اطلعت على تصريحات للدكتور
محسن عبد الحميد نشرها موقع "عربي21" في حوار معه، بعد غياب طويل منه عن الإعلام.
وأورد الدكتور محسن الذي كان عضوا في مجلس الحكم برئاسة بول بريمر رئيس سلطة الاحتلال الأمريكي البريطاني في 2003، وشغل لفترة قصيرة منصب رئيس جمهورية
العراق؛ مغالطات ومجازفات وتزييفا للحقائق، ذكرتني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"، حتى قلت في نفسي: هذا الدكتور ليته سكت..
وكان من هذه المغالطات تكراره لأسطوانة مشروخة استعملت شماعة لتعليق فشل المتورطين في العملية السياسية لفترة طويلة، ولم تعد مقنعة لأحد الآن، وهي قوله: "إن سبب ما حصل للعرب السنة هو هيئة علماء المسلمين والشيخ الدكتور
حارث الضاري والمقاومة العراقية السنية الشريفة".
ولأننا كنّا شهودا ميدانيين على مجريات الأحداث، ولأن الواجب الشرعي الذي أمرنا الله به يقتضي الإدلاء بالشهادة وحرمة كتمانها، حيث قال الله سبحانه: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)؛ فقد رأيت من الضرورة بمكان، أن أذكر الدكتور محسن عبد الحميد، ومن يقف وراءه بالآتي:
يعلم الجميع بأن أصل العملية السياسية بعد الاحتلال كان نتيجة لتفاهمات مؤتمرات (المعارضة)، وأبرزها مؤتمرا: لندن وصلاح الدين.
وفي مؤتمر لندن بالذات، شاركت قيادات من الحزب الإسلامي، ثم زعموا أنهم انسحبوا منه، بسبب "أن التحالف الشيعي الكردي -على حد قولهم- لم يبق لنا أي دور في حكم العراق، فقد تقاسموا المناصب ولم يبق للسنة أي دور".
وهذه كلمة حق، تؤكدها تصريحات السفير الأمريكي الأسبق ريان كروكر، الذي أكد فيها أن الصفقة بهذا الخصوص كانت مع إيران، حيث قال: "إنني التقيت مع قاسم سليماني منذ عام 2002 في سويسرا، ممثلا عن إيران، للتفاهم على احتلال العراق ومساعدتهم في ذلك"، ولكن الحزب الإسلامي الذي تفوه بكلمة الحق هذه، لم يعمل بمضمونها فيما بعد، بل انحاز للعمل مع اتفقا على استهداف السنة في لندن وسنرى!!
بعد غزو القوات الأمريكية والبريطانية وبعض الدول الحليفة أرض العراق، دون موافقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تم إصدار قرار من مجلس الأمن يصف هذه القوات بأنها قوات احتلال، وكان هذا القرار بمنزلة منح الإذن الدولي للشعب العراقي المحتل بأن يقاوم الاحتلال، وبأن يدافع عن أرضه وعرضه، لأن المواثيق الدولية كانت تنص على ذلك، فضلا عن تعاليم السماء التي سبقت مجلس الأمن بمنح الشعوب هذا الحق، بنصوص معروفة من القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة.
وبالفعل، بدأ الشعب العراقي مقاومته في وقت مبكر، وكان طبيعيا أن تقف هيئة علماء المسلمين والشيخ حارث الضاري، مع الشعب العراقي في هذا الخيار، وتسانده، فهذا أقل ما يقدمه علماء الأمة لأمتهم.
ولكن الدكتور محسن رغم أنه في نظر كثير من علماء الأمة ومفكريها، لم يفعل ذلك، وعاب على الشعب مقاومته في مواطن عديدة، ليس ذلك فحسب، بل فاجأ الجميع في الشهر السابع من سنة 2003م، بظهوره في المنطقة الخضراء، ومشاركته العضوية في مجلس الحكم، الذي ولد من رحم الاحتلال، وغذي بعناصره الذين جلب معظمهم من خارج العراق، وكان فعله محبطا للجميع، فلم يكن يتصور أحد أن الدكتور محسن سيصل إلى هذا الموقف بهذه السرعة.
واليوم، فإن الدكتور بدلا من أن يقدم اعتذاره لشعب العراق عما جنته يداه -لا سيما أن أخبارا طرقت المسامع تؤكد أنه في مجالس عديدة أقر بأنه أخطأ وأعرب عن ندمه- ها هو ذا يعيد أسطوانته، ويتهم الهيئة والمقاومة الشريفة بالمسؤولية عما أصاب السنة، وهي تهمة ضمنية لمبادئ القرآن وللمواثيق الدولية التي اتفق عليها عباقرة العالم.
أود أن أذكر الدكتور محسن عبد الحميد، أنه دخل مجلس الحكم، ورضي بأن تكون حصة السنة 20 في المئة، وهم ضعف هذه النسبة قطعا، لأن نسبة العرب السنة 42 في المئة، ولم يكلف الدكتور نفسه باعتباره (ناصرا للسنة) أن يسجل اعتراضه ولو شكليا على هذه النسبة المجحفة، التي أتت على حقوق السنة من القواعد، سواء تحت قبة البرلمان المزعوم، أو في المحافل الدولية.
وأذكر الدكتور بأن الانتخابات الأولى جاءت عقب عزم القوات الأمريكية على ضرب مدينة الفلوجة، وحصل اجتماع برعاية هيئة علماء المسلمين في مقرها العام: جامع أم القرى.
وحضر الاجتماع أعداد كبيرة من علماء العراق، ومثل الحزب الإسلامي فيه الدكتور زياد العاني، واتفق الجميع على وثيقة وقعوا عليها بأسمائهم، وأسماء ما يمثلون من أحزاب وتشكيلات، بأن الفلوجة إذا ضربت أو أي مدينة عراقية أخرى فلن يشارك الجميع في الانتخابات.
ولكن الذي حصل، أن الفلوجة ضربت بعد ذلك، ودمرت عن آخرها، وخسرت آلاف الضحايا من أبنائها، ونفذ جميع أهل السنة تهديدهم، فلم يشاركوا في الانتخابات، إلا الحزب الإسلامي الذي كان الدكتور محسن على رأسه آنذاك.
نكل عن الاتفاق، وتراجع عن موقفه، وأعلن في مؤتمر صحفي عقده بهذا الصدد أنه سيشارك في الانتخابات، فمن الذي خذل السنة، وفرط بدمائهم؟!!
وأذكر الدكتور:
حين قرب موعد الاستفتاء على الدستور حصل اجتماع كبير أيضا، في المكان ذاته، وبالرعاية ذاتها، حضرته كل القوى السنية أيضا، وفي مقدمتهم الحزب الإسلامي، واتفق الجميع على رفض الدستور، لأنه يؤسس لتقسيم البلاد، ويغمط حقوق العراقيين والسنة منهم بشكل خاص.
وكتب بيان الرفض أحد أعضاء الحزب الإسلامي، الشيخ إياد العزي، بإملاء الشيخ حارث الضاري (رحمهما الله) بيمينه، وكان ذلك محبطا للإدارة الأمريكية، ومربكا لمشروعها.
وبدا في الأفق أمل بأن تنصاع الإدارة الأمريكية لمطالب السنة، ويكونوا الثلث المعطل من أجل ضمان مشاركتهم في الاستفتاء على الدستور.
وانبرى الحزب الإسلامي يثقف الجماهير على رفض الدستور، حتى شاعت كلمته حينها:
سنقول أكبر (لا) في التاريخ. الذي اغتالوا فيه (حسيب عارف العبيدي) و(مجيل الشيخ عيسى) حيث يعلم الدكتور محسن تفاصيل اغتيالهم السياسي والجهة القاتلة، ولا أعلم مصلحة صمته من وجهة نضره؟!
ولكن الذي حدث أنه قبل الاستفتاء بيومين خرج الأمين العام للحزب آنذاك الدكتور طارق الهاشمي بمفاجأة.
وقال: سنشارك في الاستفتاء، وسنقول نعم للدستور، فسبحان مغير الأحوال، في لحظة صارت اللاء نعم، وكنت يا دكتور محسن مساندا للهاشمي في هذا الموضوع حتى آخر نفس، وضيعتم على السنة فرصة ذهبية لتصحيح أوضاعهم.
والسؤال المنطقي بعد ما مر ذكره: من خذل السنة؟ وكيف يفسر الدكتور محسن خرق الإجماع السني من قبلهم؟!!!
هل الجهات التي كانت تحاور السنة في كل شأن، وتأخذ رأيهم، وتلتزم بالاتفاقات معهم، كما فعلت هيئة علماء المسلمين أم الحزب الإسلامي وشخصياته التي كانت تستجيب لطلبات الاحتلال، وتخرق من أجل ذلك كل الاتفاقات والالتزامات المبرمة مع السنة؟
وهنا، من الجدير القول: ما فائدة رفض المصافحة لجورج بوش في زيارتك غير المبررة أصلا لواشنطن في ذلك الوقت، لأنه -كما قلت- رئيس دولة الاحتلال، وأنت في العراق تمرر مشاريعه كلها، وتأبى أن تعرضه لأي موقف محرج، أو تأخذ حقوق أهلك منه!!
والسؤال الأهم: من قدم قوائم بأسماء أساتذة جامعات وكوادر تعليمة وطبية في
الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى وبغداد والبصرة إلى سلطة الاحتلال، لغرض شمولهم بالفصل من وظائفهم، بحسب قرار الاجتثاث، في الوقت التي حرّمت هيئة علماء المسلمين ذلك تحريما شرعيا لما فيه من ظلم للناس وهضم لحقوقهم؟
ومن الذي شارك في اعتقال قيادات وشباب المقاومة جنبا إلى جنب تحت ذريعة الحرب على القاعدة، ومن الذي سلم أسماءهم وعناوينهم وحتى أرقام هواتفهم للقوات الأمريكية في كل من الموصل والأنبار وديالى وبغداد وغيرها؟
ثم من عمل على اكتمال صورة تطويق العمل المقاوم في العراق في (2006- 2007) بإنشاء الصحوات، التي استهدفت شباب المقاومة في كل مكان تحت الذريعة نفسها، واعترف قادتكم جهارا نهارا، بأنهم كانوا خلف إنشاء مشروع الصحوات؟
بل كانوا يتباهون بذلك، والصحوات كما يعلم الجميع لم تستهدف سوى السنة مقاومين وغير مقاومين.
في الوقت التي كانت هيئة علماء المسلمين والشيخ الدكتور حارث الضاري يدعوان للمحافظة على المقاومة لإنشاء التوازن أمام الآخرين الذين لديهم مليشيات؛ ها أنتم تجلسون مع قيادات المليشيات المسلحة الملطخة أيديهم بدماء أهل السنة.
وأخيرا وليس آخرا:
ماذا قدمتم لأهل السنة وأنتم داخل العملية السياسية؟ وماذا قدمتم لأنفسكم سوى الامتهان لسياسييكم والانقسام إلى سنة مالكي وعبادي وهلم جرا؟! والحكم عليهم بالإعدام بعد الانتهاء من استخدامهم؟!
إنني أقول بلا تردد:
جاء الوقت الذي انكشفت فيه لكل ذي عينين حقيقة ما قمتم به، والعراقيون واعون ويعرفون تماما من صدقهم ومن خذلهم، ومن عمل لهم ومن خانهم، ومن استقام لهم ومن غدر بهم..
وما ذكرته غيض من فيض، وكان بمقدورك أن تلتزم الصمت، ولا تضطرنا للحديث، وكل ما أخشاه أن تضمر كلماتك هذه رغبة جديدة للدخول في العملية السياسية من جديد، وحينها سنقول لك احذر يا دكتور من قرار كهذا.
كنت أتمنى أن تكون شجاعا في الاعتذار من أهل السنة والاعتذار من الشيخ حارث الضاري رحمه الله، كما فعل الآخرون في حياته من الإساءات التي فعلوها بدلا من هذا الموقف.
وليعلم الجميع بأن الاحتلال وفي مقدمته إيران التي باتت اليوم كعبة تحج إليها قيادات الحزب الإسلامي لن تدوم والظالمون سيزولون، وسينصف الشعب العراقي الأخيار من غيرهم، وسيحاسب جميع من أساؤوا إليه.
عبد القادر النايل
باحث في الشأن العراقي