أثار حادث مقتل كاهن قبطي طعنا في القاهرة، قبل عدة أيام، ردود فعل غاضبة بين أقباط الداخل والخارج، حيث اتهموا نظام عبد الفتاح
السيسي بالاستهانة بدماء
الأقباط، وعدم توفير الحماية اللازمة لهم.
وطالبت منظمات قبطية، بحسب بيانات صحفية، بمزيد من التأمين للأقباط في البلاد، وحمايتهم من الاعتداءات المتكررة، التي تعرضوا لها في الشهور الأخيرة.
وبعد 5 أيام من الحادث، أحالت النيابة المتهم بقتل الكاهن سمعان شحاتة إلى المحاكمة العاجلة؛ بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، مؤكدة أن المتهم اعترف بارتكابه الواقعة، وأثبتت أقواله سلامة قواه العقلية، وأنه كان في كامل وعيه أثناء قتل المجني عليه، بخلاف ما أعلنته وزارة الداخلية بعد وقوع الحادث، حينما أكدت أن المتهم "مختل عقليا".
كفاية يا سيسي
وفي مقطع فيديو تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وجهت زوجة الكاهن سمعان شحاتة رسالة لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، قائلة له: "كفاية يا سيسي، كفاية استهانة بدماء الأقباط".
وذكرت وكالة "بوس نيوز لايف" الألمانية أن الحادث الأخير لم يكن فرديا، بل جاء في إطار تزايد وتيرة العنف ضد الأقباط في الأشهر الأخيرة، حيث تعرضوا لما يقارب 100 اعتداء منذ ديسمبر 2016 وحتى الآن، على الرغم من تعهد النظام بحماية الأقباط.
ونقلت الوكالة عن الرئيس التنفيذي لمنظمة التضامن والحرية المسيحية، ميرفن توماس، مطالبته الحكومة
المصرية باتخاذ ترتيبات أمنية طويلة الأجل؛ لضمان سلامة الأقليات الدينية المعرضة لهجمات المتطرفين.
كما أصدرت الهيئة القبطية الأمريكية بيانا، يوم الأربعاء الماضي، أكدت فيه ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية ضد الأقباط في الفترة الأخيرة، وآخرها ذبح الكاهن سمعان، على مرأى ومسمع من الناس، في وضح النهار بقلب القاهرة.
وأكدت الهيئة أنها لا تكترث بأي إنجازات حققها عبد الفتاح السيسي طالما ظل عاجزا عن حماية الأقباط، مهددة بنشر التجاوزات التي تعرض لها الأقباط منذ 30 يونيو وحتى الآن إن لم تنفذ الدولة القصاص الرادع ضد المعتدين على الأقباط".
القمع يولد الإرهاب
وتعليقا على هذه التطورات، قال المحامي الحقوقي إسلام مصطفى إن هناك قصورا حقيقيا في حماية الأقباط، لكن هذا القصور يأتي في إطار خلل أكبر في حماية المصريين كلهم، وليس الأقباط فقط، بسبب ضعف المنظومة الأمنية.
وأكد مصطفى، في تصريحات لـ "عربي21"، أن الأقباط حاليا يدفعون ثمن انتشار أفكار إرهابية ورجعية، مشيرا إلى أن الدولة ترفع شعار محاربة الإرهاب، وتتخذه ذريعة لسجن وتعذيب آلاف الأشخاص الأبرياء، ويكون نتيجة ذلك توليد جيل من المتطرفين، مثل المتهم بقتل القس سمعان شحاتة.
وأضاف أنه لا يوجد حتى الآن مواجهة حقيقة من قبل الدولة للأفكار المتطرفة التي تتبناها التنظيمات الإرهابية مثل داعش، والتي تنتشر بين آلاف الشباب، مشيرا إلى أن هذه الأفكار هي سبب الحوادث الإرهابية التي يتعرض لها الأقباط في الفترة الأخيرة.
وحمل النظام مسؤولية التقصير الأمني الواضح، وأيضا خلق مناخ من الكراهية بين شرائح المجتمع المختلفة؛ بحجة محاربة الإرهاب، لافتا إلى أن النظام يستفيد من هذه العمليات لتخويف الأقباط؛ حتى يظلوا في حاجة دائمة إلى حمايته، ويهددهم برفع الحماية تماما عنهم، ويتركهم يواجهون الجماعات المتطرفة وحدهم إذا عارضوا توجهاته.
حادث فردي
لكن أستاذ العلوم السياسية، أحمد رشدي، رأى أن حادثة مقتل الكاهن سمعان شحاتة ليست مدبرة من قبل تنظيم متطرف، مرجحا أن تكون الواقعة نتيجة عمل فردي نفذه شخص مختل عقليا، ولا تندرج تحت بند الإرهاب؛ لأن الجماعات الإرهابية تستهدف الجيش والشرطة، وحتى عندما يستهدفون الأقباط فإنهم يهاجمون منشآت بها تجمعات بشرية كبيرة؛ لإحداث أكبر عدد من الإصابات، ولا يستهدفون كاهنا واحدا كما حدث في الجريمة الأخيرة.
وأضاف رشدي، لـ"عربي21"، أن المشكلة الكبرى هي أن الأقباط يعانون بالفعل من اضطهاد واضح، مشيرا إلى أن هذا الاضطهاد يبدأ من خطبة الجمعة والمناهج التعليمية، التي تزرع في الأطفال فكرة أن الأقباط كفار يجب قتلهم، على حد قوله.
وأكد أن هذه الجريمة الأخيرة هي نتيجة لأفكار شاذة ومتطرفة دخلت عقل المتهم؛ من خلال سماعه خطب معينة في المساجد، أو الانخراط مع أصدقاء متطرفين، وهذا ما جعله يقوم بقتل الكاهن.
وشدد على أن هذه الأحداث تثير قلق الأقباط داخل البلاد وفي المهجر، وتستغلها منظمات دولية للترويج بأن هناك اضطهادا للأقباط في مصر، لافتا إلى أن هذه الأمور يمكن علاجها عبر سن قانون حقيقي يضمن التعايش السلمي بين المصريين دون تمييز، وبعد أن يتم تجديد الخطاب الديني؛ كي لا يتسبب في خلق أفكار تكفيرية بداعي الدفاع عن الدين.