نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا من الرياض لمراسلها مارتن شولوف، يتحدث فيه عن التطورات الأخيرة وحملة الاعتقالات التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يوم السبت في السعودية.
ويبدأ شولوف تقريره بالقول إنه "خارج مركز للتسوق في مدينة الرياض، كانت زينة فرحان تسير وحجابها على كتفها، عندما توقفت سيارة تابعة للشرطة الدينية إلى جانبها، فتجمدت من الخوف، وعندها أنزل أحدهم نافذة السيارة الخلفية، وقال لها بلغة هادئة: (يا سيدة لو سمحت هل من الممكن تغطية رأسك أثناء فترة الصلاة فقط؟)، فقالت: (حاضر)، ورد: (شكرا)، ومضت السيارة، وما حدث كان مدهشا".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن السبب هو أن فرحان (32 عاما) ظلت تخشى من الشرطة الدينية، التي تميزت بتوجيه الإهانات والسجن والجلد، و"رؤيتهم يتصرفون بهذه الطريقة تظهر كيف تغير البلد".
وتعلق الصحيفة قائلة إن "الشرطة الدينية خسرت سلطتها خلال العام الماضي، ولم تعد لديها صلاحية لأن تعتقل أحدا، وتحديد ما هو الصح أو الخطأ، وصدر قرار الأسبوع الماضي يهدف إلى دمج الشرطة الدينية في قوات وزارة الداخلية، وهو المسمار الأخير في نعش المؤسسة التي ظلت مركزية في حياة الأجيال وتصرفاتهم الاجتماعية وتأكيد صورة متقشفة من الحياة".
ويقول الكاتب إن "ما كان يحيط بالمملكة من الغموض انكشف خلال الأشهر الستة الماضية، في سلسلة من التغيرات التي فككت العديد من ملامح الحياة في السعودية، فالتغيرات التي بدأها الملك سلمان ونجله هزت معظم زوايا المجتمع السعودي، وكان آخرها التحرك ضد النخبة التي كانت في الماضي عصية، حيث جرى احتجاز أكثر من 30 أميرا بتهم الفساد".
وينقل التقرير عن مسؤول سعودي بارز، قوله: "لا يمكن وصف ما حدث بأنه هزة للنظام، بل هو أكثر من ذلك"، وأضاف المسؤول: "هذه رسالة إلى الناس هنا والعالم بأننا جاهزون للعمل، لكن بناء على شروطكم وليس على شروطنا، ويجب أن يثق المستثمرون ويأتون هنا للاستثمار وبشفافية".
وتلفت الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي لا يزال فيه الأمراء محتجزين في فندق الخمس نجوم "ريتز كارلتون"، فإن المواطنين السعوديين يحاولون فهم ما يجري، والتحول من الطريقة التي أدارت فيها المملكة تعاملاتها خلال العقود الماضية.
ويورد شولوف نقلا عن رجل أعمال، قوله عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إنه يقوم بتمزيق نظام بائد فضل الأمراء على كل شيء، ويقوم بهز التعايش الذي تم بين النخبة والدولة.
ويجد التقرير أنه في بلد ظل يحكم من خلال الإجماع بين أبناء مؤسس الدولة الملك عبد العزيز والقبائل، فإن اعتقال الأمراء يعبر عن الحكم الجديد الذي يضاف إليه إصلاحات اجتماعية، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، بالإضافة إلى التأشيرات السياحية.
وتورد الصحيفة نقلا عن وزير سعودي، قوله: "الرسالة هي أن كل ما كان في السعودية لم يعد قائما"، واصفا ما حدث بـ"الثورة"، وأضاف: "الوضع حساس، ويحب أن نتحلى بالصبر حتى تهدأ الأمور".
ويذهب الكاتب إلى أن ما يميز الإصلاح الثقافي هذا هو تعهد ابن سلمان بالعودة إلى الإسلام المعتدل، ما يعني فك التحالف الذي وقعه أجداده مع الوهابيين في القرن السابع الثامن عشر مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مشيرا إلى ما قاله ولي العهد بأن التشدد بدأ يتمكن في السعودية بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وقال: "لم نعرف كيف نتعامل معها"، وقال ابن سلمان في حديث سابق مع "الغارديان": "من ثم انتشرت حول العالم، وحان الوقت للتخلص منها".
وبحسب التقرير، فإنه لا يوجد حاكم حاول أن يتحدى التعايش الذي قام بين الحكام ورجال الدين، مستدركا بأن الباحث غير المقيم في المجلس الأطلسي أتش إي هيللير، علق قائلا إن التغير في اللهجة لا يعني تخلي حكام السعودية الجدد عن الوهابية، وأضاف: "التغير على المستويات الفلسفية بشكل لم تعد معه المؤسسة الدينية وهابية يعد تحولا كبيرا، وأنا لست متأكدا من أن (أم بي أس)، كما يعرف، مهتم بهذه المواجهة".
وتابع هيللير قائلا: "لو توقعنا أن يتجذر نهج ديني غير محافظ في السعودية فإننا نحلم.. والسؤال هو عن المدى الذي يعود فيه المجتمع وبشكل حقيقي إلى النظرة الدينية الطبيعية وفي وقت قصير، والنهج يقوم بالحفاظ على الدوافع الراديكالية، بدلا من العودة إلى جذور الأزمة، فعام 1979 مهم لفهم الطريقة التي تقوم فيها السعودية بتقييد وفتح الفضاء أمام المؤسسة الدينية، لكنه لا يتعامل مع البناء الديني لها".
وتنوه الصحيفة إلى أن عددا من المسؤولين البارزين القريبين من محمد بن سلمان يختلفون مع هذه الرؤية، ويقولون إنه "يموضع نفسه ليكون قائدا للعالم السني.. والطريقة الوحيدة لعمل هذا هو الاعتراف بأننا ضللنا الطريق كمجتمع".
ويورد شولوف نقلا عن رجل أعمال قديم، قوله: "الطريقة الوحيدة لحصول التغيير -على هذه القاعدة- هو بوجود قائد شاب لديه الصبر، فكل قائد سعودي قبل كان عمره ما بين 70- 80 عاما عندما تولوا العرش، ولم تكن لديهم القدرة على القيام بهذا الأمر"، حيث يعترف رجل الأعمال بمناخ الخوف بصفته ضرورة لتوطيد دعائم الحكم، قائلا: "نعم، يشعر الناس الآن بالخوف من الحديث؛ لأن السلطة مركزية، لكنه يعمل جهده ويعزز سلطته، كأي شخص في مكانه، ولا بد من سقوط ضحايا".
ويفيد التقرير بأنه على خلاف ما يقوله المعسكر المدافع عن ولي العهد، فإن النقاد يقولون إنه متعجل للثورة بصفتها وسيلة للحصول على سلطة غير مسبوقة، التي يمكنه استخدامها لسنين طويلة كونه ملكا.
وتذكر الصحيفة أن من بين الذين اعتقلهم كانوا منافسين له من داخل العائلة، والذين عارضوا الكثير من ملامح التغيير، حيث سئل أحد أقارب المعتقلين: "كيف ستنجو من عمل كهذا؟"، فأجاب قائلا: "لا تعتقد أن سكوت الناس هو علامة رضا".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن الكاتب لاحظ أن الفندق الذي احتجز فيه ابن سلمان الأمراء ورجال الأعمال، كان فيه ممثلون عن شركة الاستشارات في بوسطن "ماكينزي" و"ديلوتي"، التي حصلت على أموال طائلة لإعداد مسودات خطط إعادة تشكيل الاقتصاد.
بلومبيرغ: الحملة ضد المليارديرات وكبار المسؤولين تهز السعودية
فورين بوليسي: الملك سلمان وابنه يعيدان الحكم لمركزية ابن سعود
نيوزويك: ما الذي يحدث في السعودية؟