أُخرج الجنرال أحمد شفيق من الصراع على السلطة في مصر، بعملية أمنية قامت بها المخابرات الحربية، بالتعاون مع دولة الاستخبارات العظمى في العالم العربي (الإمارات)، وظن العسكر أن ملف انتخابات 2018 قد حسم.. ولِمَ لا، والمرشحون الذين أعلنوا التحدي ليسوا على مستوى النزال؟!
فقد أعلن مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، ترشحه ضد السيسي، وصرح في مقابلة تلفزيونية على قناة القاهرة والناس؛ أن برنامجه الانتخابي يتضمن إلقاء القبض على الإعلاميين المصريين في الخارج، وخص بالذكر محمد ناصر والعبد. وهذا يعني - كما قلت - أن الانتخابات المصرية في عصر الانقلاب هي مجرد سيرك كبير يضم مجموعة من اللاعبين الكومبارس؛ الذين يُفسحون المجال في نهاية العرض للرجل الذي يداعب الأسود ويخضعهم لإرادته.
بينما الجميع يعد العدة لمشاهدة كوميديا الموقف التي يديرها الجنرال السيسي، إذا بجنرال آخر يعلن تأهبه للنزول إلى ساحة الانتخابات، في تحد واضح لإرادة الجنرال السيسي
في السيرك الجديد، بدا للجميع أن
خالد علي الذي لم يستطع حتى اللحظة جمع التوقيعات اللازمة؛ أنه كزميله السابق في التيار الشعبي، حمدين صباحي، ليس سوى مجرد كومبارس أسند إليه دور، ففرح به واطمأن قلبه لهذا الدور الذي قد يمنحه منصبا وزاريا أو لقب مرشح رئاسي سابق.
لكن، وبينما الجميع يعد العدة لمشاهدة كوميديا الموقف التي يديرها الجنرال السيسي، إذا بجنرال آخر يعلن تأهبه للنزول إلى ساحة الانتخابات، في تحد واضح لإرادة الجنرال السيسي، وهو الفريق سامي عنان؛ الذي أربك خطة السيسي للانفراد بالسلطة دون منافسة حقيقية أو شبه حقيقية.
لماذا ألقى السيسي القبض على عنان وأقصاه من المشهد؟ وهل يستطيع السيسي تحمل كلفة إقصائه للمرشحين الواحد تلو الآخر؟ أم أننا في الأمتار الأخيرة في سباق الحرية والخلاص من الجنرال؟
هنا عاد
السيسي إلى كتالوج الاستبداد الذي طلب منه غلقه مؤقتا خلال فترة الانتخابات حتى يظهر بصورة محترمة أمام عدسات الكاميرات الأجنبية، لكنه (أي السيسي) وكأي فرعون صغير أو كبير، قديم أو حديث، لم يتمالك نفسه ولم يتحكم في أعصابه، فأعلن القبض على
الفريق سامي عنان، وهو أقدم شخصية عسكرية في المجلس العسكري، في مشهد أمني يدل، وبصورة قاطعة، على أن الجنرال السيسي لا يزال أسيرا لأفكاره الأمنية والمخابراتية المحدودة، وإن بدت عنيفة.
فلماذا ألقى السيسي القبض على عنان وأقصاه من المشهد؟ وهل يستطيع السيسي تحمل كلفة إقصائه للمرشحين الواحد تلو الآخر؟ أم أننا في الأمتار الأخيرة في سباق الحرية والخلاص من الجنرال؟
في رأيي أن سبب جرأة السيسي تعود إلى عدة عوامل:
يعتقد السيسي أن الثورة الكامنة تحتاج إلى كمية هائلة من البطش حتى لا تخرج وتعبر عن نفسها بشكل قد يطيح بحكمه
1-الثقة المفرطة التي تمنحه الإحساس بالسيطرة والتحكم، والقدرة اللامحدودة على البطش والقتل.
2-تصوره أن صمت الشارع يعني قبوله بما جرى وما يجري، شأنه في ذلك شأن كل طاغية ومستبد وفرعون.
3-البعض يراهن على أن
زيارة نائب الرئيس الامريكي (بنس) قد منحت السيسي قبلة الحياة، في مقابل استمرار السيسي في دعم صفقة القرن، وبيع القدس والتخلي عن حلم الدولة الفلسطينية.
4-يعتقد السيسي أن عنان ليس وراءه قوة شعبية تحول دون التخلص منه، وبالتالي فإن قرار اعتقال عنان، وربما الحكم عليه بالسجن، هو أمر هين نوعا ما للسيسي الذي قتل وعذب وشرد مئات اللآف، ونجا بفعلته، أو هكذا يظن.
5-لم يعد ما يعرف بالعالم الحر معنيا بشيء قدر عنايته بمصالحه في المنطقة. فالنفط ومنع الهجرة؛ هما مصادر قلق الغرب، وأي شيء آخر يمكن غض الطرف عنه.
6-يعتقد السيسي أن الثورة الكامنة تحتاج إلى كمية هائلة من البطش حتى لا تخرج وتعبر عن نفسها بشكل قد يطيح بحكمه. وقد عبر عن ذلك صراحة حين قال، على هامش فنكوش "
حكاية وطن"، إن مظاهرة أو اثنتين من شأنهما إحداث الفوضى في البلاد.
7-يؤمن السيسي أن جنرالات الجيش الحاليين هم مجرد دمى لا قيمة لها يستطيع تحريكها أو حرقها وقتما يشاء، وقد فعل ولم يناقشه أحد ولم يهدد ملكه أحد.
هذا الشعور بالقوة الزائفة والسيطرة الكاذبة؛ هو في حد ذاته أخطر عوامل الانهيار، وأحد علامات النهاية المحتمة لأي طاغية على مدار التاريخ.
الخلاصة بالنسبة لي، بعد قراءة أولية لمشهد قد يمتد لشهور، أن سفينة السيسي تتعرض لرياح حقيقية قد تطيح بها عما قريب. ويبقى السؤال، ونحن على أعتاب الذكرى السابعة للصورة العظيمة:
هل نحن مستعدون للتغيير الكبير الذي قد يحدث؟
هل شراع سفينتنا مشهرة وجاهزة للإبحار في بحر التغيير الهائل القادم، وبلا هوادة؟
نكمل في الأسبوع المقبل بإذن الله..