نشر موقع "ويرد" مقالا تحت عنوان "كيف كافح سوري واحد حتى الموت من أجل حرية الإنترنت؟" للصحافية أليس سو، تروي فيه قصة مهندس البرمجيات السوري الفلسطيني الأصل
باسل خرطبيل/ الصفدي، الذي أعلن عن وفاته في
سجون نظام بشار
الأسد بعد اختفاء في الاعتقال القسري مدة ست سنوات.
وتقول سو إن قصة هذا الرجل، الذي مات عن عمر 34 عاما، تبدأ من خلال علاقته مع مبرمج اسمه جون فيليبس، الذي التقى عام 2003 الصفدي، وهو الذي غير رؤيته والطريقة التي ينظر فيها للعالم، وكان فيليبس في ذلك الوقت متخرجا في مجال علوم الحاسوب والفن المرئي من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، مشيرة إلى أنه على خلاف زملائه المتخرجين من الجامعة، الذين بحثوا عن وظائف عمل في شركات الحاسوب الكبرى، فإن فيليبس اختار استخدام خبراته في مجال البرمجيات "لبناء مجتمع وجماعة"، ولهذا اختار البرمجيات المفتوحة، والتعاون يوميا مع غرباء لم يلتق بهم، والتحدث من خلال "إنترنت ريلي تشات"، الذي يستخدمه العاملون في تطوير البرمجيات للتحدث أثناء العمل على تطوير برامج معا.
وتشير الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن ظهر في يوم من الأيام أثناء عمل فيليبس على تطوير مجال مفتوح للقطات الفيديو اسم باسل، حيث كتب موضوعا للموقع ثم مضى هو وفيليبس لتطوير إطار برمجي للمدونين، أسماه مع فيليبس "أيكي" على اسم السحلفاة التي يملكها باسل، ولم يكن فيليبس يعرف من هو باسل، وأين يعيش وما هو شكله، لكنهما ظلا يعملان ويتواصلان معا، لافتة إلى أنه جمع معلومات في النهاية تشير إلى أن باسل يعيش في دمشق، وولد في
سوريا لأبوين فلسطينيين، وعلم فيليبس أن كلمة إن شاء الله تعني أن كل شيء بمشيئة الله، لكنها تعني أحيانا "لا"، وأنه لن ينجز شيئا، وعلم فيليبس اسم محاوره باسل خرطيبل أو الصفدي؛ لأن والديه من مدينة صفد.
وتقول سو إن فيليبس وخرطيبل التقيا في وقت من التفاؤل العظيم بالنسبة لدعاة "الثقافة المفتوحة" من أمثالهما، وكلاهما كان ناشطا في حركة "المشاع الإبداعي"، وهي حركة مكرسة للبرمجيات المفتوحة والتشارك الثقافي حول العالم، وتعامل خرطيبل مع الإنترنت والترابطية التي تقدمها من خلال رؤية كبيرة و"يوتيوبية"، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2009 نظم هو وخرطيبل مناسبة في جامعة دمشق تحت عنوان "الفن المفتوح والتكنولوجيا"، وكانت أول مناسبة مهمة للإنترنت تعقد في سوريا، وأول مرة يلتقي فيها فيليبس مع خرطيبل، ودعيا للمناسبة عددا من الفنانين، مثل النحات السوري مصطفى علي، وبعد كلمة ألقاها مدير "المشاع الإبداعي"، الذي حضر خصيصا من الولايات المتحدة، وقف الفنانين كلهم وتعهدوا بوضع فنهم في المجال العام ولفائدة الجميع.
ويعلق فيليبس قائلا: "كانت مناسبة جميلة وحدثت بالفعل"، وبالنسبة لخرطيبل فإنها كانت المناسبة الكبرى له لتقديم الفن والثقافة السورية على الإنترنت، حيث اعتبر الشبكة العنكبوتية قوة ثورية سلمية.
وتلفت الكاتبة إلى أنه بعد ستة أعوام كان باسل خرطيبل ميتا، حيث اعتقله الأمن السوري في 15 آذار/ مارس 2012، وتم التحقيق معه وتعذيبه واعتقاله في سجن صديانا وعدرا، واعتبرت مجموعة العمل في الأمم المتحدة للاعتقال العشوائي أن احتجازه يعد خرقا للقانون الدولي، ودعت للإفراج عنه، لكن دون جدوى، ثم اختفى في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، دون بيان من الحكومة حول مكان وجوده، وبدات عائلته وأصدقاؤه هاشتاغ الحرية لباسل؛ أملا في أنه لا يزال على قيد الحياة في مكان ما، وفي الأول من آب/ أغسطس أعلنت خطيبته المحامية في مجال حقوق الإنسان نورا غازي الصفدي عن وفاته، وكتبت على صفحة "فيسبوك": "لقد أعدم بعد أيام من نقله من سجن عدرا في تشرين الأول/ أكتوبر 2015"، وأضافت: "شكرا لكم فقد قتلتم حولي، شكرا لكم فبفضلكم كنت عروس
الثورة، وبفضلكم صرت أرملة يا خسارة سوريا، يا خسارة فلسطين يا خسارتي".
صناعة الثورة الرقمية
وينوه الموقع إلى أن باسل خرطيبل ولد عام 1981 لكاتب فلسطيني ومعلمة للبيانو، وتعلم اللغة الإنجليزية في عمر العاشرة، مستخدما "سي دي – روم" على حاسوب والده، وحصل على حاسوبه الشخصي في سن الحادية عشرة هدية من أمه، وقضى حياة الصبا يتعلم البرمجيات وترجمة الكتب التاريخية، منها واحد عن تاريخ الشرق الأوسط القديم والأسطورة الإغريقية، مشيرا إلى أن باسل لم يكن قد بلغ العشرين عندما بدأ يعمل على برنامج ثلاثي الأبعاد لإعادة بناء مدينة تدمر الآثارية على العالم الافتراضي، وتعاون في هذا المجال مع عالم الآثار المعروف والخبير في تدمر خالد الأسعد.
وتذكر سو أنه مع بداية العقد الاول من الألفية الثانية، عندما بدأ باسل يهتم بالإنترنت كانت الترابطية محدودة في العالم العربي، لكن مجموعة من الشباب العرب في العشرينيات من عمرهم ومن أبناء المدن على الأغلب آمنوا بالإنترنت ورؤية المشاع الإبداعي حول التعاون والترابط والتشارك، وفي شهر رمضان نظمت "المشاع الإبداعي" إفطارا، حيث أفطر المشاركون وهم يناقشون الشعر والتجارة، ونظمت المنظمة في تونس حفلا موسيقيا شارك فيه فنانون من أنحاء العالم العربي، وسجلوا ألبوما وزع عبر رخصة "المشاع الإبداعي"، وكانت الرؤية تقوم على العمل معا والبناء والتشارك، بدلا من الاحتفاظ بالمعرفة للربح والإبقاء على المجتمعات مغلقة، وكان باسل من أشد المؤمنين والداعين لهذا الأمر.
ويفيد الموقع بأن باسل ودونتيلا ديلا راتا، التي كانت تقوم بأبحاث حول سوريا، والمديرة الإقليمية لـ"المشاع الإبداعي"، قاما في عام 2005 بإنشاء "إيكي لاب"، الذي لم يكن سياسيا، إلا أن باسل كان يقوم بالعمل مع المجموعات، ويدرس الأطفال التشفير، وكانت هناك إمكانيات في المهارات التي يدرسونها، ولم يكن الأمن السوري يعرف بها بعد، حيث تقول ديلا راتا: "قبل الثورة لم تكن تستطيع التجمع في المكان العام دون موافقة المخابرات"، وتضيف: "كانوا يخافون من تجمع الناس في أماكن مثل دور السينما والمقاهي، وعمل أي شيء غير لعب الورق"، مستدركا بأن باسل كان يعرف بإمكانيات الإنترنت، وفي عام 2009، وعندما كانت قناة "الجزيرة" القناة الوحيدة التي لها مراسلون على الأرض، وتقوم بتغطية الأحداث في غزة، أقنعها باسل بنشر أفلام فيديو على في "المشاع الإبداعي"؛ حتى يعرف بقية العالم ما يجري.
وتقول ديلا راتا: "كونك مواطنا رقميا" لا يعني أن لديك العديد من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن عن تقوية الناس من خلال ربطهم وإعلامهم، "وهي ليست عن كتابة موضوعات لا قيمة لها على (فيسبوك)"، لكن "عن الثقافة المتجذرة عميقا في الناس مثلنا ممن يستخدمون الإنترنت ويعتقدون أننا متساوون"، وفي منطقة تعاني من تباين في المستويات والفساد، فإن هذه الأفكار خطيرة "إنها عن ثقافة التشارك، ولهذا السبب قتل باسل" كما ترى ديلا راتا، وتواصل قائلة: "في هذه المنطقة، التي تدار من أنظمة شمولية، فإنها تعمل كلها لتقسيم الناس في الوقت الذي كنا نعمل فيه لتوحيدهم".
ليست عنك
وتشير الكاتبة إلى أنه في عام 2011 اندلعت التظاهرات الشعبية في العالم العربي، التي قادها الشباب، وطالبت بالإطاحة بالحكومات في مصر وتونس واليمن وليبيا والبحرين وسوريا، والتقى عاصم حشمو، المصور الذي سجن مرتين لمشاركته في التظاهرات، باسل في شباط/ فبراير 2011، في تظاهرة أمام السفارة الليبية، حيث لم تندلع بعد التظاهرات في سوريا، وفي 15 آذار/ مارس 2011، وبعد الشعارات التي كتبها أولاد في درعا يطالبون برحيل النظام، بدأت التظاهرات السلمية "لأول مرة تشعر بالشجاعة"، كما يقول حشمو، ويضيف: "لم يكن أحد يخاف من شيء؛ لأننا كنا على قلب رجل واحد، وكنت تذهب للاحتجاج، وهناك قوة الشعب، وبعدها نذهب للمقاهي ونتحدث عن السياسة، ولم يحدث هذا الأمر من قبل، وتفكر وتقول أريد الآن أن أقف مع ضميري".
وبحسب الموقع، فإن تمام العمر التقى مع باسل عام 2011، ويتذكر كيف قدم لمتظاهرين متعبين كيسا مليئا بشوكلاتة "سنيكرز"، ويقول: "أتذكر البهجة في عينيه، لقد كان مثل احتفال"، والتقى باسل مع نورا غازي في أحد الاحتجاجات، وراقب العمر الحب بينهما ينمو في وقت زاد فيه القمع الحكومي، وتظهر نورا في فيديو جالسة في حضن باسل وهي تقبله وتمزح معه: "حقيقة أحببنا بعضنا ونناسب بعضنا، ونريد العيش معا"، وقال باسل: "نخشى على عائلاتنا أكثر من خوفنا على أنفسنا".
وتقول سو إنه بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2011، وصل عدد القتلى من الاحتجاجات، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، إلى 5 آلاف شخص، لكن باسل خرطبيل وغيره اعتقدوا أن توثيق ونشر ما يجري في سوريا وبأسمائهم الحقيقية سيجعل العالم يهرع لنجدتهم.
ويعلق حشمو قائلا: "ظننا أنه لو قمنا بنقل ما يحدث لشبكات الإعلام الدولية، ورأت الأمم المتحدة ذلك فسينتهي كل شيء"، ويضيف حشمو: "بعد ذلك اكتشفنا أن العالم كله كذب، والإنسانية كذبة".
ويلفت الموقع إلى أن الناشط في لبنان محمد نجم ساعد على إرسال "آيفون" بكاميرات ليتمكن باسل من تصوير وإرسال اللقطات للإعلام الدولي، في وقت لم يكن يسمح فيه باستخدام "أيفون" في سوريا، ويقول نجم عن باسل إنه "كان في مهمة في دمشق، وللتأكد من وصول أصوات الناس وإسماعها"، ويتذكر كيف قال باسل لفيليبس إنهم بحاجة لهواتف بكاميرات؛ "لأنها أقوى بمئة مرة من البندقية".
وتذكر الكاتبة أن العمر كان يقوم بعمل ملصقات للثورة، حيث يقول: "شجعني نشر الفن دون حقوق مؤلف"، وقال له باسل: "الملصق هو الثورة، وهو ليس عنك، بل عن سوريا والشعب كله"، وكان باسل يرسل الصور واللقطات التي يلتقطها بالـ"آيفون" عن التظاهرات للعالم الخارجي، بشكل جعله في مرمى الحكومة، لكنه كان هادئا.
وتبين سو أنه مع زيادة الخطر بدأ هو والعمر يلتقيان في أماكن سرية كل ثلاثة أيام، وأحيانا ينامان في المكان ذاته، يطبخان ويأكلان ويتداولان الصور، ويعودان بعد ذلك إلى مخبئهما، وكانوا كلهم مطلوبين، وعندما كان الأمن يعتقل أحدهم يقوم باسل بحذف حسابهم على "فيسبوك"؛ حتى لا يصل الأمن لرسائلهم، وخلال هذه الفترة تم إغلاق "إيكي لاب"، حيث وصل الأمن إليه.
ويورد الموقع أن فيليبس يتذكر وضع باسل، وكيف أنه كان مشغولا بما يجري في بلده، وكان دائما على الهاتف، "ويقول والدي دون ماء"، و"أمي تقول هناك تفجير"، و"يجب أن أعود"، وكانت آخر مرة رأى فيها فيليبس زميله هي في وارسو أثناء لقاء لـ"المشاع الإبداعي" عام 2012، في ليلة كانا يتناولان المشروبات، حاول فيليبس إقناعه ألا يعود إلى سوريا، قائلا: "صرخت عليه: لا تذهب ستموت يا رجل"، فكان رده: "لا يهم إن مت"، وبدأ فيليبس يبكي عندما قال باسل: "سأعود لمساعدة شعبي ولو مت فليكن"، ويقول فيليبس: "لهذا تؤلمني وفاته كثيرا".
الاعتقال
وتشير الكاتبة إلى أنه تم اعتقال باسل في مكتبه يوم 15 آذار/ مارس 2012، أي قبل أيام من زواجه ونورا، واحتجز في مكان مجهول، ومن ثم اقتيد إلى سجن عدرا عام 2013، وهناك التقى المصور وصانع الأفلام الوثائقية وليد سعد الدين، حيث اعتقل وعذب، ويقول: "لم أكن محتجا، لم تكن معي بندقية، فقط كاميرا وحاسوب محمول وهاتف نقال"، واعتقل في البداية مع 120 شخصا في غرفة ضيقة، لا تزيد مساحتها على 10 أقدام طولا و20 عرضا، وكان المركز عسكريا في منطقة القزاز في دمشق"، ويصفه بالقول: "كان مزدحما جدا، ولا تستطيع النوم فيه، وكان يموت شخص كل يومين بسبب المكان".
وتلفت سو إلى أنه تم التحقيق مع سعد الدين بسبب صوره، ويقول: "كانوا يضربوننا واستخدموا الكهرباء ويعذبوننا ولم يعرف أحد ما كان يجري لنا"، ويضيف: "لم يكن هناك اتصال مع العالم الخارجي"، وكان معهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 أو 13 عاما وكذلك نساء، مشيرة إلى أنه عندما نقل إلى سجن عدرا فإن ذلك كان تحسنا في وضعه؛ لأنه سجن مدني، وقضى سعد الدين وباسل عامين وثلاثة أشهر في القسم ذاته، حيث كانا يلتقيان كل يوم، وأعاد باسل صلته بالعالم الخارجي، وجرى له عقد زواج مع نورا من خلال قضبان السجن، وعاد للكتابة إلى فيليبس، ووصف له زنزانة 26، التي لا يتجاوز حجمها مترين في متر، وقضى فيها 9 أشهر، ولم يكن فيها نور، ويقول: "قررت أن أنهي حياتي في زنزانة 26، بعد ثمانية أشهر دون نور أو أمل، وبعد ذلك عدلت عن الفكرة عندما فكرت بعيون نورا، وشعرت بأنني ساشاهدهما مرة ثانية، تغيرت اللحظة وأنقذت حياتي وشحنتني بالقوة".
ويورد الموقع أن باسل أرسل إلى "إلكترونيك فرونتير فاونديشن" ساخرا من جهل الحرس وإدارة السجن بالتكنولوجيا، وطلب المساعدة منه كلما واجه المسؤولون مشكلة، قائلا: "أعيش في مكان لا يعرف فيه أحد أي شيء عن التكنولوجيا، وفي بعض الأحيان تواجه إدارة السجن مشكلات على أجهزة حاسوب (وين8)، ولهذا ينادونني لحلها، وفي كل شهر أحصل على فرصة للجلوس أمام الحاسوب لبضع ساعات، ويجب أن أبرمج لهم تطبيقا للتعرف على البصمات، ويجب أن يكون صورة؛ لأنه لم تتم برمجة لغة عليه، وكانت أول مرة لي أمام جهاز مايكروسوفت، ولهذا قضيت ساعتين للتعرف على التكنولوجيا، وأربع ساعات لكتابة الشيفرة، ودقيقة لكراهيتها، ولا تخبر أحدا بهذا الأمر".
وتفيد الكاتبة بأن باسل كتب عن خوف الأنظمة الديكتاتورية من التكنولوجيا وخطرها على استمراريتها، وقال إن مواصلة زملائه البرمجة تجعله يشعر بالحرية "فالسجن قيد جسدي مؤقت"، وطلب باسل من نجم فتح حساب على "تويتر"، ومدون باسم "أنا في السجن السوري"، وكتب الـ140 رمزا المسموح بها تغريدة وهربها ليقوم صديقه اللبناني بطباعتها ونشرها، وقال: "لا نستطيع محاربة السجن دون ذاكرة أو خيال هاشتاغ سوريا هاشتاغ أنا في السجن السوري"، وغردها في 5 نيسان/ أبريل 2014، وفي السجن علم باسل وسعد الدين بعضهما، فالأخير درسه اللغة العربية الفصحى، وكتب أشعارا، فيما رسم باسل الرسوم، وناقشا الفن والأدب من سلفادور دالي وغارسيا ماركيز وعبد الرحمن منيف ودان براون، ولم يكن سعد الدين يعرف اللغة الإنجليزية ليقرأ الكتب التي كانت بحوزة باسل، لكنه كان ينتظر انتهاء باسل من ترجمة كتاب لورنس ليسيج "الثقافة الحرة" إلى اللغة العربية، وكان قد انتهى من ترجمة كتاب كارل فوغل "إنتاج برنامج المجال المفتوح".
إعدام
وتقول سو: "في خارج السجن انتشرت الثورة، وزادت قوة جبهة النصرة، وضرب النظام الغوطة الشرقية عام 2013، وفي عام 2014 أعلن تنظيم الدولة عن (الخلافة)، ليبدأ التحالف الدولي بضربه في العراق وسوريا، وفي عام 2015 تدفق اللاجئون السوريون بأعداد كبيرة على تركيا ولبنان والأردن، وفي 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2103 جاءت الشرطة العسكرية إلى عدرا، وقرأت عشرة أسماء كان باسل منها، وطلب منهم ارتداء بيجامتهم وأخذ حاجاتهم التي يستخدمونها للنظافة ليس إلا، ويقول سعد الدين إن أي شخص يؤخذ بهذه الطريقة لا يعود، (معروف هذا هو الطريق للموت)".
وينوه الموقع إلى أن باسل لم يظهر الخوف إلا نادرا، لكن في تلك اللحظة كان كلاهما خائفين، حيث يتذكر سعد الدين قائلا: "عندما ستختفي وهذه هي اللحظة الحقيقية وكنا نعرف أنه لن يعود، شعرت أنها أصعب لحظة في حياتي"، وأضاف: "حدث كل شيء في دقيقة"، ولم يستطع أي منهما الحديث للآخر، رغم ما كان بينهما من صلة وثيقة، "لقد أخذوه وبعد ثلاثة أيام احتل سريره شخص آخر".
وتذكر الكاتبة أنه بعد اختفائه صعدت حملة الحرية لباسل الجهود المطالبة بإطلاق سراحه، وكتب مؤسس "ويكيبديا" جيمي ويلز مقالا لصحيفة "الغارديان"، ونشرت "المشاع الإبداعي" كتابا يحتوي على مقالات "ثمن الحرية"، بما في ذلك مقابلة متخيلة مع مخرج مسلسل "ستار تريك"، وطالبوا بأن يكون باسل شخصية في سلسلة 2017، ودفع فيليبس باتجاه إحياء مشروع باسل حول البعد الثلاثي لتدمر.
وتفيد سو بأنه في عام 2015 سيطر تنظيم الدولة على مدينة تدمر، وذبح مقاتلوه عالم الآثار الأسعد، ولم يكن فيليبس يعرف في ذلك الوقت أنه بعد خمسة أشهر من القتل قامت الحكومة السورية بإعدام باسل خرطبيل، وكان عمره 34 عاما.
في الشتات
وتقول الكاتبة إنه "عندما انتشرت أخبار مقتل باسل خرطبيل الشهر الماضي، كان أصدقاؤه إما قتلوا أو سجنوا أو هربوا من سوريا، ولم يبق شيء من الثورة التي خرجوا من أجلها للشوارع، وغادر حشمو سوريا بعد فترة ثانية في السجن، وبعد فترة في لبنان ساعد فيها اللاجئين سافر إلى فرنسا، حيث يعيش في ستراسبورغ ويتعلم اللغة الفرنسية، حيث يقول: (كل يوم أذهب لزيارة الأصدقاء نتبادل الدروس اللغوية، وأتناول كأس بيرة، وبالطبع أفكر بسوريا)، ويضيف: (لا أستطيع البقاء هنا، وبالضرورة لا أستطيع العودة)".
ويلفت الموقع إلى أن سعد الدين يعيش في اسطنبول، حيث عمل مع منظمة حكومية لمساعدة الأطفال السوريين، لكنه يقوم الآن بإعداد فيلم عن حياة النساء السوريات في تركيا، مشيرا إلى أن نجم لا يزال يدرب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان، مع أنه يقول إن الحكومات منذ عام 2011 تبنت قوانين مشددة باسم مكافحة الإرهاب.
وتذكر سو أن العمر (31 عاما) أصبح لاجئا في فرنسا، حيث غادر سوريا في حزيران/ يونيو 2014، بعد معاناة السجن والتعذيب، وكان أسوأ شيء عندما سمع عن وفاة باسل أنه لم يجد من يعبر عن حزنه معه في الغربة، حيث يقول: "كلنا نعيش في دول مختلفة، باسل مات ولم يكن أحدنا بجانبه، ولم يقدم له أحد منا وردة، ولا توجد غرفة للجلوس معا، وكل ما لدينا اليوم (سكايب) و(واتساب)، وأتحدث مع صديقي في كندا وصديقنا ذهب ولا نستطيع الحزن معا"، ويضيف: "هذا مثل الثورة، ضاعت وتحطمت ولا مكان لها".