في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو أحداث المسجد الأقصى، تعمل الحكومة
الإسرائيلية على إحداث تغيير في الحدود التي تضعها للقدس، لإحداث تغييرات ديموغرافية (سكانية)، تعتمد على زيادة عدد المستوطنين وتقليص عدد
الفلسطينيين، عبر ضم مستوطنات إلى منطقة نفوذ بلدية الاحتلال في
القدس، وإخراج تجمعات فلسطينية من حدود البلدية.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد أعلن عن دعمه لمشروع قانون يسمح بزيادة منطقة نفوذ بلدية الاحتلال في القدس، بحيث تشمل مستوطنات: "معاليه أدوميم" و"بيتار عيليت" و"غفعات زئيف" و"أفرات"، والكتلة
الاستيطانية "غوش عتيسون"، لزيادة عدد اليهود في القدس.
وكان الكنيست قد صادق، الأربعاء، على تعديل "قانون أساس القدس"، والذي سمح بإقامة سلطة إقليمية جديدة خارج بلدية القدس؛ لقرية كفر عقب، ومخيم شعفاط للاجئين، على أن تبقى تحت السيادة الإسرائيلية. ويعيش في البلدة والمخيم أكثر من 120 ألف فلسطيني.
ومخيم شعفاط وبلدة كفر عقب هما بالأصل جزء من بلدية القدس، لكن تم فصلمها عن المدينة بواسطة الجدار العنصري. وهما يشهدان حالة من الإهمال والاكتظاظ السكاني والفقر.
ووفق معطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، فقد بلغ عدد اليهود في القدس نحو 542 ألفاً (63 في المئة)، مقابل 324 ألف فلسطيني (37 في المئة). إلا أن الفحص الدقيق للوضع الديموغرافي الذي أجراه اتحاد المياه البلدي الإسرائيلي (جيحون)، يكشف أن هذه المعطيات لا تشمل عشرات آلاف الفلسطينيين الآخرين الذين يعيشون داخل حدود المدينة، وبالتالي قد تقل نسبة اليهود إلى حوالي 59 في المئة.
تقليص الفلسطينيين إلى 12 في المئة
وفي هذا السياق، قال رئيس لجنة مقاومة الجدار والاستيطان في مخيم شعفاط، خضر الدبس، إن كل الإجراءات الإسرائيلية منذ عام 1974 تهدف إلى تقليل عدد السكان المقدسيين إلى ما يقارب 12 في المئة من عدد السكان في مدينة القدس.
وتابع في حديث لـ"
عربي21"، أن "هذه الإجراءات عملت بها كافة المؤسسات الإسرائيلية، سواء مدنية أو عسكرية أو خدمية، من خلال تشكيل لجنة خاصة لتهويد مدينة القدس"، مضيفا أن "سلطات الاحتلال تمارس الضغوطات بحق المقدسين، وجلب الغرباء من الخارج وإسكانهم في مدينة القدس"، وصولا إلى "بسط السيادة (الإسرائيلية) على كل الأحياء المقدسية".
وأوضح أن مشروع القرار الأخير المتعلق بفصل مخيم شعفاط وبلدة كفر عقب عن القدس، يأتي لتعدداهما السكاني الكبير والذي يقارب 120 ألف نسمة، أي ثلث السكان الفلسطينيين الذين يحملون الهوية المقدسية.
"تطفيش" المقدسيين
بدوره، قال رئيس هيئة الجدار ومكافحة الاستيطان، وليد عساف، إن مشروع القانون الإسرائيلي، الذي من ضمن ما يهدف إليه إخراج المخيم والبلدة من حدود القدس، له "انعكاسات خطيرة جدا، فإسرائيل تخطط استراتيجيا للقضاء على السكان المقدسين داخل المدينة المقدسة، وتقليص نسبتهم عن طريق بتر هذه الأحياء وإخراج سكانها منها، عبر الضغوط المختلفة، وتحويل نسبة الفلسطينيين إلى 12 في المئة، لتحويلها إلى مدينة يهودية، وتطفيش أهلها، وعزلها عن محيطها العربي، ومنع قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس".
وأوضح عساف في حديث لـ"
عربي21"؛ أن نتنياهو يسعى إلى السيطرة على الأراضي وتحويلها لأراض عامة وحدائق وبناء استيطاني، ويحرم الفلسطينين من التوسع والبناء وممارسة حياتهم الطبيعية "من أجل السماح لليهود الأجانب بالهجرة لفلسطين".
ولفت إلى أن المخطط الإسرائيلي يقوم على ثلاث دوائر: الدائرة الأولى هي داخل البلدة القديمة، ويحاول الإسرائيليون منذ عام 1967 الاستيلاء عليها، حيث قاموا بهدم حي المغاربة، وإقامة حي يهودي بدلا منه، لكن لم يستطيعوا إقناع الفلسطينيين ببيع أراضيهم.
وأشار إلى أنه خلال 50 سنة ماضية، استطاع اليهود أن يسيطروا على 60 عقارا من أصل 3 آلاف عقار، "وهذا يؤكد تمسك الفلسطينيين بالقدس، وقدرتهم على إفشال المخطط الصهيوني لجعل البلدة مشتركة بين الفلسطينيين والمستوطنين"، على حد قوله.
أما الدائرة الثانية التي تحدث عنها عساف، فهي الأحياء القديمة المحيطة، مثل حي سلوان وشعفاط، والتي استهدفت بعمليات تزوير كثيرة وسيطرة على المباني والممتلكات الفلسطينية؛ من أجل تكوين أغلبية يهودية في هذه الأحياء.
وتشمل الدائرة الثالثة الغلاف الخارجي للمدينة، حيث تم بناء مجموعة كبيرة من المستوطنات التي تشكل الغلاف الخارجي للمدينة، مثل مستوطنة "جيلو"، والهدف منها، بحسب عساف، فصل مدينة القدس عن المدن الفلسطينية، وحتى لا تكون عاصمة للدولة الفلسطينية.
المقدسيون يتزايدون
وأكد رئيس هيئة الجدار ومكافحة الاستيطان؛ أن الفكرة الأساسية من الإجراءات الإسرائيلية هي إحداث تفوق ديموغرافي لليهود، منوها إلى أن كل الإجراءات التي قام بها مند عام 1967 حتى الآن فشلت في وقف الزيادة العربية بالمدينة، حيث كان عدد السكان العرب في القدس الموحدة (الشرقية والغربية)، حوالي 21 في المئة، وأصبحوا عام 2017 نحو 42 في المئة، كما قال.
وأوضح أن ذلك دفع الاحتلال إلى بناء الجدار حول المدينة، وسحب بطاقات الهوية من الفلسطينيين، حيث سحبت أكثر من 15 ألف بطاقة، "ومع كل هذه الإجراءات الفلسطينيون يتزايدون، وبالتالي هذا يشكل خطرا كبيرا على العوامل التي تريد إسرائيل أن تجعلها عاصمة لها"، وفق تعبير عساف.
إلا أن عساف أشار إلى أنه في حال تم احتساب سكان العيزرية وأبو ديس وعناتا والرام والسواحرة والشيخ سعد والشيخ زعيم، وهي الأحياء الفلسطينية المجاورة للقدس، يصبح أعداد الفلسطينيين أكثر من 50 في المئة من عدد سكان القدس الموحدة.
وتابع قائلا: "لجأت إسرائيل إلى إخراج الأحياء العربية، ثم لجأت إلى دفع السكان القاطنين داخل أسوار مدينة القدس إلى الخروج؛ من خلال التضييق عليهم بموضوع التأمين الصحي ومنع رخص البناء، ولذلك اضطر المقدسيون للبناء في الأحياء المجاورة للقدس".
ويشير عساف إلى المفارقة التي توضح ما يجري، بقوله: "مخيم شعفاط يبعد كيلومترين عن القدس ويعتبره الاحتلال خارج مدينة القدس، بينما مستوطنة معالي أدوميم التي تبعد 10 كيلومترات عن القدس يعتبرها داخل القدس".