه المستبد.
بدا النظام وكأنه
يشحذ مرشحين كما كان نظام مبارك يشحذ الناخبين كما عبر الكاتب جمال سلطان رئيس تحرير موقع المصريين في تغريدة له قبل أيام، والحقيقة أن نظام مبارك كان أكثر حرفية من نظام السيسي؛ الذي أفسد كل شيء، حتى الفساد ذاته عجز عن فهم عقلية هذا المظام الغبي شكلا ومضمونا.
ليس بعيدا عما قالته لميس، ونكرره نحن عبر قنوات رفض الانقلاب ودعم الشرعية ومواقع معارضة النظام من سنوات، صدر بيان عن مجموعة من الرموز السياسية في الداخل تعبر عن رفضها للانتخابات، وطالبت بمقاطعتها وطالبت بحل الهيئة العليا للانتخابات.
نظام مبارك كان أكثر حرفية من نظام السيسي؛ الذي أفسد كل شيء، حتى الفساد ذاته عجز عن فهم عقلية هذا المظام الغبي شكلا ومضمونا
هذا البيان لم يكن ليخرج إلى العلن لولا إدراك الجميع أن سفينة الوطن تتعرض لريح التدمير والتخريب منذ فترة، وأن رياح التغيير يجب أن تحمل قارب الوطن لبر الأمان بدلا من تعريض الوطن برمته لريح السيسي المدمرة.
وقد يقول قائل إن هذه الجرأة تعني انحياز قطاع ما داخل السلطة لحركة التغيير، وسواء صح ذلك أم لم تثبت صحته، فإن الشواهد كلها تنبئ بأن ثمة صراعات داخلية بين الأجهزة، ولعل آخر فصولها هو إزاحة رئيس جهاز المخابرات اللواء خالد فوزي الذي يعتقد البعض أنه قيد الإقامة الجبرية في منزله، بينما تقول بعض المصادر إنه قيد الاعتقال، رغم أن مصطفى بكري أبرز عرابي النظام قد أعلن أن الرجل مريض بمرض خطير ألزمه بيته.
الإعلان في اللحظات الأخيرة عن وجود مرشح سري تم اكتشافه في دهاليز أو تحت أقبية أجهزة الأمن المصرية ليكون منافسا للسيسي؛ شكل هو الآخر فضيحة كبرى للنظام. إذ إن المرشح الذي تم العثور عليه، وهو
موسى مصطفى موسى، ليس فقط مجرد درويش من دراويش السيسي، بل إنه يشبه السيسي في انقلابه على الرئيس مرسي، إذ انقلب موسى مصطفى، المرشح المجتبى، على رئيس حزب الغد الدكتور
أيمن نور وعزله وهو في محبسه، واستولى على الحزب بمساعدة الأجهزة الأمنية في عهد المخلوع مبارك. واليوم يرد موسى مصطفى موسى الجميل لهذه الأجهزة التي استدعته فاستجاب لها في اللحظات الأخيرة. ولا ندري هل ستمشي الأمور ويصبح لدى السيسي منافس كرتوني، أم أن حتى هذه الأمنية أصبحت عزيزة على نظام لم يجد حتى المرشحين والمنافسين.
لو راجعت
المشاهد التي حدثت في الفترة الأخيرة، فإنك ستجد نفسك أمام مشاهد مثيرة إثارة من أفلام الآكشن الأمريكية، وأن هذه المشاهد سوف تنتهي بنهاية غير تقليدية.. ما هي؟ لا أدري.. ولكنها ستكون على غير المتوقع.
الإثارة مستمرة والمتعة مضمونة في المشهد المصري الراهن، وكما يقولون: "مش هتقدر تغمض عينيك".