باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، يعتقد البعض أن الشعب يمكنه الخلاص بواسطتها من هذا الكابوس الجاثم فوق صدور المصريين، وصار يمثل عبئاً ليس فقط على من رفضوا الاعتراف به، فهو بأسه شديد حتى على الذين أيدوه في البداية، ونظروا إليه على أنه الأمل والمنى!
وللدقة فإن عبد الفتاح السيسي، صار عبئاً على الوطن ومقدراته، وحاضره، ومستقبله. وصارت كل ساعة تمضي وهو في الحكم، إنما تمثل خطراً على مصر قد يتعذر تداركه إن بقي لدورة جديدة!
والحال كذلك، فهناك من بادروا بطرح بدائل لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، وإذا كان المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي قد دعا إلى مرشح توافقي للقوى الوطنية، فإن البعض قد اجتهد في طرح من يمكنه أن يمثل مرشحاً توافقيا، فأثبت هذا عن عقل مأزوم عندما يتم طرح اسم المستشار يحيى الدكروري المرشح لرئاسة المحكمة الإدارية العليا، رغم عدائه لثورة يناير، وانتمائه لدولة مبارك العميقة. كما تم الإعلان بواسطة الأمين العام لحزب "مصر العروبة" رجب هلال حميدة، عن أن قرر الدفع برئيسه ورئيس الأركان السابق سامي عنان لخوض الانتخابات الرئاسية في 2018، بينما يبدو المرشح الرئاسي السابق، ورئيس آخر حكومة في عهد مبارك، الفريق أحمد شفيق، في موقف المترقب، وهو في صمته يعزز من صدق الدعاية التي أذيعت إعلامياً بأنه مصاب بالزهايمر، وهى دعاية غير صحيحة، لكنها صادرة من مكتب عبد الفتاح السيسي نفسه وتستهدف اغتياله معنوياً.
بإقدامه على التفريط في التراب الوطني، فإن السيسي خسر كثيرين من معسكره، وفقد هيبته في نفوس من أيدوه من قبل وكانوا يرونه خليفة جمال عبد الناصر في الملاعب، وهؤلاء في بحثهم عن بديل ليس لديهم مانع من فكرة إسقاط السيسي بالانتخابات فلا هم يؤمنون بشرعية الدكتور محمد مرسي، ولا هم تشغلهم عودته، فهم يعتبرون أن السيسي رئيساً شرعياً جاء بالصندوق ويمكن إسقاطه به، إذا احتشدت جميع القوى خلف مرشح واحد، فهل يملكون القدرة على ذلك؟!
كما كانت الثورة التونسية ملهمة لجماهير الشعب المصري، فإن هناك درسين أحيا الأمل في نفوس هؤلاء بالقدرة على إنهاء وجود السيسي بالانتخابات التي ستجرى في سنة 2018!
الدرس الملهم الأول جاء من جامبيا، التي تولى الحكم فيها الضابط "يحيى جامع" بانقلاب عسكري في سنة 1994، وكعادة قادة الانقلابات فإنهم يضيفون شرعية شعبية على حكمهم بالانتخابات، فتم انتخابه بعد عامين، ثم أعيد انتخابات في 2006، و2011، ويبدو الأمر وقد استتب له، لكن المعارضة احتشدت في العام الماضي بمرشح موحد هو "آداما بارو"، تمكنت به من إسقاط قائد الانقلاب العسكري!
الدرس الثاني جاء من تركيا، ومفاده أنه يمكن للشعب أن يسقط انقلاباً جرى التخطيط له إقليميا ودولياً، عندما يمتلك هذا الشعب الإرادة والعزيمة، فلم تملك الدوائر الغربية والإقليمية إزاء إحباط الانقلاب المدعوم بإرادتها صداً أو رداً، والمعنى أنه إذا كان عبد الفتاح السيسي يجد تأييد إقليميا ودولياً، فإنه يمكن إسقاطه، وإذا كانت هذه القوى تعجز عن هذه المهمة بالثورة، فإنه قد تستطيع بالانتخابات، ولاسيما وأن طرحها المأزوم لا يمثل خطراً على مصالح الدوائر الإقليمية والدولية!
من يرون أنه يمكن أن تكون سنة 2018 هى عام الخلاص، يرون أن السيسي لم تعد له الشعبية التي كانت من قبل، وهى شعبية كانت صرحاً من خيال فهوى، وكان العزوف الجماهيري في الانتخابات الرئاسية الماضية كاشفاً عن هذا الضعف، الذي جعل بعض قيادات الحزب الوطني تعلن ندمها لأنها لم تدفع بالدكتور حسام بدراوي في هذه الانتخابات وقد فوجئوا بأن الدولة العميقة لم تتحمس للسيسي، فضلاً عن جماهير القوى المدنية، لم تخرج لانتخابه، وجماهيرها في حدود الثلاثين في المئة، في كل الاستحقاقات الانتخابية في مواجهة التيار الإسلامي, ولم يؤيد السيسي منها سوى المسيحيين الذين يبدو أنهم وحدهم من تحمسوا للانتخابات بتحريض من قياداتهم الروحية، وإن كان حضورهم لم يكن كبيراً، فعلى امتداد القطر المصري، لم تضبط كاميرا عشرين فرداً ينتظرون الإدلاء بأصواتهم أمام أي لجنة وعلى مدى ثلاثة أيام!
وقد كان هذا العزوف مبكرا، وقبل الأداء الفاشل لعبد الفتاح السيسي الذي نتج عنه تجويع الشعب، لدرجة أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار رفعت الغطاء الذي كان يستر الطبقة المتوسطة، فخرجت تشكو الفاقة والعوز، وتقوم بنقل أبناءها من المدارس الخاصة إلى مدارس الحكومة، وقد قال لي زميل كان مؤيداً للسيسي لقد كنا نقول: " لا أحد ينام جائعاً"، وهو مثل مصري متوارث، الآن استطيع أن أقول لك: "إن كثيرين ينامون جوعى"!
وهى كلها أمور تعزز من فكرة البحث عن بديل، ويبدو أن السيسي يستشعر الخطر، رغم أن الظاهر أنه حاكم متغلب، يملك الجيش والشرطة والقضاء، وهم المنوط بهم إدارة العملية الانتخابية، وهو في خوفه فإنه يفكر مبكراً بصوت مسموع في محيطه، فينتقل تفكيره للسطح عبر نقاش في وسائل الإعلام، أو عبر دعوات من قبل أعضاء في برلمانه بتعديل الدستور، لمد الدورة البرلمانية إلى ست سنوات بدلاً من أربع، وهناك من يقترح العودة إلى زمن الاستفتاء كما كان قبل عام 2005، عندما كان البرلمان يختار المرشح الرئاسي ويطرحه على الاستفتاء الجماهيري!
السيسي كائن يخشى المفاجآت، وكان في البداية قد قرر الاستمرار وزيراً للدفاع فتم تحصين منصبه في الدستور، وظل فترة طويلة يقدم رجلاً ويؤخر أخرى في عملية الترشح، ولم يقدم عليها إلا مضطراً وخوفاً أيضاً من المجهول، فماذا لو جاء رئيس ولو كان من اختياره، وانقلب عليه وعدل الدستور وأطاح به من منصب وزير الدفاع، وبمساندة داخلية وخارجية، وعلى أساس أن السيسي جزءا من الأزمة فلا يمكن أن يكون جزءاً من الحل!
الوقت يداهم كافة الأطراف المعنية بانتخابات (2018) فالدستور يمنع من تعديل المواد الخاصة بانتخابات رئاسة الجمهورية، وإذا تم التحايل بالتعديل فلا بد من دعوة الناس للاستفتاء عليها، كما أن النية في التعديلات تتجه إلى إلغاء التحصين لمنصب وزير الدفاع فهل هذا الوقت مناسباً لذلك، ومناسباً لإثارة حفيظة وزير الدفاع وهو يبالغ في إظهار الانصياع له، فماذا سيكون موقفه عندما يعلم أن السيسي سيطيح به كما أطاح بشريكهما في الانقلاب اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية؟!
لا ألقى أمالاً عريضة على كل اختيارات مبارك، لكن على الأقل فمع رجل يخشى المفاجآت فليس هذا هو الوقت المناسب الذي يشعر فيه الوزير "صدقي صبحي" أنه قد يطاح به!
وبعيدا عن النص الخاص بتحصين منصب وزير الدفاع، فإن عدد سنوات دورة رئيس الجمهورية، إذا تم التحايل بتعديلها فلابد أن يعرض الأمر للاستفتاء، وهو لا يمكن أن يتم في ظل مد العمل بقانون الطوارئ، ثم إن البرلمان في طريقه لأجازته الصيفية، وإن كان يمكن دعوته للانعقاد، لكن كل هذا سيعطي إحساسا بأن البلد في حالة فوضى من النوع الذي سيتيح للجميع التجرؤ على السيسي، فهل يمكن الذهاب للاستفتاء، والأمور على هذا النحو، وماذا لو استفز الأمر عموم المصريين وأنتج المشهد زعامة سياسية قادت الحركة إلى رفض هذه التعديلات؟..إن استشعار الخوف هنا سيكون بنفس مقدار استشعار الخوف من الانتخابات الرئاسية، والذي يستطيع تمرير هذه سيمرر تلك، والسيسي دائماً يخاف من أن قفزة في الهواء قد ترديه قتيلا!
الوقت يداهمنا يا زلمة، فبالورقة والقلم، فإن البدء في إجراءات الانتخابات الرئاسية بحسب النص الدستوري ينبغي أن تكون قبل أربع شهور من انتهاء "دورة السيسي"، وعليه فإن بداية إعلان الإجراءات ينبغي أن تكون في بداية شهر فبراير (2018)، من فتح باب قبول طلبات الترشيح، ومدة الدعاية، وإجراء الانتخابات والإعادة، لتتمكن لجنة الانتخابات من إعلان اسم الفائز قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس القائم!
والمعني أنه لابد أن يكون اسم المرشح الرئاسي لهذه القوى معروفاً من الآن، ونحن لا نر إلا مبادرات فردية أقرب إلى التهويمات عن ترشيح شخصيات مثل "الدكروري" الذي قد تُحل مشكلته بتعيينه رئيساً للمحكمة الإدارية العليا، ولا يوجد ما يمنع من تعيينه وهو ابن الدولة القديمة، لاسيما وأنه سيحال إلى التقاعد لبلوغه سن السبعين في ديسمبر المقبل، ثم أنه لم يفاتح في أمر ترشيحه، ولا أظنه يمكن أن يوافق حتى وإن لم يتم اختياره رئيسا للإدارية العليا.
الطريقة التي تم الإعلان بها عن ترشح سامي عنان، تكشف أنها مناورة، قد تنهيها عملية تخويف كالتي جرت له عندما قرر الترشح في الانتخابات الماضية، وتكفي ليتنكر من شخص من أعلن عن أن الحزب قرر ترشحه، لاسيما وأنه لم يقال أن اجتماعا للحزب قد انعقد ليقر هذا الترشح، فقط الأمر أعلنه الأمين العام رجب هلال حميدة!
لا أسفه من القدرة على إسقاط عبد الفتاح السيسي بالانتخابات، لاسيما وأن الحديث عن الثورة الآن يبدو أقرب إلى الأساطير، مع تقديري بأن مصر حبلى فعلاً بالثورة التي قد تنفجر فجأة، وعلى غير قواعد اللعب في يناير 2011!
بيد أن البؤس الذي عليه القوى المدنية يجعل من عملية إسقاط السيسي بالانتخابات أضغاث أحلام، ليجعل من المرشح القادم ليس أكثر من محلل، وبعد أن أعلنت الجامعية الراقصة "منى البرنس" عن ترشحها للانتخابات الرئاسية القادمة فأعتقد أنها بنت المرحلة، فالمرحلة التي جرى فيها اختيار "فيفي عبده" أما مثالية، هى ذاتها التي يصلح أن تمثلها مثالية أخرى هى "منى البرنس"!
السيسي في مواجهة منى البرنس.. إنهما إفرازات المرحلة.