ثمة تحامل ملحوظ على جماعة
الإخوان المسلمين (وليس على أدائها السياسي فقط)، ومحاولة تحميلها خطايا كوكب الأرض بالحق والباطل، لمجرد الخلاف الأيديولوجي، في محاولة بائسة للتهرب من المسؤولية، والتنصل من تقاسم الأخطاء لصالح تحميل فصيل واحد فقط كل الخطايا والموبقات، في مقابل التغطية على خطايا الآخرين وتحالفاتهم الخبيثة مع الدولة العسكرية العميقة.
في البدء طالبوا الاخوان بمشاركة القوى السياسية الآخرىالحكم، وعدم الاستحواذ على البرلمان، والزهد في الترشح لانتخابات الرئاسة، تحت ذريعة أن طبيعة المرحلة لا تحتمل رئيساً ذو خلفية إسلامية، وعندما ترشح الدكتور محمد
مرسي للرئاسة ممثلاً لجماعة الاخوان، انتفض ما يسمى التيار المدني (العلماني والليبرالي واليساري والقومي والناصري.. إلخ) عمزاً ولمزاً في الجماعة وتاريخها وحاضرها وأدبياتها، متهمين إياها بـ"التكويش" والاستحواذ والهيمنة والديكتاتورية، وكأنه حلال عليهم حرام على الإخوان والتيار الإسلامي!
يلعب المناوئون لجماعة الإخوان لعبة جحا مع الحمار وابنه في تعاطيهم مع أداء الجماعة، حيث كان جحا في يوم من الأيام وابنه يحزمان أمتعتهما استعدادا للسفر إلى المدينة المجاورة، فركب الاثنان على ظهر الحمار لكي يبدآ رحلتهما. وفي الطريق مرا على قرية صغيرة، فأخذ الناس ينظرون إليهما بنظرات غريبة ويقولون: "انظروا إلى هذين القاسيين، يركب كلاهما على ظهر الحمار ولا يرأفان به"! وعندما أوشكا على الوصول إلى القرية الثانية، نزل الابن من فوق الحمار وسار على قدميه، لكي لا يقول عنهما أهل هذه القرية كما قيل لهما في القرية التي قبلها، فلما دخلا القرية رآهما الناس فقالوا: "انظروا إلى هذا الأب الظالم، يدع ابنه يسير على قدميه وهو يرتاح فوق حماره".
وعندما أوشكا على الوصول إلى القرية التي بعدها، نزل جحا عن الحمار، وقال لابنه: اركب أنت فوق الحمار. وعندما دخلا إلى القرية رآهما الناس فقالوا: "انظروا إلى هذا الابن العاق يترك أباه يمشي على الأرض وهو يرتاح فوق الحمار". فغضب جحا من هذه المسألة وقرّرأن ينزل هو وابنه من فوق الحمارحتى لا يكون للناس سُلطة عليهما. وعندما دخلا إلى المدينة ورآهما أهل المدينة قالوا: "انظروا إلى هذين الأحمقين، يسيران على أقدامهما ويتعبان نفسيهما ويتركان الحمار خلفهما يسير وحده".. فلمّا وصلا باعا الحمار.
هكذا يتعاملون مع الاخوان، يطالبونهم بالاختفاء من المشهد السياسي برمته، ولو فعلها الاخوان لوصفوهم بالفشل والضعف وخيانة أنصارهم وظهيرهم الشعبي، وإن لم يفعلوها وأصروا على تحمل تبعات المواجهة مع النظام رغم الكلفة الباهظة؛ يتهمونهم بالخبل والجنون والغباء، ولو تنازل الاخوان عن شرعية الرئيس محمد مرسي، سيتهمونهم بالاستسلام والفشل، ولو أصروا على التمسك بمبدأ
الشرعية التي هي شرعية الشعب
المصري الذي انتخب رئيسه؛ اتهموهم بالدروشة والعيش في الأوهام والأحلام.. عابوا على الإخوان تحالفهم مع العسكر، بينما يمارسون الفحشاء في فراش العسكر!
ليس دفاعاً عن جماعة الإخوان، فهم أقدر من يدافعون عن أنفسهم، وليس تبريراً لأخطائهم وعثراتهم التي نعترف بها وأشرت إليها غير مرة، لكن هناك حالة متعمدة لاصطياد الأخطاء وتتبع الزلات والعورات لفصيل مفترض أنه بشري بالأساس، حيث أن سلوكه يخضع للخطأ والصوات طالما يتعرض للعمل العام. والنتيجة؛ الفشل في الالتقاء لنقطة مشتركة يتوحد حولها الفرقاء، لأن هناك من يريد استئصال شأفة الجماعة تماما، ولا يقبل بوجودها من الأساس إلا تابع، حيث لن يرضى خصوم الإخوان عنهم مهما فعلوا أو قدموا من تنازلات، لأن الأمر لا يتعلق بحسابات النجاح والفشل، وإنما بمنطق النكاية والكيد السياسي على أرضية مبدأ "إما نحن أو هم".