نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا مشتركا لكل من ديفيد كيرباتريك وشيرا فرنكل، عن عملية
القرصنة التي تعرضت لها وكالة الأنباء
القطرية الحكومية الرسمية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه تم بث خطاب خلال قرصنة الوكالة القطرية لأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد، أشار فيه إلى وجود توتر مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبأنه لن يظل في المكتب البيضاوي طويلا، وتحدث فيه عن علاقة صداقة مع إيران، ومدح حركة حماس الفلسطينية، لافتا إلى العلاقات الطيبة بين قطر وإسرائيل.
ويعلق الكاتبان قائلين ان "هذه التصريحات المتناقضة لم يقصد منها إلا تنفير الدول الخليجية والولايات المتحدة، وبدأت قطر بنفي ما جاء في التقرير، الذي صدر في 24 أيار/ مايو، لكن الدولة لم تكد تنفي حتى بدأ إعلام
السعودية والإمارات العربية، وفي أقل من 20 دقيقة، بنشر أخبار هجومية، وبدأت القنوات بمقابلة عدد من المعلقين، الذين كانوا جاهزين لشرح ما قالوا إنها خيانة قطرية".
وتفيد الصحيفة بأن "الحكومة القطرية قالت إن وكالة الأنباء تعرضت للقرصنة، ووجد زعمها دعما من مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، والمسؤولين الأمنيين البريطانيين، ومع أن القطريين لا يقولون هذا علنا، إلا أنهم يحملون السعودية والإمارات المسؤولية".
ويجد التقرير أنه لم تكن مصادفة أن يتم اختراق حساب سفير
الإمارات في واشنطن
يوسف العتيبة بعد أيام، حيث ظهرت تسريبات من حساباته الإلكترونية في وسائل إعلام غربية وعلى قناة "الجزيرة".
ويلفت الكاتبان إلى أن التآمر الإلكتروني كان بداية لمناوشة بين حلفاء خليجيين، حيث قامت الإمارات والسعودية بحشد الدول الحليفة التي تعتمد عليها، وطلبت منها قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وحظر السفر والتجارة معها، ما أدى إلى تشرذم الوحدة التي دعت إليها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة وإيران.
وترى الصحيفة أن "الحيل القذرة كانت بداية تحول في الجاسوسية الدولية، فالحرب الكلامية في الخليج هي إشارة واضحة على أن الهجمات الإلكترونية، التي رافقتها عمليات تضليل إعلامي، لم تعد أمرا تسيطر عليه روسيا وحدها، حيث يمكن لأي دولة ان تدخل اللعبة، وبثمن قليل، وبالاعتماد على قراصنة غير متفرغين".
وينوه التقرير إلى أن "أف بي آي" وخبراء آخرين توصلوا إلى أن وكالة الأنباء القطرية كانت ضحية لعملية قرصنة، من المحتمل أنها بدأت على يد قراصنة روس مستأجرين.
ويورد الكاتبان نقلا عن محققي "أف بي آي"، قولهم إن القراصنة المرتزقة عادة ما يظهرون في التحقيقات التي يقومون بها لهجمات على دول.
وتؤكد الصحيفة أن "لعبة القرصنة جارية في منطقة الخليج منذ سنوات، مع أنها لم تظهر للعلن بهذه الصورة، ففي عام 2015 قام وسيط عربي تربطه علاقة بقطر بتقديم عدد من رسائل البريد الإلكتروني، التي تمت القرصنة عليها من وزارة الخارجية الإماراتية، وتتحدث عن خرق الإمارات للحظر الجوي على ليبيا، وإرسالها أسلحة للمقاتلين هناك.
ويورد التقرير أن المسؤول البارز في وزارة الخارجية الإماراتية أحمد القاسمي، كتب في 4 آب/ أغسطس 2015، قائلا : "واقع الحال أن الإمارات خرقت قرار مجلس الأمن المتعلق بليبيا، وتواصل القيام بذلك"، مشيرا إلى ظهور رسائل بريد إلكتروني داخلية عن علاقة الإمارات بليبيا، وصفقات أسلحة مع كوريا الشمالية، في مواقع مرتبطة بقطر وصحيفة "الغارديان".
ويبين الكاتبان أن باحثين في مؤسستي أمن إلكتروني، كشفا في تقرير صدر اليوم عن أن جماعة واحدة من الـ"هاكرز" على الأقل تعمل لخدمة عدد من دول الخليج، وتظهر أساليبها الوسائل التي استخدمت للدخول على حساب السفير الإماراتي في واشنطن.
وتنقل الصحيفة عن الباحث كولن أندرسون، قوله: "يبدو أنهم قراصنة للإيجار، ويعملون للزبائن كلهم، ويكيفون مهاراتهم بحسب ما يريدون"، مشيرة إلى أن أندرسون وزميله الباحث كلوديو غويمري أطلقا على هذه الجماعة اسم "بهموت"، على اسم سمكة شرسة تسبح في البحر العربي في رواية خورخي لويس بورجيس "كتاب الأشياء المتخيلة".
وبحسب التقرير، فإن الجماعة تستخدم طريقة الصيد، حيث ترسل رسائل إلكترونية تبدو بريئة لكنها تحتوي على تطبيقات خبيثة، لافتا إلى أنه في الوقت الذي لا يعرف فيه إن كانت "بهموت" هي التي تقف وراء القرصنة على رسائل السفير الإماراتي، إلا أنها قامت باستهداف عدد من الدبلوماسيين الإماراتيين والشخصيات العامة في الخليج.
ويكشف الكاتبان عن أن منظمات أخرى استخدمت رسائل إلكترونية تمت قرصنتها من جماعة تطلق على اسمها "غلوبال ليكس"، واستخدمت في عنوانها روسيا، بشكل يشير الى أن الـ"هاكرز" ربما كانوا روسيين.
وتقول الصحيفة إن السفير العتيبة معروف بجهوده الحثيثة لإقناع مراكز البحوث الأمريكية والمسؤولين الأمريكيين بأن قطر هددت استقرار المنطقة، من خلال دعم الربيع العربي عام 2011، خاصة الإخوان المسلمين، منوهة إلى أن العتيبة يعد شخصية جذابة، ويتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، وكان مدرسا خاصا في السياسة الإقليمية لصهر الرئيس ترامب ومستشاره جارد كوشنر.
ويفيد التقرير بأن الرسائل الإلكترونية تظهر العتيبة وهو يضغط باتجاه المشاعر المعادية لقطر مع المسؤولين الامريكيين الذين يتعاملون معه على أنه صديق قديم، ففي 10 شباط/ فبراير يظهر حوار بينه وبين المسؤول الجمهوري السابق في البيت الأبيض إليوت أبرامز، حيث بدا أبرامز وكأنه يمزح حول الدعم الإماراتي للانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس الإسلامي الصديق لقطر محمد مرسي عام 2013، مشيرا إلى أن الأمر ذاته قد يحدث لقطر، حيث يقول: "أمر سيئ للقوات القطرية.. حسنا، كان علي ألا أقول هذا فسيكون كلامي غير ديمقراطي".
ويذكر الكاتبان أن هناك رسالة إلكترونية أخرى مع المسؤول الجمهوري السابق في البيت الأبيض جون هانا، الذي يعمل مع المؤسسة الموالية لإسرائيل "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية"، حيث اشتكى للعتيبة بأن فندقا إماراتيا في قطر يوفر مكانا لحركة حماس لتعقد مؤتمرها الصحافي فيه، ورد العتيبة قائلا: "كيف حدث هذا؟ انقلوا القاعدة، وسننقل الفندق"، في إشارة غامضة لقاعدة العديد التي تعمل منها القيادة المركزية الأمريكية.
وتشير الصحيفة إلى أن حكومة قطر تعد عملية القرصنة جزءا من حملة تأثير عامة ظهرت في الصحف الأمريكية، وعدت الحكومة القطرية سلسلة من 14 مقال رأي ظهر منذ نيسان/ أبريل، في عدد من الصحف الأمريكية، وبشكل متتابع، وكلها تتهم قطر بدعم المتشددين الإسلاميين والتطرف، التي تزامنت مع رحلة ترامب للمنطقة وخطابه في الرياض.
ويورد التقرير نقلا عن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قوله: "قال لنا: (يجب علينا التعاون معا لوقف تمويل الجماعات المتطرفة في المنطقة، وكلما قرأت تقارير عن هذه المنطقة اقرأ عن السعودية وقطر)"، ورد وزير الخارجية قائلا: "سيدي الرئيس، هل استندت هذه التقارير إلى تقارير صحافية أم أمنية؟ فلو استندت إلى تقارير صحافية، فإننا لا نستطيع الإجابة على هذا الأمر"، وأكد الوزير للأمريكيين أن الحكومة لديها تعاون قوي مع المؤسسات الأمنية.
ويذكر الكاتبان أنه بعد ثلاثة أيام من لقاء ترامب مع الأمير في الرياض، فإن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية عقدت مؤتمرا في واشنطن، خصص لاتتقاد قطر، تحت عنوان "قطر والفروع الدولية للإخوان المسلمين"، وألقى وزير الدفاع السابق روبرت غيتس كلمة افتتاحية في المؤتمر، وحضره عدد من كتاب مقالات الرأي الناقدة لقطر ومسؤولين سابقون في إدارة باراك أوباما.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن المنظمين شجعوا العتيبة للحضور، حيث أرسل فريق السفارة تقريرا عن وقائع المؤتمر إلى أبوظبي، ولم تتم دعوة أي ممثل عن قطر، وحدثت عملية القرصنة في منتصف ليلة المؤتمر.