نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا لمراسلتها في بيروت بيثان ماكيرنان، حول معاناة السجينات في
سجون رئيس النظام السوري بشار
الأسد.
وتبدأ الكاتبة تقريرها بقصة امرأة أطلقت عليها اسما مستعارا هو زاهرة، حيث أن زاهرة كان عمرها 45 عاما عندما ألقي القبض عليها عام 2013، مشيرة إلى أنه عندما وصلت زاهرة إلى قاعدة المزة الجوية تم تفتيشها تفتيشا عاريا، وربطت بسرير، حيث قام خمسة جنود باغتصابها، وتم اغتصابها أو تهديدها بالاغتصاب مرات عديدة على مدى الأسبوعين اللاحقين.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن زاهرة قولها إنه خلال التحقيق تم اغتصابها واختراق "كل فتحة في جسدها"، وقام جندي بتصوير ذلك، وهددها بأن يعرض الفيلم على عائلتها ومجتمعها.
وتشير الصحيفة إلى أنه على مدى الخمسة أشهر التالية تم نقل زاهرة إلى أكثر من مقر، وبالإضافة إلى العنف الجنسي الوحشي المتكرر، فإن زاهرة تعرضت للضرب، لافتة إلى أنه تم صعقها بالكهرباء وضربها بخرطوم ماء في إحدى المرات، وتم تعليقها من رجليها لأكثر من ساعة وضربت على وجهها في مرة أخرى.
وتلفت ماكيرنان إلى أن زاهرة كانت تسجن انفراديا بين جلسات التحقيق في المزة في زنزانة لا تزيد مساحتها على متر مربع، ولا يدخلها نور الشمس، مشيرة إلى أنها كانت تنام في فرع المخابرات العسكرية رقم 235، في غرفة طولها أربعة أمتار وعرضها ثلاثة أمتار مع 48 امرأة أخرى، وكانت مكتظة لدرجة أن النساء كن ينمن بالتناوب، حيث كان يسمح لهن باستخدام المراحيض مرة كل 12 ساعة، والاستحمام مرة كل 40 يوما.
ويفيد التقرير بأنه لم يطلق سراح زاهرة من سجن عدرا سيئ الصيت إلا بعد أن تدهورت صحتها وفقدت الوعي، فنقلت إلى المستشفى، حيث خشي سجانوها أن تكون قد ماتت، ولدى وصولها الى المرفق الطبي اكتشف الأطباء أنها تعاني من التهاب الكبد والالتهاب الرئوي وفقر الدم، وكان عليها البقاء في المستشفى لمدة أربعة أشهر؛ لإجراء عمليات جراحية لإصلاح المسالك البوليه لإيقاف السلس في البول والبراز، الذي أصابها بسبب الاغتصاب المتكرر.
وتعلق الصحيفة قائلة إن "قراءة قصة زاهرة أمر صعب، فمن الصعب على الكثير منا تخيل ما مرت به، لكن زاهرة وعشرات النساء الشجاعات شاركن قصصهن مع شبكة من الأطباء والمحامين السوريين في المنفى، حيث قاموا بتوثيق ما حصل لهن في سجون بشار الأسد في تقرير جديد".
وتذكر الكاتبة أن الحكومة قامت باعتقال امرأة حامل؛ لأنها كانت تشك في أن زوجها كان يوفر الدواء للثوار، حيث وصفت كيف تلاحقها أشباح ما رأته من جثث الموتى الملطخة بالدم تجر في ممرات السجن، وما سمعته من صرخات المسجونين تحت التعذيب.
ويورد التقرير ما ترويه سجينة سابقة أخرى عن كيفية بقائها في زنزانة مظلمة مع رفات سجينة أخرى، حيث تركت في الزنزانة شفرة بشكل متعمد، واستخدمتها محاولة الانتحار.
وتؤكد الصحيفة أن هذه الجراح الجسدية والنفسية ستؤثر على النساء طيلة حياتهن، حيث تشعر الكثير منهن بالعار، لافتة إلى أن علاقتهن تغيرت بعائلاتهن وبمجتمعاتهن؛ بسبب الوصمة المرتبطة بالاعتداءات الجنسية والاغتصاب.
وتستدرك ماكيرنان بأن هؤلاء النساء يأملن بأن يتحول تسليط الضوء على ما يحصل في
معتقلات الأسد إلى ضغط دولي للسماح للمفتشين الدوليين بدخول
سوريا لتتوقف الحكومة عن التصرف دون مساءلة، مشيرة إلى أن ما تعنيه شهادتهم أيضا هو إمكانية تعرض المسؤولين في الحكومة السورية والشرطة والجيش للمساءلة بخصوص أفعالهم في أي محاكمات، بتهمة ارتكاب جرائم حرب مستقبلية محتملة.
وينقل التقرير عن أحد أعضاء منظمة محامين وأطباء من أجل حقوق الإنسان السورية في غازي عنتاب، قوله: "يقول المحامون الدوليون إن هذه (القصص) قد تكون أقوى الأدلة لدينا.. فهذه إحدى أفضل الفرص لتحقيق العدالة في هذه الجرائم ضد الإنسانية".
وتذكر الصحيفة أن محامية الادعاء العالمية المشهورة كارلا ديل بونتي، استقالت من منصبها في لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، التي تحقق في انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب الأهلية السورية؛ لعدم وجود محاكمات، وقالت للإعلام إنها استقالت لأن "الدول الأعضاء في مجلس الأمن لا تريد العدالة".
وتنقل الكاتبة عن المحامية، قولها إنه كان على مجلس الأمن أن يعين محكمة شبيهة بالمحكمة التي نظرت في الجرائم التي وقعت في رواندا، وتلك التي نظرت في الجرائم التي وقعت في يوغوسلافيا سابقا، وهو القرار الذي استخدمت روسيا حق الفيتو ضده، وأضافت أن لجنة التحقيق جمعت آلاف المقابلات والوثائق الأخرى لجرائم حرب محتملة ارتكبتها الأطراف جميعها في الحرب في سوريا، إلا أنه لا جدوى من هذا العمل دون وجود محكمة.
وقالت المحامية: "لم نحقق أي نجاح أبدا" في محاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا، وأضافت: "اصطدمنا بالجدران على مدى خمس سنوات".
وبحسب التقرير، فإن المحامين بدأوا بالتفكير بأساليب أخرى؛ بسبب عجز الأمم المتحدة، ولعدم احتمال قيام محكمة دولية لمحاكمة مرتكبي الجرائم التي وقعت خلال الحرب الأهلية السورية.
وتنوه الصحيفة إلى أن محكمة إسبانية قامت في النظر في قضية تعذيب أدت إلى وفاة سائق شاحنة، يبلغ من العمر 43 عاما، وذلك عن طريق شقيقته التي تحمل الجنسية الإسبانية، حيث يسمح لها القانون برفع القضية في المحاكم الإسبانية، إذ أنه بموجب القانون الدولي فإن أقرباء الضحايا يحق لهم رفع قضية في بلد إقامتهم، لافتة إلى أن قبول القاضي الإسباني النظر في القضية اعتبر نقطة مهمة، حيث يفتح الباب أمام مقاضاة مسؤولين سوريين كبار.
وتبين ماكيرنان أن ضحايا وناجين سوريين في ألمانيا قاموا برفع قضايا مشابهة هناك، بناء على التحقيق الذي قام به المركز الأوروبي لحقوق الإنسان والحقوق الدستورية.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أنه يعتقد أن أكثر من 65 ألف شخص قضوا في سجون النظام السوري على مدى الستة أعوام الماضية، وأن آلافا آخرين واجهوا معاملة قاسية خلال الاعتقال.