(1)
تابعت القمة
العربية الإسلامية الأمريكية، ليس بهدف التعرف على مجرياتها، لأنها مجرد تكرار لأغنية مملة حفظت كلماتها وألحانها من فرط تكرارها، وليس بهدف التعرف على نتائجها، لأنها "قمم" بلا نتائج... فمن أين تأتي النتائج الجديدة والمقدمات لا تتغير؟! وليس حتى بهدف مشاهدة النصف النسائي الجذاب من آل
ترامب (زوجة وابنة).. فأنا لست من هواة الدمى. لكنني تابعت القمة (ذات الاسم الفخيم) من أجل الاطلاع على حقيقة ما يسمى "العالم الإسلامي"، فالمعلومات تتحدث عن 55 دولة إسلامية، وهذا رقم عظيم يفوق عدد الولايات المتحدة، وعدد أي اتحاد فيدرالي في العالم قديمة وحديثه، لذلك راودتني أوهامي لمتابعة أداء هذه القوى الإسلامية الضخمة، تحت وازع "الكتابة بالأمل" الذي أعلنت عنه هنا، كأمنية، أو بكلمة أكثر واقعية "كضرورة".. لأننا نعيش "زمن الضرورات" لا "زمن الأمنيات".
(2)
أقولها بصراحة تجافي لغة الأمل التي وعدتكم بها، لقد كان ذلك الزحام.. لا أحد: قمة خليجية أقل من عادية في الشكل وفي المحتوى، وقمة عربية أكثر هزالا من القمم الرسمية للجامعة المتكلسة، وقمة إسلامية أقرب إلى لقاء ثلاثي تصدره العاهل السعودي، والرئيس المصري، والضيف الأمريكي المحتفى به بكرم عربي تجاوز أساطير ذبح الجواد الأخير إكراما للضيف العابر، وقد دفعني غياب الحضور أو "حضور الغياب" إلى البحث عن قائمة الدول المشاركة، ثم قائمة أكثر تفصيلا لمستوى تمثيل هذه الدول.. إنهم بالفعل 55 دولة يمثلهم 36 حاكما (من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو) أي 36 ملكا ورئيسا وأميرا بينهم سلطان واحد، و5 رؤساء حكومات بينهم امرأة، و11 وزيرا بينهم مسيحي، و3ممثلين مجهولين لكل من ألبانيا وغينيا بيساو وأوغندا، 55 دولة لم يغب منها إلا دولة عربية واحدة هي سوريا، ودولة إسلامية واحدة هي إيران، وهذا يعني أنه حشد يقترب من "الإجماع"، فأين المشكلة إذن؟.. وكيف يمكن الحديث عن ضعف عربي وإسلامي؟، وما قيمة دولة عدوانية مغتصبة مثل إسرائيل وسط هذا العدد الكبير من الدول التي تستجيب لقمة التحدي والعمل المشترك، والتي تنهي اجتماعها بقرار "مخيف" عن تشكيل قوة تحالف من 34 ألف جندي لمواجهة الإرهاب في المنطقة؟.
(3)
نسيت أن أقول لكم، إن زعماء الـ55 دولة، لا يتفقون فيما بينهم على "العدو"، بل أن بعضهم قد يكون "هو العدو" من وجهة نظر البعض الآخر، وهذه بطبيعة الحال اختلافات "بسيطة" لم تمنعهم من الحضور ومن التحالف، ومن الاتفاق على أن "إسرائيل ليست هي العدو"، فالعدو بيننا.. من قلب العرب ومن قلب المسلمين، قد يكون في سوريا، وقد يكون في العراق، وقد يكون في ليبيا، وقد يكون في مصر، وقد يكون في السودان، وكذلك قد يكون في تركيا وفي قطر وفي إيران، وفي السعودية نفسها.. أما كيف؟.. فهذا سؤال لا يمكن الإجابة عنه دون تأمل أطراف الصراع العربي/ العربي، والإسلامي الإسلامي، فالحريري يحضر عن لبنان لكن الرئيس عون يخاصم مقررات القمة التي حضرها رئيس حكومته لمهاجمتها حزب الله بما يمثله من وضع خاص في الداخل اللبناني، وعباس يحضر لكن فلسطين غاضبة ليس بسبب وضع السكين على رقبة حماس وفقط، ولكن بسبب المواقف المعلنة للراعي الأمريكي الذي طالما "داس" على حقوق ومشاعر الفلسطينيين والمسلمين، وأكد انحيازه لدولة الاغتصاب وتأييده لضمها القدس كعاصمة ابدية، وهكذا كانت البحرين ضد البحرين، والسودان غير مرغوب في حضور رئيسها، ومصر تغني على ليلاها، والمغرب تخفض تمثيلها، واليمن تنزف بينما رئيسها لا يتأوه ولا يطلب وقفا للنزيف، والعراق تواصل حضور الجنازات باحتراف بارد يليق بخنساءٍ أدركها اليأس من الجميع.
(4)
الإرهاب هو القضية الأخطر التي تهدد المنطقة العربية.. هكذا صرخ أحدهم في وجهي، مضيفا بلهجة ساخرة: وللا هتقوللي إسرائيل والكلام اللي ضيعنا من نكبة لنكسة؟ ويمكن كمان تنسى نفسك وتفكرنا بشعار النكسجي الكبير: ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.
كنت أعرف أن "لغة الأمل" أبعد ما تكون عن ذلك "الأحدهم"، وعن سلالة "الواقعيين العرب"، فقلت له بسخرية أشد: إسرائيل هي "المستقبل العربي"، وعلى أمثالك أن يسارعوا بتحقيق أمنية نتنياهو التي أعرب عنها للسمسار الأمريكي عندما هبط من الطائرة "الإسلامية" قائلا: أتمنى أن يأتي اليوم الذي يسافر فيه رئيس وزراء إسرائيل من "تل أبيب" إلى الرياض، كما جئت من الرياض إلى "تل أبيب"، وأرجو ألا تنسى يا "سلسل المهزومين في العمق" أن "ما أُخذ بالكامب لن يعيده ترامب"، فلا تحدثني عن انتصارات أو مكاسب يمكن أن تحققها أنت وسلالة الانهزاميين.
(5)
سألني "الوقوعي العربي" محتداً: إذا كان العرب مجتمعين لا يقدرون على محاربة إسرائيل، فهل تملك أنت لتحريرها غير هذا الهراء "الحنجوري"؟، وهل يملك الفلسطينيون من أسلحة لا تملكها الدول العربية والإسلامية لتحرير أرضهم؟
قلت له: نعم نملك
قال مندهشا: هل يملك الفلسطينيون سلاحاً ليس موجودا عند حكام الدول العربية؟
قلت: نعم.. يملكون "الدم".. الفلسطينيون لديهم دم.. يقدمونه فداء لحريتهم وفداء لتحرير أرضهم.. والآخرين "ما عندهمش دم".. لا سبيل للحصول على حق ضائع بالإسراف في المذلة والهوان، وإدانة شرف المقاومة، فالتنازل عن حق المقاومة هو الذي جعل العالم الظالم مزدوج المعايير ينظر إلى حماس كجماعة إرهابية، بينما ينظر إلى "إسرائيل" كدولة سلام، ولن أقبل ما حييت بابتلاع هذه الخدعة القذرة، مهما كانت أسانيدكم الواقعية.
(6)
بعد ساعات من الصدام بين " لغة الأمل" و"سلوك الانهزام" كنت أزور صديقاً، وبينما أداعب طفلته (في الرابعة من عمرها) سالت من عيني "دمعة أمل"، لأنها كانت تردد أغنية حفظتها في الحضانة، تقول فيها: "العصافير بتحارب جيش بس إيمانها سلاح".
ولما طلبت منها أن تكمل قالت لي دي حكاية طفل فلسطيني.. "كان شايل ألوانه.. كان رايح مدرسته.. و أما انطلق الغدر ومَوّت حتى براءته.. سال الدم الطاهر على كراسته ".. من هنا بنقول: أرضنا عرضنا/ دمنا أمنا/ و.. إن مات ملايين مننا/ القدس حترجع لنا".. وعرفت أنها تغني مقطعا من أوبريت وطني كتبه مدحت العدل عن استشهاد محمد الدرة، فغنيت معها:
الأرض عشان نزرع فيها/ يا محمد ونموت
بكرة الحق حيرجع ليها/ ملعون أي سكوت
القدس حترجع لنا
(7)
أيها "الوقوعيون العرب".. يا سلالة الكامب وعشاق ترامب: في يوم ما لا أعلم موعده، ستسقط أنظمتكم ملطخة بالعار، وتنتصر أمنيات هذه الطفلة التي لم تتلوث مشاعرها بمذلة هوانكم وخضوعكم.
القدس حترجع لنا... وبغداد ودمشق وصنعاء وطرابلس والحجاز، و.......... القاهرة.