قوبلت إجراءات بنك
الجزائر (
البنك المركزي) لتعويم العملة المحلية جزئيا (الدينار)، على غرار مصر والمغرب، بانتقادات حادة من قبل الخبراء والاقتصاديين، على الرغم من تأكيد الحكومة أن تحرير سعر الصرف، سيعمل على امتصاص آثار تهاوي أسعار النفط الذي يشكل 95% من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي.
وكان محمد لوكال، محافظ بنك الجزائر (البنك المركزي)، أكد في تصريحات خلال منتدى
اقتصادي أفريقي، نهاية الأسبوع الماضي، أن
تعويم العملة ساهم في امتصاص آثار الصدمة النفطية.
وأشار إلى أن نسبة التعويم بلغت نحو 20% منذ بداية الأزمة النفطية منتصف 2014.
ويبلغ سعر صرف العملة المحلية الجزائرية (الدينار) الرسمي لدى البنوك 108 دنانير مقابل الدولار الواحد، و122 دينارا مقابل اليورو الواحد، بينما يبلغ في السوق السوداء 175 دينارا مقابل الدولار، و190 دينارا مقابل اليورو.
وقال خبراء اقتصاد ومال، في أحاديث مع "الأناضول"، إن إجراء التعويم الجزئي كان في صالح الحكومة عبر زيادة الإيرادات، لكن في المقابل كان ضد تطلعات المواطنين بعد زيادة الأسعار وتفاقم التضخم وتدهور القدرة الشرائية.
وتعيش الجزائر العضو في منظمة "أوبك" أزمة اقتصادية منذ ثلاث سنوات جراء تراجع أسعار النفط، وتقول السلطات إن البلاد فقدت أكثر من نصف مداخيلها من النقد الأجنبي، التي هوت نزولا من 60 مليار دولار في 2014 إلى 27.5 مليار نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ورافق الأزمة، تقلص كبير في احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي التي هوت من 193 مليار دولار نهاية 2013، إلى 112 مليار دولار نهاية شباط/ فبراير الماضي، هبوطا إلى مستوى 108 مليارات دولار نهاية حزيران/ يونيو الماضي، وفق أرقام رسمية للسلطات.
وقال "فرحات آيت"، الخبير المالي والاقتصادي الجزائري، إن تعويم العملة المحلية لم يكن صادرا على دراسة، بل كان على أساس إداري سياسي مباشرة بعد الصدمة النفطية.
وأوضح "آيت"، في حديثه مع "الأناضول"، أن السلطات الجزائرية كانت تعتقد أن الصدمة النفطية ظرفية ولن تستمر طويلا وهو ما دفعها لتعويم جزئي للعملة المحلية لمواجهة تراجع مداخيل البلاد.
ووفق الخبير المالي، فإن السلطات الجزائرية قامت بتخفيض (تعويم) العملة المحلية بواقع 31% وليس 20% مثلما أعلن عنه محافظ بنك الجزائر.
وشرح "آيت" بالقول: "في كانون الأول/ ديسمبر 2014 كان الدولار يساوي 82 دينارا، بينما وصل سعر الصرف حاليا إلى 108 دنانير لكل دولار، وبعملية حسابية يتضح أن التعويم كان بواقع 31% وليس 20%".
وانعكست إجراءات التعويم الجزئي للدينار، على مداخيل الطبقات المتوسطة والضعيفة، التي ستتضرر كثيرا قدرتها الشرائية جراء ارتفاع أسعار الاستهلاك الداخلي الذي هو مستورد بنسبة 70%.
من جانبه قال كمال رزيق، الخبير وأستاذ كلية الاقتصاد بجامعة البليدة (حكومية)، إن ما قام به بنك الجزائر ليس تعويما جزئيا للعملة المحلية وإنما هو تخفيض إداري للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية بقيمة 20%.
وذكر رزيق، في حديثه مع "الأناضول" أن هذا الإجراء يرفع حجم إيرادات الجباية البترولية التي سترتفع بواقع 20%، نظرا لارتفاع سعر صرف الدينار مقابل الدولار بنفس النسبة ما يسمح للحكومة بالحصول على موارد مالية إضافية لدعم الموازنة العامة.
وكانت الجزائر أقرت جملة من الإجراءات لتقليص عجز الموازنة العامة في البلاد منها تعديل المنظمة الضريبية وفرض نظام الحصص والرخص على الواردات وقلصت من دعم بعض المنتجات على غرار الوقود والكهرباء.
وتابع رزيق: "أعتقد أن هذا هو السبب الحقيقي من وراء هذا الإجراء وهو التخفيف من عجز الموازنة".
وشدد رزيق، على أن أسعار الاستهلاك سترتفع بنحو 25% هي نسبة التخفيض زيادة على ارتفاع وعاء الضرائب المباشرة وبالتالي ارتفاع عدد من الرسوم على غرار الرسم على القيمة المضافة والرسم الداخلي على الاستهلاك.
وذكر بهذا الخصوص أن "كل هذا سيؤثر على الأسعار وسيؤدي لانهيار القدرة الشرائية للمواطن بحدود 30% وتفاقم التضخم خصوصا في ظل عدم زيادة الأجور ما سيصعب الأمور أكثر على الطبقة الفقيرة والمتوسطة".
ويرى رزيق، أن ما قام به بنك الجزائر سيكون له تأثيرات سلبية على جهود جلب واستقطاب الأموال النائمة في السوق الموازية التي تقدر بنحو 53 مليار دولار وسيفقد المواطن الجزائري الثقة في المنظومة المصرفية ككل.
وتوقع أن يقدم أصحاب الودائع المالية في البنوك على سحب مدخراتهم جراء هذه التدابير ما سيزيد الضغط على السيولة المالية في البنوك.