منذ أواخر الأسبوع الماضي حتى نهاية الحالي؛ موجة تحركات اجتماعية مختلطة ومتفاوتة الأهمية حصلت في تونس، إثر تمرير قانون المالية الأخير. أحدها المنظم، والذي بادر به فصيل شبابي يتبع أحد التنظيمات اليسارية الراديكالية وأطلق على حملة الاحتجاجات "فاش نستناو؟" (ماذا ننتظر؟)، ثم اتسع ليشمل أطرافا مختلفة، ما أعطى للاحتجاجات التي تحدث بشكل دوري كل شتاء في تونس؛ بعدا سياسيا أوضح، رغم أن الاحتجاجات العفوية ليس لها علاقة ضرورة بهذه المبادرة التنظيمية. لكن من الواضح أن الأمور انفلتت بانزلاق أمور نحو تخريب وتعد على الممتلكات، مما أرجع المخاوف من استهداف الهيكل الديمقراطي الهش.
ما يحصل هو في كل الحالات تذكير متجدد بأن الديمقراطية بدون إصلاحات اجتماعية حقيقية وجدية؛ ستبقى هشة، وأن انهيارها سيبقى محتملا ما دام اساسها الاجتماعي في اهتراء.
المؤكد أن احتجاجات اخرى سبقى الموجة الاحتجاجية الأخيرة، بما في ذلك حملة "ماناش نستناو"، خاصة إثر انتحار امرأة عاملة ريفية في مدينة صغيرة شمال البلاد (سجنان)، ثم حالة أخرى مشابهة في ساقية سيدي يوسف (ولاية الكاف على الحدود مع الجزائر) منذ أسابيع قليلة، انطلقت إثرها احتجاجات مماثلة.. أيضا الاحتجاجات التي حصلت في كل من تالة، سيدي بوزيد، القصرين، قفصة، طبربة (أين توفي الشاب خميس اليفرني)، حي التضامن (أكبر الأحياء الشعبية في العاصمة).. جميعها ليس لها علاقة بحملة "فاش نستناو"، وأثرها الواقعي أهم وأكبر من تلك الحملة.
ما يحصل هو في كل الحالات تذكير متجدد بأن الديمقراطية بدون إصلاحات اجتماعية حقيقية وجدية؛ ستبقى هشة، وأن انهيارها سيبقى محتملا ما دام أساسها الاجتماعي في اهتراء
ترافقت هذه الاحتجاجات مع تخريب للمنشآت، وهذا ترابط تقليدي يرجع إلى كل الاحتجاجات الاجتماعية، من أحداث 26 كانون الثاني/ يناير، إلى ثورة الخبز إلى أحداث الثورة نفسها.
بالإضافة إلى السياقات الظرفية (دورية الاحتجاج في كانون الأول/ ديسمبر- كانون الثاني/ يناير - شباط/ فبراير)، وخاصة ضرب ميزانية 2018 للقدرة الشرائية، وتزايد شعور المواطنين بالصعوبات الاقتصادية، هناك ظرف موضوعي هيكلي مستمر من مرحلة قبل الثورة؛ يؤسس للحراك الاجتماعي. يجب أن نتفق هنا على أنه بعد سبع سنوات من الثورة لم تحصل إصلاحات هيكلية توضح أفقا إيجابيا للتونسيين، وبما يؤكد أن التحصين الحقيقي للديمقراطية هو اقتصاد تضامني اجتماعي.
بالتالي، لا يمكن لنا أن نحلل ظروف الثورة ونبذ نظرية المؤامرة فيها؛ بناء على هذا السياق الموضوعي الهيكلي للحراك الاجتماعي، وننكره الآن. هناك فعلا أسباب موضوعية للحراك الاجتماعي، وهي مستمرة، ويجب عدم تهميشها والاستهانة بها. والمنظومة الديمقراطية في ذاتها لا يمكن لها تعوض هذا الواقع أو تلغي المشاكل الهيكلية للواقع الاقتصادي والاجتماعي، بل إن استمرار هذا الواقع يضعف ضرورة المنظومة الديمقراطية، سواء بارتهانها من قبل اللوبيات أو إضعاف الثقة فيها من قبل عموم المواطنين.
هناك فعلا أسباب موضوعية للحراك الاجتماعي، وهي مستمرة، ويجب عدم تهميشها والاستهانة بها. والمنظومة الديمقراطية في ذاتها لا يمكن لها تعوض هذا الواقع
في ذات الوقت الذي يوجد فيه سياق موضوعي للحراك الاجتماعي، هناك سياق موضوعي للثورة المضادة
باعتبارها الذكرى السنوية السابعة لنهج الانتفاضة التونسية عام 2011، فإن البلاد تتجه نحو ردود الفعل السلطوية القديمة
الأحداث الإيرانية: المعركة مستمرة وكل الخيارات على الطاولة
دلالة الاحتجاجات في إيران ومسألة الإرهاب
أحلام اليقظة في الشأن الإيراني