نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد ستيفن وولت، يتساءل فيه عن معاني الهزيمة التي تعرض لها تنظيم الدولة في كل من الرقة والموصل.
ويقول الكاتب: "لو كنت شخصا يعتقد أن قطع رؤوس أشخاص أمر مقبول لتحقيق الأهداف السياسية القمعية، فإن الأخبار عن نهاية التنظيم تدعو إلى الفرح، لكن علينا أن نكون واعين ونتجنب لحظة (المهمة انتهت)، وأن نتسم بالحكمة من أجل استنباط دروس تدعو للاحتفال".
ويضيف وولت في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن "على الولايات المتحدة أن تجيب على خمسة أسئلة قبل أن تعلن النصر على تنظيم الدولة، ويدور السؤال الأول عن طبيعة التنظيم، وفيما إن كان (دولة ثورية) بالمعنى الصحيح".
ويجيب الكاتب عن هذا السؤال قائلا: "لا أزال اعتقد أنه كذلك"، مشيرا لمقال كتبه عام 2015، قارب "الدولة" بالحركات الثورية، مثل الجاكوبيين والبولشيفك والخمير الحمر، حيث توصل وولت إلى سلسلة من الأمور، منها أن كل واحدة من هذه الحركات الراديكالية قدمت رؤية متطرفة لتغيير المجتمع، وكانت تؤمن أن قوى التاريخ/ العون الإلهي تقف معها، وبالتالي ستنتصر، واعتمد كل مثال منها على القوة لتحقيق أهدافها، وكانت لديها القدرات لإلهام الناس في بلاد بعيدة.
ويلفت وولت إلى أنه اعتبر تنظيم الدولة ليس خطيرا، كما زعم الكثيرون، خاصة أن الحركات الثورية لم تكن قادرة على تصدير نموذجها، إلا في حال سيطرتها على بلد قوي، مستدركا بأنه مع أن تنظيم الدولة كان من أغنى التنظيمات، إلا أنه لا يزال دولة ضعيفة.
ويذكر الكاتب أن السؤال الثاني يدور عن سبب خسارته، ويجيب وولت قائلا إن "هزيمة تنظيم الدولة كانت محتومة، ويجب ألا تثير دهشتنا؛ ولأسباب عدة، فرغم تصرفه القاسي، وحصوله على موارد نفطية معقولة، إلا أنه ظل تنظيما أضعف من البولشيفك الروس أو الثوريين الروس، واستطاع التنظيم السيطرة على مناطق صحراوية فارغة؛ بسبب فراغ السلطة الناشئ عن الغزو الأمريكي للعراق والحرب الأهلية في سوريا، وعندما استقر في المناطق المدنية مثل الرقة والمناطق المحيطة بها ظهرت مظاهر ضعف مثاله وأيديولوجيته، وعادة ما تنجح الجماعات الثورية بسبب عنصر المفاجأة، لكنها تجد صعوبة في التوسع أو النجاة ضد دول أقوى منها، وتنظيم الدولة ليس استثناء".
ويفيد وولت بأنه ما "زاد على هذا كله الطريقة التي عامل فيها التنظيم المسلمين الذين لم يشتركوا في رؤيته وممارساته التي تثير الاشمئزاز، مثل العبودية والرق الجنسي والذبح، ولم يكن من السهل مثلا تشكيل تحالف من روسيا والولايات المتحدة والسعودية ونظام بشار الأسد والأردن والأكراد والعمل معا، إلا أن الاستراتيجيين الماهرين داخل التنظيم نجحوا في هذا، ونجحت الحملة ضد تنظيم الدولة؛ لأن أمريكا تركت للاعبين المحليين القيام بالمهمة، مع أن الطيران الأمريكي أدى دورا مهما، ولم يكن تنظيم الدولة قادرا على تصوير الحملة ضده بأنها حرب على الإسلام، خاصة أن معظم ضحاياه كانوا من المسلمين".
ويتساءل الكاتب عما إذا كانت الحملة ضد تنظيم الدولة نجاحا نادرا في السياسة الخارجية الأمريكية، ويجيب قائلا: "بالتأكيد، لكن لا تتعجل، حيث أنه طالما ما انتقدت السياسة الخارجية الأمريكية وقرارات أمريكا الدخول في حروب لا تستطيع الانتصار فيها، إلا أن الحملة ضد تنظيم الدولة تبدو نجاحا عسكريا ويجب الاعتراف بهذا، لكن على الأمريكيين مقاومة الرغبة بتهنئة أنفسهم كثيرا، وعلينا عدم نسيان أن تنظيم الدولة لم يكن ليظهر لو لم يقم جورج دبليو بوش بغزو العراق عام 2003، وحرب الاحتلال الذي أعقبه، فبهزيمة تنظيم الدولة تقوم الولايات المتحدة بحل المشكلة التي خلقتها".
ويجد وولت أن "الأهم من هذا كله، فالظروف التي أدت إلى هزيمة تنظيم الدولة كانت ملائمة؛ لأنه كان قوة من الدرجة الخامسة، ولم تكن لديه المصادر الهائلة، والقدرة العسكرية المتفوقة، ولا حلفاء قادرين للدفاع عنه".
ويقول الكاتب: "لهذا علينا الحذر من التعامل مع هذا النجاح على أنه نموذج للمستقبل، أو تأكيد لفكرة أمريكا عن بناء الدول، والظروف التي أدت إلى هزيمته في كل من العراق وسوريا ليست موجودة في اليمن وليبيا وأفغانستان، التي فشلت فيها أمريكا مرارا، وأكثر من هذا فإن هزيمة تنظيم الدولة تفتح الباب أمام العديد من المشكلات، الأكراد ومستقبلهم، ورغبة الأسد باستعادة السيطرة على ما خسره، ودور إيران وتركيا، واحتمال ظهور جماعة جهادية جديدة. والانتصار على تنظيم الدولة نصر واضح، لكن يجب عدم المبالغ بآثاره الواسعة".
ويتساءل وولت عما إذا كان الرئيس دونالد ترامب يستحق بعض الثناء على النصر، ويجيب قائلا: "نعم، لكن ليس كثيرا؛ لأن الحملة تم تصميمها في عهد باراك أوباما، وانتقد ترامب سلفه أثناء الحملة الانتخابية عام 2016، ووعد بهزيمته سريعا في حال تولى السلطة، ولم ينحرف ترامب عن استراتيجية سلفه، صحيح أنه منح القادة العسكرية سلطات واسعة، لكنه لم يزد مصادر على ما فعله أوباما، ويستحق المدح؛ لأنه التزم بما خطط له أوباما وسرعه قليلا، ولو كان صادقا لاعترف بفضل أوباما".
وينوه الكاتب إلى أن السؤال الأخير والخامس يتمحورحول معنى سقوط الرقة، وإن كان يعد نقطة تحول ضد "العنف المتطرف"، ويجيب قائلا إنه "من الباكر لأوانه الحديث عن هذا، فعندما ظهر تنظيم الدولة كان الاهتمام مركزا على قدرته على التحول لقوة ضاربة، ويستخدم مصادره لنشر أيديولوجيته، وتحفيز هجمات منظمة، أو من خلال (الذئب المتوحد) في بلدان أخرى، ولو ظل مستمرا في نشاطه لأدى إلى منح الشرعية لعدد من المثل التي دعا إليها، وكان هذا مظهر قلق قائم، مع أنه لم يكن مستبعدا أن يتبع التنظيم مسار الحركات الثورية السابقة ويعدل من مواقفه، وربما لن نعرف الجواب، إلا أن هزيمته خرقت حس المصير الذي ألهم عددا من الشباب الذين انجذبوا إليه، وربما قادت الكثيرين منهم لمساءلة بعد العنف في أيديولوجية تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة".
ويبين وولت أن "هناك أملا في أن تؤدي الهزيمة لحرمانه من القدرة على التحرك وتنظيم هجمات خارج أراضيه، ولا أحد يضمن هذا، فكما ذكرت صحيفة (نيويورك تايمز)، فـ(لم تتم هزيمة المنظمة، ولا تزال قوية أكثر من الوقت الذي انسحب فيه الأمريكيون من العراق)، وبالتأكيد يقول بعض الخبراء إن التهديد زاد مع خسارة التنظيم مدنه".
وتنقل المجلة عن مدير "أم آي فايف" البريطانية أندرو باركر، قوله إن "التهديد متعدد الوجهات، ويتطور سريعا، ويعمل على مدى وحجم لم نره من قبل".
ويذهب الكاتب إلى أن "المشكلة الأوسع التي تواجه الشرق الأوسط بشكل عام لا تزال غياب المؤسسات السياسية الفاعلة، التي تترافق مع التدخل المستمر والعنيف من القوى الإقليمية والأجنبية، بما فيها الولايات المتحدة، وهذا صحيح بالنسبة لكل من مصر وليبيا والعراق وسوريا واليمن والصومال وأفغانستان ودول الصحراء الأفريقية، وهو ما قاد السعودية لإعادة تشكيل اقتصادها ومؤسساتها السياسية، ولا تزال الظروف السياسية والاجتماعية في هذه البلدان مصدر الكثير من الغضب ضد المؤسسة الحاكمة والقوى الأجنبية المتحالفة معها، ويقود الغضب أحيانا البعض للانضمام إلى الجماعات الراديكالية، وحمل السلاح ضد من يعتقدون أنهم ظالموه، وطالما لم تنشأ مؤسسات محلية فاعلة فإن مخاطر التطرف الراديكالي لن تذهب، وهذه ليست مهمة الولايات المتحدة أو القوى الخارجية، لكنها تستطيع المساعدة من على الهامش ومن يعيشون هناك هم الذين في يدهم إنجاز هذا".
ويخلص وولت إلى القول إن "هزيمة تنظيم الدولة قد تكون انتصارا واضحا، لكنها لا تخبرنا إن كنا نحلل المشكلة جيدا، وإن كان النهج الأمريكي لتهديد الإرهاب العالمي صحيحا، ولمدة عقدين ظلت أمريكا ترد على التهديد الإرهابي من خلال دق ناقوس الخطر وتكبيره والرد عليه بقوة، رغم أن خطره على الأمريكيين العاديين أقل من التهديدات الأخرى، ولم يجر هذا أمريكا إلى حرب مفتوحة في أماكن أخرى فقط، لكنه أدى إلى تسميم السياسة، وحرف النظر عن الكثير من العنف الآخر، مثل القتل الجماعي".
إندبندنت: أمريكا مع سوريا خارج اتفاقية المناخ
فورين بوليسي: لماذا تبقي أمريكا قواتها بعد هزيمة "الدولة"؟
فايننشال تايمز: هكذا سيصبح سقوط الرقة مكسبا للنظام وإيران